الجاهلية تطل برأسها على بلادنا من جديد!
"دعوها فإنها منتنة" كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خير ما نبدأ به قضيتنا التي نداولها أمامكم اليوم، قبل أكثر من 1400 عاما قالها خاتم الأنبياء وهو يقدم عصارة الأديان السماوية بكل ما تحمل من سمو رباني، من خلال تعاليم الدين الإسلامي الذي لم يتوجه إلى فئة معينة أو عرق أو لون، بل توجه إلى البشرية جمعاء.
كان صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى العالم بلسانه العربي وسط قومه العرب، الذين يتصفون بتفاخرهم بأنسابهم واعتزازهم بقبائلهم، وهو ما يتناقض مع مفهوم رسالته العالمية ولبها السامي، فعلمهم وأدبهم وأنار لهم طريق الحضارة بعيدا عن ظلماء العنصرية، فكان بلال الأسود مثل صهيب الأحمر مثل أبي بكر مثل عمر مثل ابن عمه علي رضي الله عنهم وأرضاهم، أصحابه جميعا يتساوون في المرتبة عند محمد وربه، لا تفريق بينهم إلا بالتقوى وما يقدمون بين يدي رب العالمين.
هذه القضية التي سنطرحها اليوم تعتبر غولا مخيفا يطل برأسه على بلادنا من خلال طلابنا وأبنائنا من أعمدة مستقبلنا، فالمكان الذي نعدهم فيه لتلقي العلم وتنمية عقولهم وأفكارهم، هو نفسه ما نرى فيه تفاخرهم بقبائلهم وعنصريتهم لها!
تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة " تعريف القبائل بالأرقام " تعد من مظاهر التعصب القبلي في المجتمع المحلي على الرغم من تزايد فرص التعليم على جميع المستويات. وتنتشر هذه الظاهرة لدى فئة الشباب ما بين 15 حتى 25 سنه الذي كان الجميع يتوقع أن تذوب لديهم كل العنصريات القبلية، ولكن ما نشاهده اليوم عكس ذلك تماماً.. "الاقتصادية " بدورها قامت باستطلاع حول هذا الموضوع والتي تعد حالة اجتماعية ولها الأثر السلبي على المجتمع.
ضعف الوازع الديني
أكد الدكتور حمود العنزي مدير ثانوية الجهاد في المنطقة الشرقية أن أسباب التعصب القبلي في المجتمع تعود إلى تدني الفكر المعرفي، وضعف الوازع الديني بسبب الابتعاد عن تعاليم ديننا الحنيف وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والانغلاق والتقوقع على الذات، والعيش على صدى الأزمان الماضية، وإفلاس النفس وانهزامها أمام متطلبات المرحلة، وعدم القدرة على اكتساب أدوات المنافسة، مشيراً إلى أن وسائل تغذيتها هي أسباب وجودها في المجتمع، أضف إلى ذلك انتشارها عبر الفضائيات ببرامج ومسابقات وأعمال فنية كثيرة, مشيرا إلى أن مظاهر التعصب القبلي يتجلى كثيراً في أوساط المراهقين أكثر من غيرهم، وفي أوساط الأقل تعلماً أكثر من المتعلمين، وفي القرية أكثر من المدينة، ولدى العوام أكثر من الخاصة، فهي قد تكون هنا وهناك ولكن بنسب متفاوتة.
وحول التصدي لمثل هذه الظاهرة أكد العنزي أن إقامة المحاضرات والبرامج الإرشادية من خلال نشاطات المدرسة والإذاعة المدرسية يهدف إلى ذلك، فهو ما يوضح آثار التمسك بالعصبية القبلية وما ينتج عنها من انعكاسات سلبية تمزق الترابط والتآخي بين أفراد المجتمع, كما يكون التصدي لهذه الظاهرة التي تعد دخيلة على المجتمع السعودي استضافة بعض الشخصيات المعروفة من التربويين وعلماء الاجتماع المختصين في هذا المجال, مضيفا أن المدرسة تسعى إلى تكثيف الجهد والتواصل من خلال حصص النشاط والإذاعة المدرسية ومادة الوطنية في نشر الوعي والنصح والإرشاد كما تعمل على طمس مثل هذه الأرقام بعبارات تربوية إرشادية تعالج مدى خطورة وانتشار هذا الأمر، ومشيرا إلى أن التعصب القبلي يأخذ أشكالا كثيرة فهو مرض يتجذر ويمتد إلى كل نقطة في حياتنا, وهذه الرموز والألقاب ومن قام بنشرها هم صغار السن لا تتجاوز أعمارهم 15 إلى 20 عاما وغالبا هم في المرحلة الثانوية, وغالبا ما تكون هذه الرموز على جدران المدارس, والسيارات, وكذلك للأسف حتى في دورات المياه يفتخر برمز قبيلته!
