استثمارنا الغذائي في الخارج (4 من 4)

[email protected]

أتمنى أن ندرك أن الأزمات الاقتصادية التي أخذت تداهمنا، كأزمات الغذاء والماء والإسكان والتضخم ونحوها، أصبحت تأخذ منحا جديا لا يسمح بالأعذار والتسويف. ولا خيار لنا تجاهها مع نمو أعداد السكان سوى النظر إليها كأولويات قصوى، والاستعداد لها بتخطيط واع ومسؤول يراعى تغير الظروف، وارتباط هذه الحاجات الأساسية بأمننا الاجتماعي، واستقرارنا الاقتصادي. علينا أن نتلقى باهتمام بالغ وأن ندرس بعناية واسعة جميع عروض المشاريع الزراعية التي تلقيناها من بعض الدول الزراعية كتلك التي قدمها رئيس الوزراء الباكستاني في زيارته الخيّرة إلى المملكة، أو التي قدمها وزير الزراعة الإندونيسي للشيخ صالح كامل في لقائه به في ماليزيا، أو تلك التي تعرضها الحكومة السودانية. فسد حاجاتنا الزراعية لا يتحقق إلا بتكامل الموارد بين ما لنا فيه مزية نسبية، مع ما يمتاز به الآخرون عنا. ويجب أن تكون نظرتنا نحو المستقبل حصيفة، فما يعرض علينا اليوم بتكاليف لا تتعدى بضعة مليارات من الريالات أو الدولارات، سيكلفنا إن تراخينا عن اتخاذ القرارات الصحيحة في وقتها السليم، عشرات وربما مئات المليارات منها.
لم تعد القضية خاضعة للتقدير والتخمين، فالأرقام تفصح عن الحقائق. فقد أشار مؤشر مجلة "الإيكونوميست" الغذائي إلى أن أسعار المواد الغذائية في العالم قد ارتفعت في عام 2008م بنسبة 75 في المائة. فيما ذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس أن متوسط أسعار الغذاء العالمية ستظل في العقد المقبل أعلى بنسبة 50 في المائة، مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية.
ومن يمعن النظر في بنود الإعلان الختامي لقمة منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الذي عقد في روما أخيرا، يدرك مدى خطورة الوضع الغذائي في العالم. لذا دعا البيان جميع دول العالم إلى إعطاء الاستثمارات الزراعية ما تستحقه من عناية ودعم. بل إن بعض المراقبين الدوليين، كمنظمة "أوكسفام" البريطانية غير الحكومية، اعتبرت أن ما جرى في القمة، وإن كان خطوة أولى مهمة، لكنه غير كاف لمكافحة الأزمة الغذائية العالمية، وأن الأزمة الحالية تعكس بشكل واضح حاجة العالم إلى إصلاحات عميقة في نظام التجارة العالمي.
وكان وزراء الزراعة العرب، قد طالبوا في مؤتمرهم الذي عقد في الرياض في نيسان (أبريل) الماضي، بتعزيز التعاون الزراعي العربي لمواجهة أزمة الغذاء العالمية، عن طريق تشجيع الاستثمارات الزراعية المشتركة، والتزام الدول بمنح رجال الأعمال امتيازات واضحة وقوية للاستثمار الزراعي. كما تضمن إعلان الرياض أيضا، الدعوة لإعداد خطة عمل وبرامج زمنية محددة الآجال لتنسيق السياسات الزراعية بين الدول العربية.
بلغت فاتورة غذاء عالمنا العربي نحو 20 مليار دولار، وسترتفع مع اتساع أزمة الغذاء الحالية إلى نحو 30 مليار دولار في عام 2008.، وهي في طريقها للزيادة إن بقي حال الزراعة كما هو. العالم العربي بحاجة إلى تفعيل الإرادة السياسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبحاجة إلى تطوير بيئة العمل الزراعي لتكون جاذبة للاستثمارات الخاصة، وبحاجة إلى تقوية مؤسسات التعاون المشترك سواء عن طريق أجهزة الجامعة العربية أو عن طريق التعاون الثنائي. فالأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، إن لم يسبقه!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي