"التقبيل".. أوكسجين المستأجر وثاني أكسيد المُلاَّك !

"التقبيل".. أوكسجين المستأجر وثاني أكسيد المُلاَّك !

اشتكى الكثير من مستأجري المحال التجارية بسبب ما يواجهونه من طمع الشركات المالكة هذه المحال في حال "تقبيلها" على مستأجر آخر، إذ تفرض هذه الشركات على المستأجر الأول دفع رسوم معينة من قيمة الإيجار السنوي، للموافقة على هذه العملية، وراوحت النسبة ما بين 50 و100 في المائة، وأكد هؤلاء المستأجرون أنه لا يوجد شرط في العقد المبرم بين الطرفين (الشركة المالكة والمستأجر) يشترط دفع هذه النسبة الكبيرة، فـ"التقبيل" يشكِّل أكسجين يتنفسه المستأجر ليصحح وضعه، ويبث في خزانته الحياة مجدداً، بينما يستخدمه المؤجر كوسيلة ضغط على الطرف الآخر بفرض نسب من قيمة التأجير الجديدة، وذلك بموقف تدعمه ثغرة أو ثغرات في العقود الأصلية، ما جعل الخلاف والاختلاف ينشب بين المؤجرين والمستأجرين وذوي الاختصاص.

أبدى الدكتور إبراهيم الخضيري عضو هيئة التمييز في الرياض وجهة نظره حول هذا الموضوع وقال: لا شك أن العقد المبرم بين الطرفين (المالك والمستأجر) هو الذي يفصل في هذه القضية، ولكن أنصح إخواني في الشركات المالكة للمحال التجارية بأن يرفقوا بالأمة، وأن يعاملوا الناس بمثل ما يحبون أن يعاملوا به، لقوله - صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وأضاف: لا ينبغي للشركات أن تسلك سلوك الجشع والطمع بل عليهم الرفق بالمستأجرين، لحديثه - صلى الله عليه وسلم (ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به)"، وتابع قائلا: لا يحل لأحد أن يمنع أصحاب المحال من التصرف في أموالهم وفق ما يريدون، إلا إذا وصل هذا الأمر إلى الإضرار بالناس لحديث (لا ضرر ولا ضرار).
وتحدث لـ"الاقتصادية" الدكتور سامي الماجد عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقال: "إذا نص العقد على أنه لا يحق للمستأجر التنازل عن هذا العقد لأي طرف ثالث سواء كان ذلك كلياً أو جزئياً دون إذن خطي مسبق من المؤجر، فيجب على المستأجر أن يلتزم بهذا الشرط الذي وقع عليه برضاه واختياره، للأثر الصحيح: "المسلمون عند شروطهم"، وهذا الشرط لا يخالف مقتضى العقد، وأضاف أن النص على ألا يحصل التنازل عن العقد إلا برضا المؤجر، لا يمنع حق المؤجر في أن يطلب نسبة من التقبيل إذا رغب المستأجر في تقبيل المحل لغيره.
وحول السعر المرتفع الذي يطلبه المالك من المستأجر للموافقه على التقبيل أجاب الدكتور الماجد: "من المعلوم أن قيمة التقبيل لا ترتفع إلا لسبب من عدة أسباب، من أهمها: كثرة طلب الاستئجار في الموقع نفسه من أجل تميزه، ومنها ما يحتويه المحل من ديكورات متميزة، ونحو ذلك مما لا يمكن نقله بعد انتهاء عقد الإجارة، فإن كانت قيمة التقبيل راجعة للسبب الأول فقيمته حينئذ ليست حقاً محضاً لمستأجر المحل؛ لأن موقع المحل ليس ملكاً له، وإنما هو ملك للمؤجر (المالك)، فكان له حقٌ أن يكون له نصيب وافر من قيمة التقبيل، وتابع قائلا: أما إذا كانت قيمة التقبيل راجعة في أغلبها إلى ما يحويه المحل من ديكورات ونحوها مما هو من عمل المستأجر وإبداعه، فالأمر حينئذ يختلف، وينبغي هنا أن يكون ما يشرطه المؤجر من قيمة التقبيل لا تزيد على الثلث، لأن ما زاد على الثلث يقع في دائرة المضارة، وهذا متصور في مسألة التقبيل مراعاة لحال المستأجر ومن باب الإحسان فقط"، وأشار إلى أن مسألة الثلث معتبرة في كثير من القضايا المالية المعاصرة كالمضاربة في الشركات التي لا تزيد نسبة النشاط المحرم على الثلث من قيمة موجودات الشركة أو نشاطها.
وفي قضية كهذه لابد أن يحضر القانون، فقد أكد الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبد العزيز أن عقد الإيجار المبرم بين مالك المركز أو البناية وبين المستأجر هو عقد ملزم لطرفيه، ولا يحق لأي منهما إلغاؤه أو تعديله، أو التصرف على خلاف مقتضاه إلا بموافقة الطرف الآخر، فإذا ما فشل المستأجر في تجارته أو عمله الذي استأجر المحل لأجله، لأسباب ليس للمالك (المؤجر) دخلاً فيها فإنه يكون ملزماً بدفع القيمة الإيجارية حتى نهاية مدة العقد، ولا يحق له التأجير على الغير إلا بموافقة المالك (المؤجر)، أو أن العقد يتضمن نصا يجيز له ذلك. وفيما يتعلق بحصول المالك على مبلغ مستقل سواء من المستأجر الأول أو ممن يرغب في الإستئجار من المستأجر الأول، أجاب الدكتور: "لا تثريب على المالك في ذلك الأمر، إذ أنه يحصل على مقابل للموافقة على تحويل العقد من المستأجر الأول إلى المستأجر الثاني قبل انقضاء مدة الإيجار والمتفق عليها أساسا، وهو يعلم تماماً (المالك) أن المستأجر الأول لن يكون بإمكانه شغل المحل، وممارسة نشاطه فيه دون موافقته، وذلك لحرصه على اختيار أولئك الذين يشغلون مركزه التجاري، وأشار الخولي أن نسبة التقبيل تزدهر وتكون مرتفعة في المحال أو المعارض المرغوبة، والتي يكثر فيها المتسوقون والجائلون.
