أزمة الصكوك الإسلامية تحتاج إلى"تفكير خارج الصندوق" وطرح هياكل جديدة منضبطة بالشريعة

أزمة الصكوك الإسلامية تحتاج إلى"تفكير خارج الصندوق" وطرح هياكل جديدة منضبطة بالشريعة

أزمة الصكوك الإسلامية تحتاج إلى"تفكير خارج الصندوق" وطرح هياكل جديدة منضبطة بالشريعة

كشف خبير في مجال الصكوك الإسلامية وجود ثلاثة تحديات ستواجه الصكوك الإسلامية مستقبلا باعتبارها من أكثر المنتجات المصرفية الإسلامية نمواً واتساعاً، فضلا عن تأثيرها الكبير في أسواق المال على المستوى العالمي.
ولخص حامد بن حسن ميرة المتخصص في الصكوك الإسلامية، هذه التحديات الثلاثة في ثلاثة محاور رئيسة، الأول توفير البيئة التشريعية والتنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك، والمحور الثاني الصكوك وتقيُّدها بالضوابط الشرعية، وفيما ذهب المحور الأخير إلى ما أطلق عليه الأهمية الكبرى لإنشاء الهيئة الشرعية العليا الموحدة لسوق المال.
وفند ميرة خلال ورشة عمل استضافتها "الاقتصادية" بالتعاون مع الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل تحت عنوان: "الصكوك الإسلامية، ماهيتها، مستجداتها، التحديات المستقبلية)، الحملة التي شهدتها أزمة الصكوك الإسلامية أخيرا والتي تضمنت تحذيرات من احتمالية انهيار سوق الصكوك وخطورة تداعيات ذلك، بقوله: "إن هذه الحملة غير علمية وغير دقيقة في كثير من جوانبها، بل إن من الناس من ركبها وساير التيار دون معرفة دقيقة بحقيقتها وأبعادها".
وتحفظ ميرة خلال ورشة العمل التي حضرها نخبة من الاقتصاديين والمصرفيين والمتخصصين في الشريعة الإسلامية على تسمية الوضع الذي تشهده الصكوك الإسلامية بـ "الأزمة"، لكنه عدها وقفة محاسبة ومراجعة، وفرصة سانحة لتطوير الصكوك وزيادة قوتها ونجاحها، وقال: "يمكن اعتبار هذه المرحلة نقطة تحوُّل إيجابية كبيرة في مجال التصكيك، وبداية تأريخ مرحلة جديدة أن أحسنَّا استغلالها، وصنعنا من المحنة منحة".

إلى التفاصيل:

بداية يقول حامد بن حسن ميرة المتخصص في الصكوك الإسلامية، في ورقته التي قدمها خلال ورشة العمل التي حملت عنوان: "الصكوك الإسلامية، ماهيتها، مستجداتها، التحديات المستقبلية) "إن موضوع الصكوك الإسلامية متشعب وكبير وذو جوانب متعددة ومهمة، والتطورات فيه كبيرة ومتسارعة، بل هو من أكثر المنتجات المصرفية الإسلامية نمواً واتساعاً، وعليه فقد غدا حديث الساعة، والإحاطة والتصوُّر العام له من الأهمية بمكان للعاملين في المصرفية الإسلامية على وجه الخصوص، وذوي الاهتمام بها عموماً، لما للصكوك من تأثير كبير جداً على المستوى العالمي".
وتحدث ميرة عن تاريخ الصكوك الإسلامية ونشأتها ومراحل التطور التي مرت بها عملية التصكيك حتى وصولها إلى التوسع الكبير الذي نعاصره في المرحلة الحالية، كما تحدث عن ماهية الصكوك من جهة تعريفها وتصوير معناها وبيان أوجه الاتفاق والافتراق بين الصكوك وبين المصطلحات المشابهة لها وذات العلاقة، ومنها: العلاقة بين الصكوك والسندات، والعلاقة بين الصكوك والأسهم، والعلاقة بين الصكوك وعقود التمويل الإسلامية المُجَمَّعة Islamic Syndication Loan.
وتناول المحاضِر خصائص الصكوك وأبرز مزاياها من جوانب متعددة مالية، فنية، اقتصادية، وشرعية. وأبرَزَ مزايا الصكوك من جهات مختلفة، حيث تحدَّث عن مزايا الصكوك من زاوية الجهة المتموِّلة (أي الجهة المصدِرة للصكوك)، وما المزايا التي تحققها الشركات إذا حصلت على التمويل بواسطة الصكوك، وكذلك مزايا الصكوك من جهة المستثمر. تلا ذلك الحديث عن عوامل وأسباب التوسع الكبير والانتشار الذي فاق التوقعات للصكوك الإسلامية.

