الفريق هنيدي: حلقنا شواربنا لنقنع المسؤولين في سلاح الطيران بأننا صغار
أوضح الفريق عبد العزيز هنيدي طيار متقاعد، أهمية الطيران كتخصص ذي بعد استراتيجي، لافتا إلى أن الدولة تبذل أموالا طائلة لتدريب الطيارين، مشيرا إلى أنهم خط الدفاع الأول في المجهود الحربي في العصر الحديث.
وقال الفريق هنيدي في محاضرة ألقاها في خميسية الجاسر في دارة العرب منزل الشيخ حمد الجاسر في العاصمة الرياض، "إن المملكة لم تعان ضغطا غير عادي من ناحية الطيران أثناء حرب تحرير الكويت، وذلك يعود إلى الجاهزية والقدرة التدريبية العالية التي تتمتع بها القوات الجوية السعودية".
وتحدث الفريق هنيدي في بداية اللقاء الذي أداره العميد سبأ باهبري، عن الطيران بشكل عام. وقال إن "الإنسان احتاج إلى ثلاثة آلاف سنة من المحاولات كي ينجح في الطيران أخيرا، وكان أول الأمر محاولات الرجال الطيور، ثم البالون المملوء بالهواء الساخن، ثم بالمنطاد البخاري إلى أن استطاع الأمريكيان الأخوان "رايت" أن يحلقا بنجاح للمرة الأولى، وبذلك استقر وتطور الطيران سريعا على الصعيدين العسكري والمدني، واستخدمت الطائرات في أول الأمر للنقل والبريد وتطورت الاستخدامات بإدراك الإنسان للقدرات التي يمكن للطائرة أن تعمل وفقها فاستخدمت حربيا للمرة الأولى في الحرب العالمية الأولى، واتضحت أدوارها بشكل كبير في الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الطائرات العسكرية من أقوى الأسلحة، وطائرات النقل المدني من أسرع وسائل النقل وأكثرها أمنا وسلامة".
وذكر أن الطيران لا يزال عالي التكلفة بالنسبة للاستخدامات العسكرية تحديدا في التشغيل والصيانة والتسليح وما تحتاج إليه من تحسين وتطوير مستمر، إضافة إلى أن تدريب الطيارين مكلف جدا حيث يكلف تدريب الطيار الواحد ما يتجاوز ثلاثة ملايين ريال سعودي في كلية الملك فيصل الجوية على سبيل المثال.
كما تحدث الفريق الهنيدي عن بدايته مع الطيران وكيف فكر في الانضمام إليه منذ أن أثارت الطائرة اهتمامه وهو طالب صغير في الابتدائية، ومتعته بمتابعة الطائرة وسماع صوتها على سطح منزله، كما كان يسعد بزيارات لمطار المدينة المنورة كلما سنحت الفرصة، ولما صارفي سن العمل تيسرت له الفرصة ليعمل في مطار جدة في أوائل عام 1375هـ ولفتت انتباهه طائرات التدريب و الطيارون بملابسهم العسكرية الرشيقة والخوذ اللامعة التي على رؤوسهم، ورتبهم العسكرية الذهبية على أكتافهم.
ولما أراد الهنيدي الانضمام إلى سلاح الطيران للمرة الأولى تقدم مع أحد رفاقه إلى المسؤولين بالطلب ولكنهم ردوهم بعذر أنهم أكبر من السن الذي يطلبون، فعاد ورفيقه إليهم مرة أخرى بعد أن حلقوا شواربهم ليقنعوا المسؤولين أنهم لا يزالون صغارا وفعلا مرت الحيلة وانتقل الهنيدي إلى (مدرسة البعثة الأمريكية) للكشف الطبي ثم دورة اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم ( الفيزياء) وبعد أن تجاوز تلك المرحلة عادوا لإكمال التدريب في مدارس سلاح الطيران بجدة .
ويذكر الفريق هنيدي أن المدرسين الأمريكيين كانوا يتعجبون من أن أكثر الطلاب المنتسبين لمدارس الطيران لا يعرفون قيادة السيارة حتى إنه لم يتعلم قيادة السيارة إلا بعد تعلم الطيران، وكان تعليق المدرسين على إصرار السعوديين على التعلم: "إذا استطاع السعوديون التغلب على معيشة الصحراء رغم قلة الماء وصعوبة الحياة فهذا الإنسان يمكنه أن يقوم بالمعجزات إذا ما ركز على عمله"، واستطاع هنيدي أن يكسب ثقة مدربه الأمريكي من أول رحلة طيران في حياته وكيف أنه كاد يتراجع عن حلم الطيران، غير أن مدربه الواثق بإمكاناته كطيار شجعه على الاستمرار وتجاوز بعد ذلك الخوف الأولي بسهولة.
وعن التدريب الشاق والمضني للطيارين وتأثيره في الطلاب، أورد هنيدي مشكلة حدثت مع بعض زملائه الذين لم يستطيعوا إكمال التدريبات الجوية فمنهم من هرب ومنهم من قدم الاستقالة وأغلب هؤلاء انقطعت صلاتهم بزملائهم تماما، لكن فرحة التخرج العارمة أنست كل المنتسبين للدورات كل المشاق والمصاعب حيث تخرج "17" طيارا من الدورة الخامسة للتدريب بينما كانوا في بداية الدورة "22" طالبا.
وتم توزيع الخريجين إلى مجموعات أربع؛ منهم من وضع في سرب الطائرات المقاتلة- وكان الفريق الهنيدي منهم- ومنهم من وجه إلى طائرات النقل والإمدادات، والطائرات العمودية "الهيلوكبتر" وآخرون اختيروا كمدربين في نفس المدرسة.
ثم بدأ الهنيدي التدرب مرة أخرى في وحدة تدريب القتال بالظهران على طائرات نفاثة، وشمل التدريب كل أنواع القتال الجوي التكتيكي وإلقاء القنابل على الأهداف، وقد تعرض لحادثين سلمه الله فيهما، أحدهما لم تنزل فيه العجلة اليسرى لكنه عاد إلى الجو مرة أخرى ونزلت العجلة بسلام، والآخر كان حريقا في الطائرة قبل إقلاعها وتم تدارك الأمر، حيث إنه تلقى التحذير في اللحظة الأخيرة ولم يقلع بالطائرة وخرج منها بسلام، ولكن عرف الطيران يلزمه بالخروج في جولة جوية أخرى بعدها، فخرج بعدها بنصف ساعة حتى لا تحصل له عقدة نفسية من الطيران فيتردد أو يخاف في المستقبل.