وأوضح المحامي والمستشار القانوني محمد الضبعان أن عقود الإيجار هي عقود ملزمة لطرفيها، وإذا كانت هناك فقرة في العقد تنص على السماح للمستأجر بأن يتنازل عن المحل لمستأجر آخر، فلا يحق للمالك في هذه الحالة أن يطلب من المستأجر أي مبالغ للموافقة على هذا الإجراء، وأضاف: أما في حال وجود فقرة في العقد تنص على أنه لا يحق للمستأجر أن يتصرف في المحل دون إذن من المالك، فهذا الشرط ملزم أيضا، وبالتالي لا يحق للمستأجر أن يقوم بالتنازل عن المحل إلا بإذن مالكه.
وحول فرض رسوم مالية من أصحاب المحال على المستأجرين مقابل الموافقة على التقبيل يرى الضبعان أن هذا الإجراء صحيح وشرعي ولا يخالف ما جاء في العقد، كون العقد لا يعطي المستأجر الحق في التنازل، ويقول: على المستأجر في حال رغبته القيام بتقبيل المحل (التنازل) أن يوضح نصا في عقد الإيجار ينص على أحقيته بهذا التنازل دون إذن المالك، والأصل في ذلك (العقد شريعة المتعاقدين، والمؤمنين على شروطهم)، وأشار الضبعان إلى أن المبالغ الكبيرة التي يطلبها أصحاب المحال تخضع للتراضي بين الطرفين (المالك والمستأجر)، وتخضع أيضا للمكان ومدى إقبال المستأجرين عليه.
وقال محمد بن طالب (مستأجر قام بتقبيل محله أخيرا): "لقد استأجرت محلاً من إحدى الشركات، وقررت تقبيله إلى شخص آخر، ورفضت الشركة عملية التقبيل إلا بشرط أن أدفع لها 60 ألف ريال بشيك مصدق، وهذا المبلغ عبارة عن 50 في المائة من قيمة الإيجار السنوي وذلك تحت اسم نسبة الشركة لقاء التنازل"، وأضاف: لا يتم كتابة أي عقد جديد للمستأجر الثاني إلا بعد أن تأخذ الشركة مبلغ 50 في المائة من سعر الإيجارالسنوي، علماً بأن هذه الفقرة غير موجودة في العقد تماماً، بل يفرضون هذه الزيادات من ثغرة موجودة فيه، وهي (التنازل أو الإحالة) وتنص على (من المفهوم والمتفق عليه صراحة أنه لا يحق للمستأجر التنازل عن هذا العقد لأي طرف ثالث سواء كان ذلك كليا أو جزئياً دون إذن خطي مسبق من المؤجر)، وأنا هنا أتساءل إذا كان من حق الشركة أن تكتب هذا الشرط في العقد، فهل يترتب على هذا الشرط أي التزامات مالية؟
وتابع إذا قامت الشركة بتأجير المحل وتسلمت أجرته السنوية كاملة، فما وجه الحق في أن تأخذ الشركة نصف الإيجار على كل عملية تقبيل؟ علماً أن نسبة التقبيل ارتفعت في الوقت الحاضر ووصلت إلى 100 في المائة من سعر الإيجار السنوي في بعض المحال، وذلك لقاء نقل العقد من المستأجر القديم إلى المستأجر الجديد.
وأبدى بن طالب دهشته ممن يؤكد أحقية المالك بفرض النسبة الكبيرة بسبب (ازدهار موقع المحل) وقال: "إننا عندما استأجرنا الموقع قبل نحو تسع سنوات، لم يكن الزبائن يزورون تلك المواقع لفراغها من المستأجرين، كما أنها كانت بعيدة عن المواقع الجيدة، ولقد صبرنا سنوات، وتكبدنا الخسائر حتى تحسن الوضع وأصبح الموقع متميزاً، أي بمعنى آخر أنه بصبرنا وخسارتنا نحن المستأجرين جميعاً أصبح الموقع متميزاً، ثم يأتي المؤجر ليقطف ثمرة جهدنا وإصرارنا على النجاح"، وأشار إلى أنه في السابق كان المالك يقدم لهم التشجيع والإغراءات المجانية لكي يقبلوا بالإيجار في تلك المواقع، والآن يفرض المبالغ الكبيرة للموافقة على التقبيل.
وقال مستأجر آخر (رفض ذكر اسمه) لأسباب قد تؤدي إلى تعطيل نشاطه التجاري، لقد فرضت علي الشركة المؤجرة نسبة 70 في المائة من سعر الإيجار السنوي، للموافقة على تحويل العقد إلى مستأجر آخر، ورغم أن التقبيل هو الطريقة الوحيدة لإنقاذي من خسائري المادية، إلا أنني أرفض دفع هذه النسبة الجنونية، وأكد أنه ماض في مزاولة نشاطه حتى تنتهي مدة العقد، وعندها لكل حادث حديث.

الأكثر قراءة