أزمة الصكوك الحالية

ثم انتقل الباحث للحديث عن موضوع أكثر سخونة، وهو المحور الذي عُنوِن: أزمة الصكوك الحالية؛ منشؤها، وتداعياتها، حيث فند الحملة التي شهدتها أزمة الصكوك الإسلامية أخيرا والتي تضمنت تحذيرات من احتمالية انهيار سوق الصكوك وخطورة تداعيات ذلك، بقوله: "إن هذه الحملة غير علمية وغير دقيقة في كثير من جوانبها، بل إن من الناس من ركبها وساير التيار دون معرفة دقيقة بحقيقتها وأبعادها".
وتحفظ ميرة على تسميتها بالأزمة، لكنه عدها وقفة محاسبة ومراجعة، وفرصة سانحة لتطوير الصكوك وزيادة قوتها ونجاحها، وقال: "يمكن اعتبار هذه المرحلة نقطة تحوُّل إيجابية كبيرة في مجال التصكيك، وبداية تأريخ مرحلة جديدة أن أحسنَّا استغلالها، وصنعنا من المحنة منحة".
وقدم ميرة تحليلا في هذا الشأن من خلال بيان نقاط الاتفاق، وإزالة ما قد يكون قد حصل عند بعض المتابعين لها من لبس، حيث ذكر بأن الجميع متفق، وقال: "أعني بـ "الجميع" هيئات الفتوى الشرعية، البنوك، الشركات، الهيئات التنظيمية لأسواق المال، والمهتمين بالمصرفية الإسلامية"، ثم أكمل: "الجميع متفق على أهمية الصكوك كأداة تمويلية واستثمارية إسلامية، وأنها أثبتت على أرض الواقع ومازالت تثبت أنها ورقة مالية شرعية فاعلة ومهمة، ومازالت تحقق نجاحاً تلو نجاح، وأن الصكوك كمنتج وأداة مالية لا اعتراض ولا تحفُّظ عليها، بل الجميع يدعو إلى دعمها وتعزيزها".

إعادة النظر في المسائل المتعلقة بالهيكلة

وقال: "إذا كان جميع ما سبق متَّفَقاً عليه، فما محل النقد والتحفظ فيما يتعلق بالصكوك؟!"، ثم بين أن ما وُجِّه النقد إليه من الناحية الشرعية، وطُلب إعادة النظر فيه هو بعض القضايا والمسائل المتعلقة بعملية الهيكلة structuring التي تُبنى الصكوك عليها، وبين أنها مسائل ونقاط عِدَّة تشتمل عليها أو على بعضها هياكل structures بعض إصدارات الصكوك المتداولة في الأسواق المالية، ثم ضرب مثالاً واحداً لأبرز هذه المسائل التي وُجه بعض علماء الشريعة النقد لها، وطلبوا إعادة النظر فيها، وهي: "التزام المُصدر (الجهة المتموِّلة) بشراء موجودات الصكوك بالقيمة الاسمية للصك عند الاستحقاق أو في حال التقصير عن السداد"، ثم وضح الملقي صورة مختصرة لهيكلة إصدار من إصدارات الصكوك مشتملة على الملاحظة السابقة، ووضح أثر هذه الملاحظة في الهيكلة وتأثيرها الشرعي في الصك.
وأضاف قائلا: "لعل من الأهمية بمكان في هذا المقام الإشارة إلى أن النقد والتحفظ الشرعي على بعض القضايا والمسائل التي تشتمل عليها هيكلة بعض الصكوك - ومنها مسألة: التعهد بشراء موجودات الصكوك- ليس وليد هذه الأزمة، وليس جديداً، بل إن كثيراً من العلماء والباحثين ورسائل علمية قد درست هذه المسائل وتحفظت عليها، ونبهت على أهمية إعادة النظر فيها وضرورة تعديلها".

