لا اقتصاد بلا بنوك ولا بنوك بلا فوائد

لا اقتصاد بلا بنوك ولا بنوك بلا فوائد

مقولة مشهورة تعبر عن آراء الاقتصاديين الغربيين في الاقتصاد, التي توضح أنه لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد من دون بنوك ولا يمكن أن تكون هناك بنوك من دون سعر فائدة، ونحن نتفق تمام الاتفاق مع تلك المقولة في الجزء الأول منها, وأنه لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد من دون أن تكون هناك بنوك حيث تدار غالبية الأموال من خلال البنوك، ولكننا نختلف كل الاختلاف في الجزء الثاني من المقولة حيث ثبت بالدليل القاطع والتطبيق العملي أنه يمكن أن يكون هناك بنوك تعمل وتنجح من دون أسعار فائدة.
وواقع الحال يثبت ذلك من خلال قيام البنوك الغربية بإنشاء بنوك وأقسام للعمل المصرفي المتوافق مع أحكام الشريعة مثل سيتي بنك والعديد من المؤسسات المصرفية الدولية داخل العالم الإسلامي وخارجه, ويقدر عدد المصارف الإسلامية بأكثر من 370 مصرفا إسلاميا وأكثر من 300 بنك تقليدي يقدم المصرفية الإسلامية إلى جانب المصرفية التقليدية, وفي آخر التقديرات يبلغ حجم المعاملات المصرفية المتوافقة مع الشريعة ما يقارب التريليون دولار، وهو ما دعا بنك إنجلترا المركزي إلى إنشاء قسم للمصرفية الإسلامية ومنافسة إنجلترا لخمس دول حتى تصبح لندن مركزا للمصرفية الإسلامية على مستوى العالم, وذلك وفق تقرير نشر أخيرا من قبل شركة ستاندرد آند بوز وتلك الدول هي (السعودية، البحرين، الإمارات، سنغافورة، وماليزيا)، وهذا ما دعا أخيرا وزيرة الاقتصاد الفرنسي إلى تشكيل لجنة لبحث تعديل قانون البنوك الفرنسي من أجل إدخال نظام الصيرفة الإسلامية إلى البنوك الفرنسية.
هذا الاعتراف من قبل الدول الغربية ومن قبل المصارف التقليدية الغربية قبل المحلية يبدو أنه لم يقتنع به بعض الاقتصاديين العرب حيث شاهدنا في أحد البرامج التي تتحدث عن البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية (حلقة معادة لهذا البرنامج) وكان من بين الحضور أحد أساتذة الاقتصاد والبنوك الإسلامية (كما كان يظهر كادر التعريف به على الشاشة) وقد تناول في حديثه الذي استمر عليه طوال الحلقة أنه لا يرى أي فرق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية مبررا ذلك بأن البنك التقليدي يأخذ سعر فائدة 8 في المائة على القرض والمصرف الإسلامي يأخذ 8 في المائة على السيارة التي يشتريها للعميل, وأيده في ذلك أحد الصحافيين لمجلة تهتم بشؤون الاقتصاد، وحاول أحد الحضور أن يشرح له الفرق الأساسي بين العقدين, وهو ببساطة أن العقد الأول بيع نقد بنقد مع زيادة سعر الفائدة، والعقد الثاني بيع سلعة مع ربحية مقابل جهد الشراء وتحمل المخاطر، وللأسف ورغم الشرح المتواصل من قبل الضيف الآخر لمفهوم المصرفية الإسلامية إلا أن هذا الأستاذ كان يستشهد بكتاب صدر لأحد الأساتذة منذ أكثر من 15 سنة منتقدا به بعض تطبيقات المصارف الإسلامية وكان معظم كلامه من ذلك الكتاب.
الإشكالية الكبيرة أن غالبية الحضور من شباب الجامعات العربية, الذي انقسم خلال الحوار بين مؤيد لهذا الرأي وبين معارض، كيف يمكن لنا أن نخرج جيلا جديدا للمصارف الإسلامية وهناك من يدرس لهم أنه لا فرق بين البنك التقليدي والمصرف الإسلامي؟ على أقل تقدير يجب أولا أن يتم الشرح لهم أسلوب عمل البنوك التقليدية وآلية عمل البنك، ويشرح لهم آلية المصارف الإسلامية التي تختلف في جوهرها عن عمل البنوك التقليدية، حيث تعتمد المصارف الإسلامية على الضوابط الشرعية في جميع معاملاتها وعدم استخدام سعر الفائدة في كل عقودها الشرعية وأن محل عقودها مع المتعاملين هي السلع وليست النقود, التي هي في الأصل وسيلة للتبادل وليست سلعة تباع وتشترى بأسعار الفائدة المدينة والدائنة.
إن صناعة الصيرفة الإسلامية تحتاج إلى تضافر الجهود من أجل دعم مسيرتها التي لم تتعد 33 عاما مقارنة بالبنوك التقليدية التي يتعدى عمرها 400 عام، وعلى المشككين في هذا العمل الاطلاع على النتائج العملية والعلمية قبل التحدث في هذا الأمر.

خبير في المصرفية الإسلامية
www.bltagi.com

الأكثر قراءة