الشركات الخليجية في خط جديد .. صكوك "الإجارة" بدلاً من "المشاركة" و"المضاربة"

الشركات الخليجية في خط جديد .. صكوك "الإجارة" بدلاً من "المشاركة" و"المضاربة"

كشفت بيانات اقتصادية أولية عن تغير ملحوظ في سلوكيات الشركات الخليجية، عبر تفضيلها أن تكون إصداراتها من السندات الإسلامية على شكل صكوك إجارة في خطوة عزاها الخبراء إلى ضعف الثقة بصكوك المشاركة والمضاربة بالرغم من خلو توصيات المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية من أي إشارة لعدم شرعية تلك الصكوك التي قيل في السابق إن 85 في المائة منها غير مطابق للشريعة.
وعزز ذلك التوجه للشركات الخليجية خطوة بريطانيا الأخيرة تبني إصدار صكوك إجارة للمستثمرين الخليجيين بالرغم من أن لندن كانت في السابق تتبع النموذج الخليجي الإسلامي في التمويل على حساب النموذج الماليزي نظرا للروابط الاقتصادية مع دول الخليج الستة.
وكانت "الاقتصادية" قد نشرت قبل شهرين مقابلة مع ريموند هيل, رئيس دائرة الأسواق الناشئة في "فيتش", قال فيها "حتى إذا وجد الفقهاء بديلاً مقبولاً فإنه من الممكن حدوث نوع من التخفيض في عدد الإصدارات الجديدة، على اعتبار أن ثقة المستثمرين في آراء الفقهاء يرجح لها أن تتعرض للوهن".
ويخشى بعض المراقبين الغربيين أن يساهم إصدار الصكوك الإسلاميه في تقويض النظام الاقتصادي للحكومة البريطانية. من ناحية أخرى قالت وكالة رويترز في تقرير لها إن "الجشع والخوف من أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر قد يكبحان جماح مبيعات السندات الإسلامية في الخليج, رغم أن الجهات المصدرة لم تتعرض لخسائر كبيرة من الديون المعدومة التي أدت إلى حدوث تلك الأزمة.

"الإجارة".. الطريق الجديد

في الأسابيع الماضية حدث تغير في سلوك المؤسسات المالية الخليجية حيث فضلت برّ الأمان من خلال التوجه نحو صكوك الإجارة، حيث أعلنت حكومة البحرين عن إطلاق صكوك إجارة عالمية بقيمة 350 مليون دولار مدتها خمسة أعوام، بينما أعلن بنك الكويت الوطني أخيراً عن طرح صندوق الإجارة الإسلامي في الأسواق الكويتية. وسبق تلك الإعلانات إدراج شركة دار الأركان للتطوير العقاري السعودية صكوكا إسلامية بقيمة مليار دولار أمريكي في سوق البحرين للأوراق المالية. وقال عبد اللطيف الشلاش المدير التنفيذي وعضو مجلس إدارة شركة دار الأركان في حينها، إن الصكوك مجازة شرعا ومن عدة بنوك، ومن هيئة شرعية، وليس هناك خشية من التعاطي معها رغم الجدل حولها"، مضيفا " الجدل يدور حول المضاربة وما طرحناه هو صكوك إجارة".
وقال لـ "الاقتصادية" فيصل حجازي محلل الشرق الأوسط والتمويل الإسلامي لدى "موديز" في تعليق له على هذا التوجه: تقدم صكوك الإجارة درجة عالية من المرونة والرواج في الأسواق عبر ميزة تداولها في الأسواق الثانوية التي تجعل منها تركيبة جذابة مقارنة بفئات الأصول الأخرى".
وقالت "موديز" في تقرير أصدرته الأسبوع الماضي إن صكوك المشاركة قد حازت على تفضيل الخليجيين العام الماضي عندما بلغ حجم إصداراتها نحو 13 مليار دولار مقارنه بـ 10.13 مليار دولار لصكوك الإجارة.
وكان الشيخ محمد تقي عثماني قد أثار جدلا واسعا بعدما قال إن نحو 85 في المائة من الصكوك الإسلامية في منطقة الخليج لا تتوافق مع أحكام الشريعة، معللا ذلك بأن اتفاق إعادة الشراء - حسب قيمته الاسمية - يعد خرقا لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح. وتبع ذلك تصريح من الشيخ نظام يعقوبي، عضو المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة لـ "الاقتصادية" الذي أشار إلى أن ما صدر عن الشيخ العثماني لا يقصد به صكوك الإجارة، فهو يراها جائزة شرعا، وبالتالي تم إخراج 50 في المائة من الصكوك الإسلامية - معظمها معاملات إجارة - من دائرة الشكوك.
وأكد يعقوبي أن اعتراض عثماني يكمن في صكوك الوكالة والمشاركة والمضاربة التي يتعهد فيها الشريك بشراء أصول المضاربة في نهاية الفترة بسعر يتفق عليه منذ البداية، وقد يكون هذا السعر هو "الاسمي" عند الشراء.
وتابع "ذلك في رأي الشيخ العثماني يمثل ضمانا للمضاربة أو المشاركة أو الوكالة، والضمان مخالف لتلك الأدوات وللإجارة، كما أن علماء آخرين يرون أن التعهد بشراء تلك الأصول لا يعني في النهاية ضمانا لرأس المال لأن الضمان المحرم هو أن تأخذ مليون وترده مليونين إضافة إلى ما يتحقق من أرباح، بغض النظر عن وجود أعيان الوكالة والمشاركة والمضاربة".