الدراسات الشرعية

ودعم الباحث حديثه بأمثلة لبعض الدراسات الشرعية التي تحفظت على هذه المسائل من الناحية الشرعية، ومنها: بحوث جملة من العلماء المقدَّمة لمجمع الفقه الإسلامي في دورته 15، والمنعقدة في الفترة من 6 إلى 11/3/2004م ـ أي قبل ما يقارب الأربع سنوات ـ إلا أن إبراز الإعلام لنقد فضيلة الشيخ تقي العثماني الأخير ـ قبل قرابة أربعة أشهر- لبعض المسائل التي تشتمل عليها الصكوك، وما تلا ذلك من تحليلات وتفسيرات بعيدة كل البعد عن هدف نقد الشيخ العثماني، كان هو منشأ هذه الأزمة من وجهة نظر المتحدث.
ثم انتقل ميرة من حديثه عن محل النقد والتحفظ إلى نهاية الأزمة وأبرز الوقفات المستقاة منها، حيث ذكر أن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية قد اجتمع في البحرين الأسبوع الماضي لمناقشة أبرز الملاحظات التي تشتمل عليها هياكل الصكوك، وبعد المداولة والمناقشة خرج المجلس بقرارات جريئة وموفقة، وسيكون لها أثر إيجابي كبير في الارتقاء بالصكوك وتفعيل دورها، وزيادة الثقة فيها.
وذكر ميرة أن من أهم ما نص عليه القرار حسم المسألة التي أثير حولها جدل إعلامي كبير ـ وهي مسألة: "تعهد المصدر بشراء أصول الصكوك بقيمتها الاسمية - ومما جاء في القرار بشأنها: "عدم جواز أن يتعهد المضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها".
وقال ميرة: "بهذا القرار يتم إسدال الستار على هذه الأزمة، ويتبدد ما كان يقال ويُتوقع من نهاية مأساوية للصكوك"، مشيدا بموقف المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة الذي بت في الموضوع بحزم وحكمة، حيث لم يرضخ للحملة الإعلامية الكبيرة التي كانت تحذر بالويل والثبور وعظائم الأمور التي قد تقع لو حرِّمت بعض المسائل التي تبنى عليها هياكل التصكيكstructures، وإنما قام المجلس بدوره في بيان الحكم الشرعي في هذه المسائل، وقاد المجلس الشرعي بقراره الجرئ مسيرة الصكوك إلى الأمام، وفتح بذلك مرحلة جديدة من تاريخ الصكوك.
وزاد: "إن من المهم جداً التأكيد على أن النقد الشرعي لبعض المسائل التي تضمنتها هياكل صكوك مصدرة، أو حتى القول بتحريم هيكلة معينة سبق وأن أُصدرت صكوك على غرارها، فإن ذلك لا يعني أن من سبق وأَصْدَر هذه الصكوك أو تملكها بناء على فتوى شرعية ممن يجوز تقليدهم من العلماء، لا يعني ذلك أنه كان آثماً؛ لأنه قد تصرَّف بناء على فتوى وذمته قد برئت بذلك".
وأكد ميرة على أن رجوع العالم عن فتواه ـ بعد بذله تمام الجهد في تصور المسألة واستنباط حكمها- إذا تبين له الحق في قولٍ غير القول الذي سبق وأن أفتى به ليس منقصة في المفتي أو العالم ولا دليلاً على اضطراب وقصر في نظره، بل هو دليل نزاهة وأمانة وتقوى من الله وتواضع ورجوع إلى الحق، بل ودليل سعة علم، وبين أن هذا المنهج ـ أي الرجوع إلى الحق- منهج قد سار عليه أئمة الأمة الإسلامية وعلماؤها من لدُن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام ومن سار على نهجهم، والنصوص والشواهد على ذلك كثيرة جداً.
وانتهى ميرة وقفاته مع أزمة الصكوك الحالية بقوله: "مع كون المتحدث يرى تحريم التزام المصدر بشراء أصول الصكوك بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها، إلا أن ما ذُكر من حلول جائزة - كشراء المصدر لأصول الصكوك عند نهاية الإصدار بقيمتها السوقية وبما يتم الاتفاق عليه - هي في وجهة نظر المتحدث حلول غير عملية من الناحية التطبيقية والفنية، إذ طبيعة الصك الفنية تتطلب قدراً كبيراً من الاستقرار وتخفيف المخاطر والعوائد المتوقعة بدقة".