وسم الإبل.. للتفاخر!
ويذكر بعض المختصين أن الفكرة أساسا كانت مأخوذة من "وسم الإبل"، وهي التي يضعها البدو على نياقهم ليتعرف الناس عليها وعلى صاحبها من الرمز، إلا أنها تحولت مع مرور الوقت إلى أرقام تميز القبيلة عن أخرى.
أنور الزهراني مشرف تربوي في المنطقة الشرقية يرى أن ديننا أمر بالترابط بين أفراده، ومنع كل ما من شأنه المساس بهذه الوحدة، ولكنه هذب سلوك الصحابة وذم التفاخر والتنابز بالألقاب، بل إنه جعل ذلك من التمسك بخصال الجاهلية، حينما عنّف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه بقوله "إنك امرؤ فيك جاهلية"، لأنه نال من أحد الصحابة الكرام، لأن أمه أعجمية، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أبعد من هذا عندما أخبرنا بأن هذه الخصلة إحدى ثلاث خصال التي ما تزال في الأمة، وذلك على سبيل التحذير منها، وهذا دافع كبير للحذر وبيان بأن كثيراً من الناس يقعون فيها، مشيراً إلى أن العصبية القبلية ليست قاصرة على العرب بل هي في جميع الأعراق. ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة أخذت في الانتشار بين الطلاب وتبقى ظاهرة صبيانية إلا أنها منتشرة في المنطقة الشرقية عن غيرها من المدن في المملكة.
بضاعة مربحة!
وحول هذا الأمر يعلق عبد العزيز القحطاني مدير مدرسة الثقبة المتوسطة لقد ظهرت هذه الأرقام بشكل ملفت للنظر حتى لا يكاد فصل ولا كتاب ولا جدار ولا سيارة إلا وكتب عليها تلك الأرقام التي تعبر عن قبيلة وحولها عبارات تبين المراد من كتابة الرقم، مضيفا أن بعض الطلاب أصبح ينادي زميله بالرقم المحدد له حسبما اتفق عليه من توزيع الأرقام.
ويذكر محمد يحيى صاحب محل زينة سيارات أن هذه الأرقام أصبحت بضاعة مربحة وتشهد طلبا وإقبالا كبيرا من الشباب, وهي تكون عادة على شكل ملصق يوضع في مؤخرة السيارة, ولقد نفذت كمية منها خلال أسبوع واحد فقط, وأحيانا تكون الأرقام مرتبطة باسم القبيلة.
أغلفة الكتب!
وقال طارق الهاجري طالب في المرحلة الثانوية: أبرز التأثيرات لمثل هذه الأرقام أصبح أبناء القبيلة شغلهم الشاغل حتى صغار السن في المدارس المتوسطة والثانوية فلم يقتصر الأمر على الأبناء حتى البنات أصبح لديهن العلم بهذه الأرقام من أبناء وبنات القبائل فيعمدون إلى كتابة رمز القبيلة على مناضد الدراسة، وعلى أغلفة كتبهم، وجدران المدارس في حين يعمد بعض طلاب الثانوية، وحتى الجامعة إلى كتابته على سياراتهم، لدرجة أن تلك الرموز وأسماء القبائل أصبحت تباع لدى محال زينة السيارات، وتم استحداث أرقام خاصة بكل قبيلة!
وقال خالد الشمري طالب في المرحلة الثانوية في مجمل هذه الأرقام حسب ظني تعكس افتخار الطالب وحماسته لقبيلته، وذلك لأن الأرقام تكون مأخوذة من معان ترمز للقوة، فعلى سبيل لا الحصر يعزو البعض الرقم 511 إلى مكينة السيارة البكب من نوع GMC التي يعرفها أبناء البدو غالبا كون هذه السيارة ذات قوة دفع قوية، ونوعها الذي يحمل مكينة حجمها يعرف بنوع 511، في حين يرجعها آخرون إلى وسم الإبل الخاص بالقبيلة، في حين ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث يرون أن الأرقام تعطي دلالات معينة لأرقام آيات قرآنية!