هل هيئة سوق المال سلطة تنظيمية؟.. حوكمة الشركات مثالا
نصت المادة 44 من النظام الأساسي للحكم على" تتكون السلطات في الدولة من:
* السطلة القضائية.
* السلطة التنفيذية.
* السلطة التنظيمية.
وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وفقاً لهذا النظام وغيره من الأنظمة والملك هو مرجع هذه السلطات".
والمادة 67 منه أيضاً تنص على" تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية وتمارس اختصاصها وفقاً لهذا النظام ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى"، وهيئة سوق المال ليست جزءاً من السلطة التنظيمية، بل هي شخص اعتباري تم إنشاؤه بموجب نظام يتقيد بالنظام الأساسي وبالنظام الذي أنشأه ولا شك أن الهيئة تسعى لأهداف نبيلة, وهي في مسعاها ترغب في خدمة المصلحة العامة من وجهة نظرها، إلا أن ما يلاحظ على السوق هو تجاوزها للأنظمة في بعض قراراتها مثل قرارها بخصوص ما تضمنته لائحة حوكمة الشركات من مخالفات صريحة لنظام الشركات في بعض بنوده وقد أشرنا إلى ذلك بالتفصيل في المقال المنشور في جريدة "الاقتصادية" في 29/4/1429هـ، وآخر هذه المخالفات ما حصل أخيراً من سماح الهيئة لشركة سبكيم تطبيق آلية تعويض المساهمين الذين لا يمارسون حقهم في الاكتتاب بأسهم حقوق الأولوية، وورد في نشرة إصدار أسهم حقوق الأولية العائدة لشركة "سبكيم" تحت عنوان: المساهمون الذين لا يشاركون في الأسهم الجديدة ما يلي, سيكون المساهمون المستحقون الذين لا يشاركون في الاكتتاب في الأسهم الجديدة عرضة لانخفاض نسبة ملكيتهم في الشركة, إضافة إلى انخفاض قيمة الأسهم المملوكة لهم حالياً، ووفقاً لتعليمات هيئة السوق المالية وتماشياً مع متطلباتها (أين هذه التعليمات المخفية كي يمكننا تفحص مدى قانونيتها؟)، فإنه من الممكن أن يحصل المساهمون المستحقون الذين لا يشاركون في الاكتتاب كلياً أو جزئياً على تعويض إن وجد، وبينت نشرة الإصدار كيفية احتساب التعويض في موقعين منفصلين: "وستكون الأولوية في التخصيص للمساهمين المستحقين الذين طلبوا الاكتتاب في الأسهم الإضافية بأعلى سعر طلب (أي أنه مبلغ يزيد على القيمة الاسمية + علاوة الإصدار). وتعد المبالغ التي يتم الحصول عليها من الاكتتاب في هذه الأسهم (بعد خصم سعر الاكتتاب للسهم الذي سيؤول للشركة...) هي المبالغ التي سيتم توزيعها على المساهمين الذين لم يشاركوا "مبلغ التعويض". "وفي حال كون أعلى سعر طلب مماثلاً لسعر الاكتتاب للسهم فلن يحصل المساهمون المستحقون الذين لم يشركوا في الاكتتاب على أي تعويض نتيجة عدم اشتراكهم في الاكتتاب في الأسهم الجديدة".
هيئة سوق المال جهاز مهم وحساس, وتأخذ أهميتها من المسؤوليات المنوط بها أشرافها ورقابتها على سوق تداول الاستثمارات التي تأخذ شكل الأسهم والسندات المدرجة، وطموح الهيئة في تطوير السوق المالية طموح مشروع, بل واجب لما له من أثر في اقتصاد الوطن، إلا أن هذا الطموح يجب أن يكون وفق رؤية النظام، ذلك أن هدف أي دولة من وضع الأنظمة والقوانين هو ضمان انتظام حركة المجتمع وأفراده وهيئاته وجميع كيانات هذه الدولة وفق إيقاع يضبط التصرفات والسلوك بما يمنع الفوضى وبما يحقق المساواة. وبناء على ذلك, فإنه يلزم لمن يمنح حقاً لأحد أو يحرمه منه أن يكون ذا صفة تؤهله لهذه الممارسة، وما قامت به الهيئة من تصريحها لشركة سبكيم بتعويض المساهمين المستحقين الذين لم يمارسوا حقهم في الاكتتاب بأسهم حقوق الأولوية، اختراقٌ ومخالفة للنظام، فلا تعويض إلا بالتراضي أو التقاضي، فإن وجد التراضي بين جميع الأطراف فلا مشكلة، وعند غياب التراضي فلا تعويض بغير حكم قضائي صادر من القضاء أو من جهة ذات اختصاص قضائي بموجب النظام ولها ولاية تخولها منح التعويض، وهذه الصفة غير متوافرة لواضعي نشرة الاكتتاب أو لدى الجهة المعنية بقبولها في السوق المالية، وبذلك تكون السوق قد اتخذت لنفسها بهذه الموافقة صلاحية غير واردة في النظام الذي أنشأها أو أي نظام آخر، وبذلك فإنه تنطبق عليها قاعدة "تصرف المأمور إذا خالف أمر الآمر لا ينفذ" وقاعدة "تصرف المرء إذا صادف محلاً لا ولاية له على ذلك المحل يكون لغواً"، وقاعدة "تصرف المأذون معتبر بتصرف الآذن".
ثم إن للتعويض مبررا محددا هو: أن يكون سببه ضررا ماديا أو معنويا محققا، وإذا توافر هذا السبب, فإن للمتضرر الحق في التعويض، وبالنظر إلى ما ورد في نشرة الاكتتاب، نجد أنها تقرر الحق في التعويض لمجرد أن عدداً من المساهمين لم يستعملوا أو لن يستعملوا حقهم في أولوية الاكتتاب الواردة في المادة 136 من نظام الشركات، فهؤلاء مساهمون أعطاهم نظام الشركات أولوية الاكتتاب خلال مهلة زمنية محددة محسوبة من تاريخ إخطارهم بخطاب مسجل أو من تاريخ النشر.
وأصحاب الحق في الاكتتاب يعلمون بحقهم فيه, سواء علماً فعلياً أو فرضياً، إذ ليس لأحد أن يحتج بعدم علمه في هذه الحالة وإلا دخلنا في فوضى نظامية وعدم مساواة أساسها إننا لا نطبق قرينة العلم بالنظام على الشخص لمجرد ادعائه بعدم العلم بالقانون, ولا أظن أن أحداً ادعى ذلك إنما هو في نظري تبرع اجتهادي من واضعي النشرة. كما أن المساهمين يعرفون أن إحجامهم عن الاكتتاب سيقلًل من نسبتهم في رأس المال وأن زيادة عرض أسهم الشركة الناجم عن الاكتتاب سيؤدي إلى خفض أسعارها، ومع ذلك اتخذوا موقفهم السلبي بعدم الاكتتاب وتنازلوا عن هذا الحق بطيب خاطر وبعدم رغبة فيه، فجاءت نشرة الاكتتاب المذكورة بمكافأة مشروطة على موقفهم وكأنها دعوة لهم بعدم الاكتتاب تحت إغراء أنهم سيتم تعويضهم وتوجيه الاكتتاب ليقتصر على فئة معينة من المساهمين أو استبقاء أكبر كمية من الأسهم لمتعهدي التغطية بسعر15 ريالا، وكأن النشرة تقول للمستحقين للاكتتاب" لا تكتتبوا وسنعرض ما تستحقونه من أسهم بأسعار متفاوته يمكن أن تحصلوا منها على فارق السعر الزائد على سعر الاكتتاب".
وبما أن التعويض المشار إليه سيصرف للمساهمين غير المكتتبين إذا بيعت الأسهم المستبقاة بأعلى سعر (كما ورد في النشرة) فيوزع مبلغ التعويض على الأسهم غير المكتتب بها للمساهمين غير المكتتبين، كل بقدر الأسهم التي لم يتم الاكتتاب بها، فإنه لا يوجد تعويض لفئة غير المكتتبين إذا تم البيع بسعر يماثل سعر الاكتتاب، فكأن السوق تستشعر وجود الضرر لدى غير المكتتبين من المساهمين أصحاب الأولية إذا تم البيع بسعر أعلى من سعر الاكتتاب فتقرر تبعاً لذلك تعويضهم، أما إذا تم البيع بسعر يماثل سعر الاكتتاب فإنها تفترض عدم وجود ذلك الضرر، فكأن مقياس الضرر هو توافر مبلغ التعويض من عدمه، مع أن القاعدة هي: أن الضرر هو مناط التعويض وليس العكس، وإن التعويض يكون بقدر الضرر ليس أكثر منه ولا أقل، لأنه إن زاد عن قدر الضرر كان في ذلك إثراء بلا سبب، وإن كان أقل كان هناك إجحاف في حق المتضرر، إن منطق نشرة الاكتتاب يعد صاحب حق الأولوية صاحب حق في التعويض وليس له حق فيه في وقت واحد.