التفكير خارج الصندوق

وأشار ميرة إلى أن العادة جرت عند تسعير الصكوك والسندات على التفاوض بما يسمى النقطة الـPoint (النقطة هي جزء من مائة جزء من 1%)، فكيف يقال: بتحديد سعر الأصول عند الإطفاء بالقيمة الاسمية أو بما يتفق عليه الطرفان في حينه؟! إذ إن مآل ذلك إلى أمرين - كلاهما مرفوض من وجهة نظر المتحدث- ويجب أن يُسد بابها من الآن كما ذكر- وهما: أن يبدأ مهيكلو الصكوك والقائمون على تطوير المنتجات بصياغة الحِيل الفنية أو التلاعب بالصياغة القانونية للعقود، بحيث يكون ظاهرها عدم التعارض مع نص قرار المجلس الشرعي الأخير، وهي في حقيقتها ونتيجتها ما تم منعه وتحريمه. والثاني أن يقال: بأن هذا الضابط تعجيزي، ولا يمكن إصدار الصكوك مع وجوده، وسينتج عن ذلك توقف التصكيك، أو طرحها وهي تحمل أسباب فشلها.
ويرى ميرة أن الحل ليس القول: بجواز التعهد بإعادة الشراء بالقيمة الاسمية، وكذلك ليس الحل العملي أن يقال: بإعادة الشراء بالقيمة السوقية، وإنما الحل: - كما يقال: بـ"التفكير خارج الصندوق"- هو في طرح هياكل structures جديدة للتصكيك منضبطة بالضوابط الشرعية، وتلبي المتطلبات الفنية والمالية في الصكوك، وتعالج المخاطر بأكبر قدر ممكن"، وذكر أن بعض الجهات والمؤسسات المالية في هذه المرحلة تعمل على طرح هياكل جديدة كلياً للصكوك منضبطة بالضوابط الشرعية وبعيدة عن المسائل محل الإشكال، وهو ما سيشكل النقلة الحقيقية المتوخاة في سوق الصكوك بمشيئة الله.

