إنتاج الستايرين في المملكة: الجدوى والعوائق والفوائد

إنتاج الستايرين في المملكة: الجدوى والعوائق والفوائد

إنتاج الستايرين في المملكة: الجدوى والعوائق والفوائد

بدأت كبرى شركات إنتاج الستايرين مثل "شل" و"داو كيميكال" تفقد مكانتها وحصتها من أسواق الستايرين لصالح دول تمتلك الثروات النفطية والغازية مثل المملكة العربية السعودية وإيران ولدول آسيا المحيط الهادي، حيث القرب من الأسواق واليد العاملة الماهرة الرخيصة، وتعد الصين أهمها على الإطلاق. ويجب التركيز على أن معظم كبار المنتجين قد اتحدوا في تحالفات لتقليص النفقات أو أنهم نقلوا صناعتهم إلى الصين ودول الخليج العربي، حيث وجود اللقيم بأسعار منافسة وذلك بعمل الشركات المناسبة مثل ما قامت به "داو كيميكال" في الفترة الأخيرة مع كلا من السعودية والكويت.
لا يختلف وضع الستايرين الحالي في المملكة عنه في العالم، فهو ليس في أحسن حالاته، لأن أرباحه غير كبيرة، لذلك فهو لا يعتبر في قمة الصناعات البتروكيماوية السعودية مقارنةً بإنتاج الإيثيلين ومشتقاته. فمثلاً تنتج شركة صدف نحو 1.074 مليون طن سنوياً، يستخدم داخلياً نحو 174 ألف طن (تقرير "سابك" لعام 2006م) ويصدر الباقي, أي 800 ألف طن للخارج. وقد تفكر "أرامكو السعودية" في مشاريعها البتروكيماوية المستقبلية، سواء في المرحلة الثانية لمشروع بترورابغ أو المشروع الطموح مع "داو كيميكال" في إنشاء وحدات إنتاج الستايرين، وأعتقد أن دراسات الجدوى الخاصة بالستايرين ستكون الفيصل في اتخاذ قرار إنشاء صناعة الستايرين من عدمه.
تكمن مشكلة إنتاج الستايرين في المملكة في عدم توافر المادة الرئيسة لصناعته، ألا وهي البنزين العطري، أما الإيثيلين فليس مشكلة كبيرة وذلك لتوافره من وحدات التكسير سواء أكان اللقيم الإيثان وهو أمنية للجميع أم سوائل غازات البترول LPG، وهو أيضا خيار ليس سيئا نظراً لوجود بعض التخفيض عليه.
وأعلنت شركة شيفرون فيليبس السعودية للبتروكيماويات عن خطتها لإنتاج 730 طناً سنوياً من الستايرين في المستقبل القريب، ومن أجل ذلك تجري توسعات في إنتاج البنزين العطري. وأيضا أعلن حديثاً عن البدء في العمل على إنتاج الإيثيلين وذلك بإرساء الأعمال الهندسية على إحدى الشركات اليابانية لتصميم وحدة التكسير Cracker لإنتاج الإيثيلين.
يشار إلى أن شركة شيفرون فيليبس للبتروكيماويات العالمية قد نجحت في إدخال تقنيتها التصنيعية المطورة والمنافسة التي تملكها والمتخصصة بتصنيع البنزين إلى المملكة باستخدام تكنولوجيا حديثة خاصة باستخدام المكثفات لإنتاج البنزين باستخدام تكنولوجيا (أروماكس)، التي طورتها "شيفرون فيليبس" وسجلت حقوق ملكية براءة الاختراع وتصميمها لإنتاج كميات أكبر من البنزين مقارنة بالطرق التقليدية، وتطبق هذه الطرق لإنتاج البنزين من الجازولين الطبيعي الذي تنتجه شركة أرامكو السعودية. وهذا يعنى أن شركة شيفرون لديها ميزة كبيرة على باقي الشركات في المملكة ألا وهى تملكها لتقنية تستطيع أن تحول بواسطتها الجازولين الطبيعي الذي يخرج مع الغاز المصاحب للنفط الخام إلى بنزين عطري بكفاءة عالية، وبهذا تكون "شيفرون" قد تغلبت بالعلم والتقنية على عقدة البنزين.
أسواق البتروكيماويات متغيرة ومتقلبة ومتأثرة بكثير من الأمور حولها مثل أسعار النفط والغاز وتوافرهما، والأمور البيئية والصحية والعرض والطلب وظهور منتجات جديدة منافسة بتقنيات جديدة، لذلك قد لا يبدو من المناسب استراتيجياً وعلى المدى البعيد التركيز على منتج واحد حتى ولو كان مربحاً في الوقت الراهن، لأن المستقبل غير معروف، لذلك فإن فكرة إنتاج عدة منتجات بالدرجة نفسها هي فكرة حكيمة وتدل على النضج الصناعي.
يبدو أن الوقت قد حان لتنويع الصناعات البتروكيماوية في المملكة، فوجود الإيثان بأسعار تشجيعية، وتشجيعية جداً، قد رفع صناعة البولي إيثيلين والإيثيلين جلايكول عالياً حتى أصبحت المملكة من كبريات الدول في العالم إنتاجاً لكل المنتجات المصنعة من الإيثيلين. وهذا يدل على أن السياسات الناجحة للمملكة بدعم صناعاتها البتروكيماوية المعتمدة على لقائم الغازات المصاحبة قد آتت أكلها.
إن عدم توافر التقنية المحلية وتأمين النافثا المصدر الرئيس للبنزين والزايلين لا شك قد وضع الصناعات البتروكيماوية السعودية المعتمدة على النافثا في وضع غير منافس عالمياً، ما جعل دول آسيا المحيط الهادي تملك الحظوة والمكانة في إنتاج المواد البتروكيماوية المعتمدة على النافثا، مثل الستايرين والزايلين والكيومين وغيرها. ويرى المراقبون أن المزيد من البنزين العطري يمكن تأمينه من المجمعات العطرية العصرية التي تنتج كميات كبيرة من البنزين والزايلين، أو من وحدات تكسير النافثا البخارية.
باختصار، ولإنتاج المزيد من البنزين، يجب أن تتوافر النافثا التي تعتبر العائق الوحيد لوجود صناعات الستايرين والبولي استر وغيرها. والسؤال هنا: يا ترى هل من المجدي رفع سعر الإيثان السعودي قليلاً مقابل وضع بعض التخفيض المقبول على النافثا لجعل عملية تصنيعه داخلياً جذابة للاستثمار بهدف تنويع الصناعات البتروكيماوية في المملكة وجلب الاستثمارات العالمية؟ وهل من الممكن معاملة النافثا في المستقبل إذا بدأ الطلب الداخلي يزيد عليها بداعي الصناعة البتروكيماوية معاملة سوائل غازات البترول LPG حيث يتم تصدير معظمها (تعتبر المملكة من كبريات الدول تصديراً لهذه المادة والمحدد الرئيس لأسعارها عالمياً) ويجري توفيرها للداخل بتخفيض معقول ومشجع بعد دراسة مستفيضة للمشاريع ومدى خدمتها للنهضة الصناعية في المملكة؟

* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات
[email protected]

الأكثر قراءة