حتى البريطانيين يفضلون "الإجارة"

ولم يكن الحذر نحو الصكوك الأخرى مقتصرا على الخليجيين فقط، فقد أعلنت لندن عن أول صكوك ستصدرها تكون على شكل "إجارة". ووصفت صحيفة "الديلي ميل" تلك الخطوة بأنها " ستكون البصمة الأبرز على واحدة من أهم عمليات التقدم الاقتصادي الذي تحققه الشريعة الإسلامية في العالم غير الإسلامي". وتهدف حكومة جوردون براون إلى توفير الأموال اللازمة للبرنامج الخاص بالإنفاق الحكومي عبر جمع الأموال من منطقة الشرق الأوسط، وستؤدي هذه الخطوة إلى تحول ملكية المباني الحكومية وغيرها من الأصول المملوكة حالياً لدافعي الضرائب البريطانيين جملة واحدة إلى رجال الأعمال الشرق أوسطيين وإلى البنوك الشرق أوسطية.
وتنظر الحكومة إلى السندات التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية كوسيلة لطرق باب أموال الشرق الأوسط ولبناء الجسور مع الجالية المسلمة في البلد.
ويرى منتقدوا ذلك المخطط أن من شأن هذه الخطة أن تبدد الأموال ويمكن أن تعمل على تقويض النظام المالي والاقتصادي لبريطانيا.
وقال إدوارد ليغ أحد كبار أعضاء مجلس العموم ورئيس لجنة الحسابات العامة فيه:" إنني قلق بشأن الإشارة التي سترسلها هذه الخطوة، ويجب أن تكون السيادة للقانون العام البريطاني الذي ينبغي أن يطبق على الجميع".
وقال متحدث باسم الجمعية العلمانية البريطانية: "يبدو لي أن إنشاء أدوات مالية موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية ينطوي على كثير من التعقيدات غير اللازمة، الأمر الذي سيعمل على إثراء جيوب عدد من المحامين وأهل القانون".
وذكرت الوثيقة التشاورية الصادرة عن وزارة المالية أن بعض الأصول الحكومية كالمباني أو جزء من البنية التحتية سوف تحول إلى "أداة ذات غرض خاص" يتم إنشاؤها لإدارة السند المزمع إصداره. وسيتم تنفيذ ذلك بموجب عقد يعرف بالإجارة. بعدئذ ستستأجر الحكومة الأصل مرة أخرى لتوليد دفعات لحملة السند الإسلامي.
وبعد أن ينقضي أجل الصكوك، ستضمن الحكومة إعادة شراء الأصل، الأمر الذي يمكن حملة السند من الحصول على دفعاتهم التعويضية التي تكفل استرداد أموالهم. يشار إلى أن تكلفة السندات الإسلامية تزيد قليلاً على تكلفة السندات الغربية لأنها تتطلب مشورة قانونية ودينية واسعة. وقد اكتسبت مبادرة وزارة المالية زخماً مضافاً بسبب أزمة الشح الائتماني الذي عم العالم والتي أصبح من الصعب على الحكومات بسببها أن تجمع الأموال.