التحديات المستقبلية
وذكر ميرة أن هناك عدد من التحديات المستقبلية التي تواجه الصكوك، ولخصها في ثلاثة محاور رئيسة الأول توفير البيئة التشريعية والتنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك، والثاني الصكوك وتقيُّدها بالضوابط الشرعية، والمحور الثالث أطلق عليه الأهمية الكبرى لإنشاء الهيئة الشرعية العليا الموحدة لسوق المال.
وفيما يتعلق بالمحور الأول أوضح ميرة أن من أهم التحديات بل وأكبر العوائق التي تقف حجر عثرة أمام تطور الصكوك وانتشارها هو توفير البيئة التشريعية والتنظيمية المهيِّئة لإصدار الصكوك، وذكر بأن لتوفير الأنظمة والتشريعات المنظمة للتصكيك أثراً إيجابياً كبيراً في تعزيز إصدار هذه الورقة المالية المهمة، وهو ما سيؤدي تبعاً لذلك إلى تعزيز اقتصاد الدول المعنية بذلك، ويدعم سوقها المالية.
وطرح الباحث بعضا من أمثلة الأنظمة والقوانين والإجراءات المهم سنُّها لدعم عملية التصكيك وهي:
1. اعتماد لائحة أو نظام طرح الصكوك الإسلامية, مثلها مثل اللوائح والأنظمة المتعلقة بترتيب طرح الأسهم والوساطة في إصدارها وتداولها.
2. اعتماد نظام تأسيس الشركات ذات الغرض الخاص SPV أو SPC.
3. اعتماد نظام حفظ الموجودات Trust Law .
4. تيسير الإجراءات النظامية المتعلقة بطرح الصكوك وإدراجها في السوق، وإنشاء الشركات ذات الغرض الخاص، ووضع حدٍّ أعلى للمدد التي يستغرقها استخراج التصاريح والموافقات ذات العلاقة بالتصكيك.
وعدَّد المتحدث أبرز ما يُوضح أهمية توفير البيئة التنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك، وهي:
1. البت في كثير من القضايا الجوهرية المتعلقة بالتصكيك وتوضيحها، والتي لا يمكن حلها إلا من خلال اعتماد هذه اللوائح والأنظمة، حيث إن للصكوك جوانب تتميز فيها عن الأسهم والسندات وبقية أدوات الدين، ومن هذه القضايا المهمة: "محدودية مسؤولية حامل الصك"، حيث إن للبت في هذه القضية أهمية كبيرة خاصة في الصكوك، لأن الصك يمثل حصة مشاعة في أعيان ومشاريع فالحكم بمحدودية المسؤولية من الأهمية بمكان، إضافة إلى قضايا الزكاة والضريبة، وتملك الأجانب للصكوك التي تمثل أعياناً مؤجرة، وخاصة لو كانت الأعيان المصككة في مكة والمدينة، إلى جانب الجهات المؤهلة لإصدار الصكوك (شركات مساهمة، شركات ذات غرض خاص SPV، المؤسسات والمصالح الحكومية).
2. وضع الضمانات الكافية لمنع التلاعب بأموال الناس باسم التصكيك.
3. تحجيم جزء كبير من المخاطر القانونية المرتبطة بإصدار الصكوك في ظل عدم وجود أنظمة ولوائح منظمة لإصدار الصكوك والتي يجب أن تنص عليها وتوضحها نشرات إصدار الصكوك؛ ولذلك فإن وجود الأنظمة والقوانين سيقلل المخاطر، وهو ما ينعكس إيجابياً على إمكانية تخفيض الربح الممنوح لحملة الصكوك، وهو ما يؤدي إلى زيادة مقدرة التمويل بالصكوك في منافسة التمويل بالأدوات التمويلية الأخرى، وهو ما يصب في المآل إلى مزيد من النجاح والتقدم في سوق التصكيك.
4. هذه الأنظمة من العوامل المهمة في التصنيف الائتماني للصكوك؛ إذ إن وجود الأنظمة يعين وكالات التصنيف الائتماني في التأكد من مدى قانونية الصك وقوته.
5. زيادة كفاءة وفاعلية البنوك وشركات الوساطة في التصكيك من حيث إمكانية تحديد المدد الزمنية الكافية للتصكيك عند التفاوض مع الشركات الراغبة في التمويل عبر الصكوك.

التقيد بالضوابط الشرعية

ثم انتقل حامد ميرة للحديث عن المحور الثاني من محاور التحديات المستقبلية، وهو: "الصكوك وتقيُّدها بالضوابط الشرعية"، وبدأ الحديث بقوله: "مفرق التميز الأول في الصكوك هو كونها أداة مالية منضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية؛ وعليه فإن من أهم ما ينبغي أن تُصرف له الجهود في عملية التصكيك التأكد من كون الصكوك منضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية ومحققة لمقاصد الشريعة الإسلامية"، وثم ذكر بأن تحقيق هذا الهدف الكبير، وتحقيق هذه الغاية المهمة ممكن من خلال طرح هياكل structures جديدة أكثر انضباطاً بالأحكام الشرعية، وأبعد عن الحِيل المحرمة.
وفي هذا السياق وجه ميرة رسالة للباحثين والمستشارين الشرعيين الذين يدرسون هيكلة الصكوك بقوله: "ينبغي ألا يتم النظر في هيكلة الصكوك باعتبار آحاد المسائل التي تشتمل الهيكلة عليها فحسب، بل لابد للباحث الشرعي أن يضم إلى ذلك النظر في الهيكلة بصورتها النهائية المركبة الشاملة".
وذكر أن من المجرَّب نجاحه وفاعليته اشتمال لجان هيكلة الصكوك في البنوك والمؤسسات المالية على مستشار شرعي ذوي إلمام بالقضايا المصرفية؛ إذ إن وجوده منذ بداية العمل إلى نهايته ذو أثر إيجابي كبير في توفير الوقت والجهد، ومزيد من تصويب العمل وضبطه من الناحية الشرعية، بل وله أثر كبير في استحداث حلول شرعية لمعالجة بعض القضايا الفنية ومعالجة بعض المخاطر.