وبما أن الضرر الموجب للتعويض الجابر له يلزمه أن يكون ضرراً مادياً أو معنوياً محققاً, أي تأكد وقوعه فعلياً، فيمكننا أن نقول إنه لا وجود أصلاً للضرر لدى غير المكتتبين، وما ذكرته النشرة من ضرر فاقد لصفة التحقق، إذاً لا مجال للتعويض حيث لا تعويض بغير ضرر.
وإذا نظرنا إلى ناحية أخرى نجد أن المادة رقم 10 من قواعد التسجيل والإدراج الصادرة عن هيئة السوق تفرض أن توافر الشركة مصدرة الأسهم متعهداً للتغطية، وهو ذو التزامات واضحة من تسميته، فهو ملزم بتغطية الأسهم التي يعزف عنها أصحاب الحق في الاكتتاب، ومن حقه, بل من واجبه وحده تحمل مسؤولية الأسهم غير المكتتب بها وله أو عليه فارق الأسعار، ومنطق نشرة الاكتتاب يؤدي عملياً إلى استبعاد متعهد التغطية, بل يجعل شرط متعهد التغطية لاغياً في عمليات مستقبلية.
ومن ناحية أخرى, إذا نظرنا إلى البناء القانوني للشركة نجد أن مصدر الأسهم هو مالكها، فالشركة تصدر الأسهم بمقابل هو قيمة إصدار تلك الأسهم، وتؤول هذه القيمة إلى ذمة الشركة دون المرور بأي ذمة أخرى، وتقسم حصيلة الاكتتاب عند توافر علاوة الإصدار بين رأس المال والاحتياطي النظامي، وعندئذ تقابل أسهم المكتتب مجموع مصالح المساهم في الشركة, وليس في رأس المال، صحيح أن رأس المال هو في النهاية للمساهمين، ولكن ذلك لا يتم إلا بعد تصفية الشركة وسداد الدائنين، فإذا كان الوضع كذلك فلماذا تم استبعاد هذا المنطق وتم بيع الأسهم المستبقاة وتوزيع الربح الزائد عن قيمة الإصدار والمصاريف لحساب المساهمين غير المكتتبين وليس لحساب الشركة؟
نشرة الاكتتاب آنفة الذكر تتجاهل ما ورد من نص آمر في المادة 136 من نظام الشركات التي تقول بعد إقرارها لحق الأولوية" ويطرح ما يتبقى من الأسهم الجديدة للاكتتاب العام, وتتبع في هذا الاكتتاب الأحكام المتعلقة بالاكتتاب برأسمال الشركة تحت التأسيس"؟
تصرف الهيئة في هذه الحالة وحالة لائحة حوكمة الشركات مخالفة لكثير من الأسس النظامية السعودية، ولا يجوز الاحتجاج بالاتفاق على استبعاد مفعول أي نظام نافذ في المملكة إلا بالطريقة النظامية التي تعدل النظام أو تلغيه، كما لا يصح افتراض التعويض المذكور في نشرة الاكتتاب ثمنا لحق المكتتب في الاكتتاب يتقرر له مقابل تنازله عن هذا الحق، لأن الثمن يكون بمقابل أي مبادلة مال أو منفعة بمعنى وجود عقد بيع أولاً وهو غير موجود في حالتنا ثم أن الثمن لا يكون احتمالياً كما في النشرة, بل يجب أن يكون مؤكداً ولا يصح البيع الذي يؤدي إلى غرر أو جهالة.
ثم نتساءل ما الحكم لو أن عدد المكتتبين في الزيادة هو 10 في المائة مثلاً, وأن المتبقي هو 90 في المائة فهل كانت السوق ستقبل بنشرة الاكتتاب المعروض وتبيع الأسهم لمصلحة المساهمين غير المكتتبين أم أن الحكم سيتغير؟ وإن كان سيتغير فلماذا؟
لا شك أن هيئة السوق لن تستطيع تبرير مواقفها نظاماً عند مطالبتها بالمسؤولية، وسيقال أن تصرفها غير نظامي.