الجشع والخوف يتراجعان بمبيعات السندات الإسلامية

يتسبب الجشع والخوف من أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر في كبح مبيعات السندات الإسلامية الصادرة في دول مجلس التعاون الخليجي، رغم أن الجهات المصدرة لم تتعرض لخسائر كبيرة من الديون المعدومة التي أدت إلى حدوث تلك الأزمة، وفقاً لما ذكرته إحدى الجهات التي تنظم عملية إصدار السندات في منطقة الخليج.
وقال صانعو السياسات والمصرفيون الخليجيون إن المنطقة لم تنكشف إلا على نطاق ضيق لأزمة الديون التي تفتقر إلى الملاءة المالية، ولكن مبيعات السندات الإسلامية أو الصكوك جفت في الأشهر الأخيرة لأن المستثمرين الإقليميين توقفوا عن أنشطتهم انتظاراً لتسعيرات أفضل كما قال أحمد عباس، الرئيس التنفيذي لمركز إدارة السيولة في البحرين.
وقال عباس لـ "رويترز" "إن تسعة من عشرة مصدرين لا يستطيعون تهجئة كلمة sub prime التي تعني الافتقار إلى الملاءة المالية.
وعن المستثمرين الإقليميين، ذكر عباس:" أعتقد أن المستثمرين أوقفوا نشاطهم بسبب عامل الجشع، وهم يقولون:" إننا نعرف أن هناك شحاً عالمياً في السيولة. وإذا كانت لدي سيولة، فعليك أن ترقص على اللحن الصادر مني. هذه هي نهاية القصة".
وبدأ المقترضون الخليجيون يتحولون إلى ما يعرف "بالقروض المشتركة" التي تنظمها مجموعة من البنوك مع تعمد الابتعاد عن سوق الصكوك التي وصلت في مرحلة من المراحل إلى "درجة السخونة" الخطرة بسبب اتساع دائرة الخطر والخوف من أن يمنى بيع أداة ذات سجل عال بالفشل، كما قال عباس.
وهو يقول في هذا الصدد:" إن القيمة المتأتية من الشهرة لم تعد موجودة. وإنك لا ترغب في أن تُرى وأنت تدفع الآن ما لم تكن تريد دفعه بالأمس. زد على ذلك، أن إمكانية فشلك تظل قائمة".
معلوم أن سلطة الكهرباء والماء في دبي سحبت بيع سندات تقليدية وإسلامية قيمتها 2.5 مليار دولار من السوق بسبب الارتفاع الحاد في تكاليف الاقتراض على أثر أزمة القروض التي تفتقر إلى الملاءة المالية.
ومنذ ذلك الوقت، سعت السلطة المذكورة إلى جمع قرض إسلامي قيمته مليار دولار على الأقل، وفقاً لما ذكرته مصادر مطلعة لوكالة رويترز في شهر كانون الثاني (يناير). وقال عباس:" إذا كانت سلطة الكهرباء والماء في دبي يمكن أن تفشل، فإن أي جهة معرضة للفشل. وبالنسبة لي فإن هذه السلطة كانت واحدة من أقوى الجهات".

الأكثر قراءة