هيئة شرعية عليا موحدة لسوق المال

ثم انتقل للحديث عن محور عبر عنه بقوله: "الأهمية الكبرى لإنشاء الهيئة الشرعية العليا الموحدة لسوق المال، بحيث تكون لها المرجعية الشرعية العليا الكاملة لشؤون السوق المالية عموماً، وللصكوك خصوصاً، حيث تقوم بمراجعة جميع إصدارات الصكوك التي يُراد طرحها، أو إدراجها في سوق المال، وهو ما سيكون له أثر إيجابي كبير في تضييق هوة الخلاف الفقهي، واستقرار السوق وزيادة الثقة فيه والإقبال عليه".
وفي هذا الجانب تحدث الباحث عن الأهمية الكبيرة لأن يتم تكوين الهيئة العليا من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ الذين عُرفوا بسعة علمهم في فقه المعاملات المالية على وجه الخصوص، واهتمامهم بالقضايا المالية والاقتصادية، وممن لهم عند عموم الناس ويوليهم الجمهور الثقة في قضايا الأوراق المالية، حتى تؤدي هذه الهيئة دورها المنشود في الاستقرار الشرعي للفتوى، وتضييق هوة الخلاف.

الهيئات الشرعية للبنوك

وبين ميرة أن الدعوة لإنشاء الهيئة الشرعية العليا لسوق المال لا يعني الدعوة لإلغاء الهيئات الشرعية للبنوك وشركات الوساطة، بل الهيئة الشرعية العليا لسوق المال بمثابة المرجعية للهيئات الشرعية في البنوك وشركات الوساطة، والمدقق النهائي لقراراتها، كما تُصدِر الضوابط الشرعية العامة لإصدار الصكوك وتداولها، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن التجربة الماليزية والتجربة السودانية في هذا المقام جديرةٌ بالدراسة للاستفادة من جوانب نجاحها، وهي ثرية وقيمة وتستحق التأمل.

التصكيك وإدارة المخاطر

وختم ميرة حديثه حول التحديات المستقبلية بعنوان: "التصكيك وإدارة المخاطر" متناولا عددا من القضايا كان من أبرزها:
1. أن الصكوك الإسلامية تشترك مع السندات التقليدية في أهمية دراسة وتحليل المخاطر الائتمانية للمدين، وللجهة المصدرة، إلا أن الصكوك تزيد على السندات بمخاطر موجودات الصكوك، والأعيان المصككة، إذ الصكوك لا تمثِّل ديناً في ذمة الجهة المصدرة وهذا الدين مدعوم بأصول كضمان ورهن، بل الصكوك قائمة على أعيان وعقود شرعية، وبين الأمرين فرق كبير جداً، وإن كان في ظاهره متشابهاً.
وعليه فالصكوك تزيد على السندات بجملة من المخاطر التي من الأهمية بمكان بذل الجهد في معالجتها بأساليب شرعية بعيدة عن الحِيَل المحرمة.
2. لابد من بذل جهد إضافي في التواصل مع وكالات التصنيف الائتماني لبيان الضوابط الشرعية الرئيسة التي يجب أن تشتمل عليها الصكوك، وبيان أهمية أن تكون المعايير الشرعية أحد العوامل المؤثرة في التصنيف الائتماني.
3. السعي لإنشاء وتفعيل وكالات تصنيف ائتماني إسلامية ذات مهنية عالية ومصداقية، لتقوم بدور تصنيف الصكوك.
هذا وخُتمت ورشة العمل بجملة من المداخلات والنقاشات والتعليقات القيمة، دعا من خلالها الجميع إلى الاستمرار في عقد مثل هذه اللقاءات القيمة والمثمرة، ولأهمية موضوع الصكوك الإسلامية، وتلبية لرغبة المهتمين في هذا المجال فقد تم الاتفاق على إعداد سلسلة حلقات تتعلق بالصكوك الإسلامية سيتم نشرها من قبل الباحث في "الاقتصادية" مستقبلا.

الأكثر قراءة