التضخم والقروض وهموم المواطن
يُدرك الجميع في المملكة العربية السعودية ارتفاع مستوى التضخم الذي نشهده هذا العام، الذي قد يستمر للأعوام المقبلة مما تسبب في معاناة الكثير من المواطنين وخصوصا المنتمين للطبقة الوسطى الذين يمثلون الشريحة الأغلب. ويُعّرف التضخم بأنه الارتفاع بالمستوى العام للأسعار بسبب كثرة النقود التي بحوزة الأفراد والتي تقابلها قلة في السلع التي يمكن شراؤها باستخدام هذه النقود.
ولعلي أوضح هنا بعض الأسباب التي في رأيي أدت إلى حدوث مشكلة التضخم وما أفضل وأذكى الأساليب التي تستطيع من خلالها الجهات المسؤولة حل هذه المشكلة في الآجل القصير، المتوسط، الطويل.
أولا فيما يتعلق بأسباب التضخم، السبب الأول هو انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية كالين والجنيه الاسترليني واليورو (ارتفع سعر صرف اليورو مقابل الدولار بأكثر من 13 في المائة خلال عام 2007)، وحيث إن الريال السعودي مرتبط بالدولار الأمريكي فقد تأثر بهذا الانخفاض. وأيضا كون المملكة تبيع النفط بالدولار، فقد تسبب ذلك بحدوث فوارق عملة في غير صالح الاقتصاد السعودي خصوصا مع دول الاتحاد الأوروبي واليابان مما تسبب في ارتفاع تكلفة الواردات وانخفاض قيمة الصادرات النفطية.
السبب الثاني يعود لارتفاع الإيرادات من النفط الخام بسبب ارتفاع سعر البرميل إلى أن وصل إلى معدلات قياسية قاربت 100 دولار أمريكي، مما أسهم في حدوث عبء كبير على الدول المستوردة له، وأدى إلى حدوث عجز في ميزانياتها التجارية (الفرق بين ما تستورد الدولة وبين ما تصدره) ولتتلافى هذه الدول العجز في الميزان التجاري قامت برفع أسعار منتجاتها التي تصدرها مما أدى إلى معاناة للدول التي تعتمد بشكل كبير في تأمين احتياجاتها على الاستيراد ومن ضمنها المملكة. وبالنسبة للسلع التي تُنتج محليا والتي تعد سلعا استهلاكية في الغالب، فالسبب وراء ارتفاع أسعارها يرجع إلى أكثر من سبب أهمها كون أكثر العاملين في هذا القطاع هم من الأجانب وقد تضرروا بشكل كبير من انخفاض سعر صرف الدولار، حيث إنهم يقومون بتحويل أموالهم إلى بلدانهم وإن لم يحولوها فعلا، فإنهم يقيّمونها في أذهانهم بعملة بلدانهم لأنه في نهاية المطاف سيعودون إليها، وذلك أدى إلى مطالبتهم بزيادة رواتبهم لتعويضهم فروق العملة مما زاد من تكاليف الإنتاج وبالتالي رفع سعر المنتج. وأيضا كون الأجهزة والمعدات المستخدمة في الإنتاج مستوردة من الخارج وبالتالي شملها ارتفاع الأسعار، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الوحدة المنتجة بسبب تحميلها قيمة استهلاك المعدات المستخدمة في الإنتاج.
السبب الثالث هو تركيز البنوك على الإقراض في قطاع الأفراد، الذي أدى إلى إقدام الكثير من الأفراد على الاقتراض لأغراض استهلاكية أو لأغرض المضاربة بالأسهم وأيضا الاستخدام المفرط للبطاقات الائتمانية، مما أدى إلى خلق طلب على السلع يفوق قدرة الاقتصاد الإنتاجية وبالتالي ارتفعت الأسعار.
وبعد ذكر أهم الأسباب التي أدت إلى التضخم، يأتي التساؤل: ما الحلول التي في يد الجهات المسؤولة التي يمكن أن تحد من تفاقمها وتحاصر تأثيرها؟
الحل في نظري هو التوجه لحل مشكلة المواطن السعودي الأساسية وهي مشكلة صعوبة امتلاك منزل (تشير الإحصاءات إلى أن نسبة المواطنين الذين يمتلكون منازل هي 20 في المائة فقط من إجمالي سكان المملكة)، أجهزة الدولة قادرة على تحقيق تأثير قوي جدا في سوق العقار والضغط على أسعار الأراضي والمساكن عن طريق التعجيل بتوزيع أراضي المنح وقروض الصندوق العقاري وقيام الصناديق المملوكة من الدولة كالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق معاشات التقاعد وصندوق الاستثمارات العامة ببناء وحدات سكنية أنموذجية ذات مساحات صغيرة نسبيا مقارنة بمساحات المنازل السائدة حاليا وبيعها بأسعار نقدية مخفّضة أو بالتقسيط بنسبة فائدة قليلة، وأيضا تفعيل الأنظمة والقوانين التي تهيئ المناخ النظامي الملائم لدخول الجهات التمويلية سوق التمويل العقاري السكني ومراقبة أدائها بحيث تنفذ عمليات التمويل من دون مبالغة في احتساب الفائدة كما هو سائد حاليا حيث تصل معدلات الفائدة الإجمالية التي يدفعها المواطن في سبيل الحصول على مسكن إلى 80 في المائة من قيمة المنزل في بعض الأحيان.
حل مشكلة السكن ستساهم بإذن الله تعالى بشكل كبير جدا في رفع مستوى معيشة المواطن حتى لو ارتفعت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بنسبة بسيطة فلن يؤثر ذلك لأن المنزل الملك مؤمن، وبالتالي الهم الأكبر تم علاجه والباقي تستطيع الدولة – في الأجل الطويل - أن تعالجه علاجا فاعلا بحيث تعيد النظر في سياساتها النقدية والمالية والاقتصادية. والله الموفق.