نظم إدارة التعليم بين التعليم عن بعد والتعليم التقليدي .. من يخدم؟!
يشهد العالم اليوم الكثير من التغيرات التكنولوجية السريعة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، الأمر الذي كان له تأثيره في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، مما أدى إلى ضرورة وحتمية وجود تحولات جذرية على جميع الأصعدة، ومنها وهو الأهم، الحاجة إلى تغيير النظام التعليمي التقليدي ليواكب ظروف ومقتنيات هذا العصر التكنولوجي. ولكي نستطيع أن نواجه هذه التحديات بخصوص حاجته إلى تغيير منظومة التعليم وتوفير فرص تعليمية إضافية أوسع، كان على العديد من المؤسسات التعليمية حول العالم أن تبدأ بمواجهة هذا التحدي من خلال النظر الجاد في إمكانية تطوير برامج التعلم عن بعد، فهل التعلم عن بعد حقيقة وله عائد ومردود اجتماعي وثقافي وفكري وتربوي، أم أنه درب من دروب الخيال العلمي؟ هل ما زالت قيمة المعلم التقليدي في حياتنا كما هي أم تحولت القيم وتحول المعلم إلى النظام الرقمي؟
فمن جانب تقني والمعروف في أنظمة التعليم، أن برنامج نظم إدارة التعليم Learning Management Systems، النظام المستخدم في جميع جهات التعليم عن بعد. فماذا لو استخدم هذا النظام في جامعاتنا السعودية؟ ماذا سيحدث لو أصبحت جميع المراجع والملخصات والتدريبات الجماعية من خلال برنامج إلكتروني موحد، يمارس الطالب من خلال هذا البرنامج ليقوي تحصيله العلمي ويوسع معرفته؟
باختصار الوسيلة التي تتبعها الجهات التعليمية عن بعد هي أبسط وأسهل طريقة للتواصل مع الطلبة، فلماذا لا تستفيد الجهات التعليمية التقليدية من تلك الوسيلة وجعلها وسيلة للتواصل مع الطلبة، ففيها من الإيجابيات ما لا حصر له.
مابين التعليم عن بعد والتعليم التقليدي
من أهم إيجابيات التعليم التقليدي هو التقاء المعلم والمتعلم وجهاً لوجه، ويعد هذا الالتقاء أقوى وسيلة للاتصال ونقل المعلومة ما بين شخصين أحدهما يحمل المعلومة والآخر يحتاج إلى تعلمها، ففيها تجمع الصورة والصوت والأحاسيس والمشاعر، مما يؤثر في الرسالة والموقف التعليمي كاملاً وتتأثر به. وبذلك يمكن تعديل الرسالة، ومن ثم يتم تعديل السلوك نحو المرغوب منه، وبالتالي يحدث النمو، وتحدث عملية التعلّم.
فنلاحظ أن التعليم التقليدي يعتمد على "الثقافة التقليدية"، والتي تركز على إنتاج المعرفة، فيكون المعلم هو أساس عملية التعلّم، ونرى الطالب سلبياً يعتمد على تلقي المعلومات من المعلم دون أي جهد في الاستقصاء أو البحث، لأنه يتعلم بأسلوب المحاضرة والإلقاء، وهو ما يعرف بـ" التعليم بالتلقين"، ولكن نظرا للتضخم السكاني وعجز الجامعات عن استيعاب الكم الهائل من الطلاب في مقاعدها، إضافة إلى بعد المسافة بين المتعلم والمؤسسة التربوية في كثير من الأحيان، فظهر التعلم عن بعد كبديل عن التعليم التقليدي.
والتعلم عن بعد هو تعليم جماهيري يقوم على فلسفة تؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليمية المتاحة. بمعنى أنه تعليم مفتوح لجميع الفئات، لا يتقيد بوقت وفئة من المتعلمين، ولا يقتصر على مستوى أو نوع معين من التعليم. فهو يتناسب وطبيعة حاجات المجتمع وأفراده وطموحاتهم وتطوير مهنهم، بالإضافة إلى تعلمهم لغات أخرى غير لغتهم الأم.
لقد أثبتت البحوث التي أجريت على نظام التعليم عن بعد أنه يوازي أو يفوق في التأثير والفاعلية نظام التعليم التقليدي، وأنه تجديد للتربية، وذلك عندما تستخدم هذه التقنيات بكفاءة، خاصة عندما تكون رغبة التعلم جاءت من رغبة داخلية بحتة لا إجبارية.
التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد
يعتبر التعلم عن بُعد إحدى أدوات التعليم التي تتسم بفصل طبيعي بين المعلم والمتعلم، إلا عندما يكون هناك بعض اللقاءات بينهما وجهاً لوجه لمناقشة بعض الأعمال والتوصيات والتوجيهات البحثية، ويعتبر من الاتجاهات الجديدة في منظومة التعليم. ومصطلح التعلم الإلكتروني E-Learning هو المصطلح الأكثر استخداما حيث نستخدم أيضا مصطلحات أخرى مثل:
Electronic Education, Online Learning, Distance Learning, Virtual Learning, Web Based Education.
يشير التعلم الإلكتروني إلى التعلم بواسطة التقنيات التي توفرها الإنترنت مثلا، أو باستخدام الوسائط المتعددة التي يشملها الوسط الإلكتروني من شبكة المعلومات الدولية العنكبوتية "الإنترنت" أو الأقمار الصناعية، أو الإذاعة، أو أفلام الفيديو، أو التلفزيون، أو الأقراص الممغنطة، أو المؤتمرات التي تعقد خلال الإنترنت، أو البريد الإلكتروني، أو المحادثة بين طرفين عبر شبكة المعلومات الدولية. إذاً هو مصطلح يجمع مجالات التعلم من خلال الإنترنت، والتدريب من خلال الويب، والتدريس باستخدام التكنولوجيا. بمعنى أنه يعتبر شراكة بين التصميم التعليمي Instructional Design والتكنولوجيا Technology واستراتيجيات التدريس Teaching Strategies.
التعلم التزامني وغير التزامني
التعلم التزامني Synchronous E-Learning يعني أحد أساليب التعليم الإلكتروني. وهو التعلم على الهواء مباشرة، ويحدث عندما ينفصل المعلم والمتعلم مكانيا، ولكنه يحتاج إلى وجود المتعلمين في نفس الوقت أمام أجهزة الكمبيوتر لإجراء المناقشة والمحادثة المرئية والمسموعة بين الطلاب أنفسهم وبينهم وبين المعلم عبر غرف المحادثة Chatting أو تلقي الدروس من خلال الفصول الافتراضية Virtual classroom، أو من خلال ما يعرف باللقاءات الشبكية Net Meeting. ويتم تعقب التقدم في عملية التعلم من خلال: الاختبار من خلال الإنترنت، الاختبار الشفهي المباشر، تقديم التقارير بشكل مباشر عن طريق الصوت والصورة وغيره من التقنيات على حسب إمكانيات الجهة التعليمية.
أما التعلم غير التزامني Asynchronous E-Learning، وهو التعلم غير المباشر الذي لا يحتاج إلى وجود المتعلمين في نفس الوقت أو في نفس المكان، ويتم من خلال بعض تقنيات التعليم الالكتروني مثل البريد الإلكتروني، حيث يتم تبادل المعلومات بين الطلاب أنفسهم وبينهم وبين المعلم في أوقات متتالية، وينتقي فيه المتعلم الأوقات والأماكن التي تناسبه.
تقنيات ومتطلبات التعلم الإلكتروني
تستخدم العديد من التقنيات والمتطلبات التي لا بد من توافرها في التعلم الإلكتروني، فمنها ما هو متطلبات تكنولوجية (أجهزة) مثل: الحاسبات والشبكات ذات سرعات نقل مناسبة ووسائل ربط الشبكات، فهناك: بث الشاشات Screencasts وحافظة الوثائق الإلكترونية ePortfolio ونظم دعم الأداء الإلكتروني Electronic Performance Support Systems وأجهزة سماع ملفات الصوت من نوعMp3 Players . ولا ننسى دور استخدام المواد الدراسية من خلال الويب والوسائط المتعددة والأقراص البصرية. ولا نغفل تفاعل المنتديات الحوارية والمراسلات عن طريق البريد الإلكتروني، والمشاركة في المدونات Blogs والدردشة النصية Text chat والرسوم المتحركة التعليمية Educational Animations والألعاب التعليمية Educational Games والأفلام التعليمية Educational Films . فباستخدامه لتلك الطرق أصبح بإمكانه تقييم أدائه بمساندة الحاسب.
ولاشك أن برامج المحاكاة (Simulations) وبرامج إدارة المحتوي والتعلم Learning and Content Management Software ونظم الاستفتاء الإلكتروني Electronic Voting Systems ستشكل بنية متكاملة لهذا النظام، ويبقى تشغيله وتفعيلة هو ركيزة النجاح. ولا نغفل دور المعلم والمتعلم في التشغيل بإتقانهم مهارات استخدام الحاسب ومهارات الاتصال الفعال والنظام والتنظيم الشخصيين وإدارة الوقت والصبر والمثابرة.
التعليم للجميع
لا بد من التنويه إلى أن التركيز على التكنولوجيا على حساب عملية التعلم يمثل خطأ يقع فيه الكثيرون. حيث يجب أخذ المتعلمين في الاعتبار عند تصميم المادة التعليمية. وذلك من خلال فهم ماهية التعلم والاستيعاب، وما أنماط التعلم والفروق الفردية، وما وسائل اكتساب المهارات وتحصيل المعلومات. أي أن يكون المتعلم في بؤرة الاهتمام، وأن يكون هو مركز العملية التعليمية، في دائرة يحيطها المعلم والزملاء والمواد التعليمية والكتب الرقمية وخدمات الويب والمواد الأخرى، حتى يصبح التطور فعالاً في مجتمعنا وعالمنا.
فلو حصرنا الفئات التي يخدمهم التعليم عن بعد، لرأينا أن البالغين وطلاب مرحلة البكالوريوس هم أعلى الفئات. في المقابل يحتل المركز الثاني ربات المنازل، ففي تواجدهن في المنزل مع الأطفال غير قادرات على الدراسة بوسائل أخرى، حيث هذا التعليم هو الأنسب لهن، ولا نغفل العاملين والعاملات بنظام المناوبات (مثل الممرضات، وأفراد الشرطة، وأمناء المكتبات وعمال المصانع) غير القادرين على التعليم بوسائل أخرى أيضا هم يمثلون فئات عددية كبيرة في المجتمع، ولا بد من الاعتناء بهم. وبصفة عامة، من تمنعهم حواجز المنشآت (مثل السجون، أو الإقامة بالمستشفى)، أو أولئك الذين لا يجدون الوقت والإمكانيات للذهاب لأماكن التعليم التقليدية.
إذا جميع ما سبق يدار من دائرة ونافذة واحدة تحت سقف نظم إدارة التعليم، والذي باختصار يمكن تعريف هذا النظام بأنه: تطبيق يعمل من خلال الشبكات والإنترنت، ويسمح لجميع الأطراف المتعلقة بعملية التعليم أن تتصل وتمارس جميع الأنشطة الخاصة بالتعليم عن طريقه.
ومن هنا تظهر ميزة كبيرة في نظم إدارة التعليم، وهي شمول النظام لكافة الأطراف والأنشطة التي تتعلق بالتعليم، بالإضافة لميزة أخرى، وهي عدم ضرورة أن يجتمع الكل في مكان واحد ووقت واحد لممارسة الأنشطة التعليمية.
ولا شك أن ذلك ينطوي على توفير كبير في الوقت والجهد وسرعة في إنجاز الأعمال بدون انتظار أو تضييع للوقت، ولكن أيضا ليست هذه هي الميزة الكبرى في نظم إدارة التعليم الإلكتروني، فهناك ميزة لا تقل أهمية عنها، ألا وهي تبني تلك النظم للنظريات الحديثة في التعليم، والتي هي نتاج أبحاث ودراسات مستمرة للوصول لأكثر وسائل التعليم نجاحا، وبالتالي فإن نظم إدارة التعليم تساعد على ممارسة تلك الأسس الحديثة والتي دلت على أن أنجح وسائل التعليم يجب أن تتمتع بالصفات التالية: تشجع المتعلم على التفكير النقدي، وتشجعه على القدرة على حل المشكلات، وإعطاؤه القدرة على الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الحديثة، على أن يكون هو المحور الأساسي لعملية التعليم.
المحتوى التعليمي وعناصره
في المراحل الأولى لإعداد مواد تعليم إلكترونية، كانت الفكرة المسيطرة هي تحويل المادة التعليمية (المكتوبة) إلى مادة تعليمية إلكترونية باستخدام النصوص والصور والرسوم ما أمكن ذلك. بالإضافة للعناصر التفاعلية التي يحاكي فيها الكمبيوتر الواقع ليساعد المتعلم على فهم المعلومات. وعندما ظهرت الوسائط المتعددة (المالتيميديا)، أصبح لدى منتجي المحتوى التعليمي فرصة أكبر لاستخدام عناصر المالتيميديا من صوت وصورة وفيديو وصور متحركة، وكذلك إضافة تلك العناصر للمواد التفاعلية حتى تصبح عملية المحاكاة أكثر واقعية.
وحتى ذلك الوقت كان تقسيم المادة العلمية يتم بشكل مشابه لما هي عليه في هيئتها الورقية. أما الآن فيتم تطوير المحتوى التعليمي بحيث تنتج المواد التعليمية المختلفة على شكل عناصر تعليمية مستقلة تحقق الأهداف التعليمية التي تركز عليها الطرق الحديثة في التعليم.
فبعد تقسيم المادة العلمية إلى دروس، يتم تناول كل درس على حدة. وبتفهم كامل لطبيعة المعلومات التي يحويها الدرس والهدف المطلوب من تدريسه، يتم اختيار أنواع العناصر التعليمية الملائمة لهذا الدرس، ثم يبدأ خط إنتاج العناصر التي تم اختيارها. علما أن لكل نوع من العناصر خط إنتاج مختلفا. ثم يأتي دور خبراء المالتيميديا التعليمية في تحديد ما العناصر التعليمية المناسبة لكل درس من الدروس. فهذا درس من الممكن تطوير كافة العناصر المذكورة له، أما هذا فلا يناسبه الرسم ولا التجربة التفاعلية مثلا، ولكنه تناسبه اللعبة وهكذا. وبهذا نعرف سبب توافر بعض أنواع العناصر التعليمية في بعض الدروس وغياب البعض الآخر.
ومما لاشك فيه أن هذا الأسلوب يتماشى مع المنهجية الحديثة في التعليم والتي تعطي المعلم القدرة على تخصيص أسلوب تقديم المادة التعليمية اعتمادا على خلفيات وقدرات المتلقي، حيث يتوافر له المحتوى التعليمي على شكل مكتبة ثرية من العناصر التعليمية بعدة أشكال مختلفة تعطيه القدرة على التنويع والانتقاء بمرونة مع الاهتمام بالجودة العالية للعناصر المنتجة.
العناصر التعليمية
لقد تبلور لدى المهتمين في مجال التعليم الإلكتروني مفهوم واضح حول إعداد المحتوى التعليمي على شكل عناصر تعليمية Learning Objects، يدور تعريفها حول ثلاثة عناصر، الأول حول أن العنصر التعليمي هو مصدر رقمي Digital Resource وهذا يعني أن المصطلح يخص التعليم الإلكتروني دون غيره من وسائل التعليم، وهو مخالف لرؤية البعض الذين يعتبرون أن أي مادة مساعدة في التعليم هيObject Learning. أما الثاني: أن العنصر التعليمي يكون قابلا لإعادة الاستخدام، وهو صفة مشتركة أيضا بين عدد كبير من وسائل التعليم التي تعوض المحاضرات الحية (الوسيلة الأكثر استخداما في التعليم). ويأتي ثالثا: أن العنصر التعليمي يساعد ويدعم عملية التعليم.
نهاية نجد أن التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني يتفقان في الغاية ويختلفان في الوسيلة. فغاية هذين النوعين من التعليم تتمثل في الحصول على مخرجات على مستوى عال تتميز بالمعرفة المتقدمة والتأهيل الجيد. أما من حيث الوسائل المستخدمة في بلوغ هذه الوسيلة، فإننا نجد أنه في حين أن التعليم التقليدي ينهض أساساً على انتظام الطلبة في الحضور إلى قاعات الدراسة لتلقي العلم من معلم يستعين في عملية تعليمهم بمراجع محددة مطبوعة يلزم قراءتها وينتظمون في صفوف يتم تحديدها وفقا لسنهم، ويتم انتقالهم وفقا لمراحل تعليمية محددة، فإنه في التعليم الإلكتروني يتم تلافي إشكالية انتظام الدارسين في الحضور لقاعات الدراسة بصورة منتظمة، وتتنوع الوسائل المستخدمة في نقل المعرفة إلى الدارسين في نظام التعليم الالكتروني، وأصبح العلم بالتعلم، وليس بالتعليم من زاوية المتعلم وهو الأهم.
جامعات عربية وأجنبية للتعليم عن بعد
تقدم جامعات عربية قليلة جدا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، خدمة التعليم عن بعد، في مقابل مئات الجامعات الأجنبية، منها: الجامعة العربية المفتوحة، وجامعة مدينة دبي للإنترنت، الجامعات المفتوحة في مصر والقنوات الفضائية التعليمية، والجامعة المفتوحة البريطانية (BOU) ، جامعة تايلاند المفتوحة، وجامعة العلامة إقبال المفتوحة في باكستان، جامعة الهواء اليابانية عام، وجامعة توريوكا في إندونيسيا، والجامعة الوطنية للتعليم المفتوح في الهند، جميعها نماذج عريقة للجامعات المفتوحة.