أسعار النفط الجديدة تجبر الشركات البتروكيماوية على إعادة ترتيب أوراقها
أسعار النفط الجديدة تجبر الشركات البتروكيماوية على إعادة ترتيب أوراقها
تلجأ الشركات العالمية بشكل مستمر إلى تدارس أوضاعها وكيفية زيادة أرباحها ما يعود بالفائدة على ملاّك أسهمها ويؤدى إلى حالة من الرضا والانسجام ما بين إدارات الشركات وملاّك الأسهم. ومثال على ذلك فلقد رصدت "باسف" BASF عملاق البتروكيماويات الأوروبي مبلغ 14.7 مليار دولار لأي استحواذ محتمل يمكن أن يؤدي إلى تحسين وضع الشركة من خلال زيادة الأرباح، إذ تتنافس "باسف" مع "سابك" و"داو كميكال" و"دوبونت" على حصة أكبر في سوق البتروكيماويات العالمية البالغة تريليوني يورو.
لا يخفى على الجميع أن ارتفاع أسعار النفط عام 2007م ووصولها إلى 80 ـ 95 دولارا للبرميل وثباتها عند هذه المستويات الجديدة وتوقع عدم نزولها عام 2008م إن لم ترتفع، قد أدخل الشركات البتروكيماوية الأوروبية والآسيوية والأمريكية في كثير من الحسابات، وأجبرها على توقع الكثير من السيناريوهات والاستعداد لها. كل هذا مدفوع بارتفاع أسعار النافثا والطاقة وتذبذب الطلب العالمي على البتروكيماويات، ودخول كميات كبيرة جديدة من البتروكيماويات قادمة من آسيا ودول الشرق الأوسط.
تم التعرض في السابق لمثال إنتاج الإيثيلين، وتم عرض وضع الشركات العالمية الصعب، وأنه لا يمكنها بالظروف الحالية بأي حال من الأحوال من منافسة الشركات الخليجية التي باتت اللاعب الرئيس في إنتاج الإيثيلين.
الشركات العالمية شديدة الديناميكية والواقعية، وتتعامل مع أي تغير في الأسواق العالمية بمنتهى العملية والاستراتيجية، وما أن يبدأ انخفاض أرباح بعض الوحدات أو المصانع لأسباب خارجة عن الإرادة حتى تبدأ هذه الشركات على الفور التفكير في التخلص من هذه الوحدات والتقليص من حد الأرباح القليلة أو الخسائر في بعض الأحيان.
تعتبر مادة الستايرن على سبيل المثال من المواد المهمة في عالم البتروكيماويات، حيث تستخدم في إنتاج البولي ستايرن، وتستخدم كلاً من الإيثيلين (الموجود في دول الخليج بقيمة شديدة التنافس) والبنزين العطري، حيث يجرى إنتاجه من النافثا الموجودة في دول الخليج بأسعار تنافسية ولكن أقل من أسعار تنافسية الإيثيلين. كل هذا جعل عالم الستايرن يتحرك مع التغير الجديد في أسعار النفط بعد فترة طويلة من الركود والثبات، إذ وصل سعر طن الستايرن في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2007م إلى 1335 دولارا للطن بحسب موقع أرقام.
يبدو أن الغرب بدأ يستشعر صعوبة الوضع فيما يخص صناعة الستايرن والبولي الستايرن، فإلى جانب صعود تكلفة إنتاج البولي ستايرن (بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز والمعادن كالفولاذ في العالم) ودخول طاقات أو كميات أخرى من هذه المادة إلى الأسواق العالمية (حيث إن الإيرانيين يسعون لبناء مصانع لإنتاج الستايرن ومن ثم البولي الستايرن، وكذلك "المجموعة السعودية" بالشراكة مع "شيفرون" تمضى قدماً لإنتاج كميات كبيرة من البولي ستايرن، وتجرى الاستعدادات لإنتاج الإيثيلين لتفاعله مع البنزين العطري المتواجد عند "المجموعة السعودية" لإنتاج إيثيل البنزين ومن ثم الستايرن ومن ثم البولي ستايرن كمنتج نهائي)، يتوقع المختصون قدوم نحو 3.2 مليون طن من الستايرن إلى الأسواق العالمية بحلول 2012م، وهذه الكمية تمثل 45 في المائة من كميات الستايرن المنتجة عام 2007.
ومن الجدير بالذكر أن معظم هذه الكمية ستأتي من دول الشرق الأوسط، وعلى الأخص السعودية وإيران. أما الطلب فتبدو آسيا بقيادة الصين صاحبة أكبر نمو على طلب البولي ستايرن، وعليه فإن "CMAI للاستشارات البتروكيماوية" ترجح أن تتحكم دول آسيا في أسعار الستايرن رغم أن معظم الزيادة في الإنتاج ستأتي من دول الشرق الأوسط.
كل هذا أدى إلى إعادة خلط الكثير من أوراق منتجي الستايرن، وحفز على وجود بعض الحراك في عالم الستايرن، وعادة ما تتمثل في زوال شركات وقدوم أخرى. فعلى سبيل المثال هنالك شركة تقوم بإنتاج الستايرن بالشراكة ما بين شركتي إينوس ونوفا، وستكون هذه الشركة قائمة بحد ذاتها، وأيضا هناك الكثير من الترقب للشراكة التي ستقوم ما بين شركتي داو كميكال وشركة شيفرون فيلبس. أما في أوروبا فأعلنت شركة باسف في الفترة الأخيرة وبشكل رسمي على لسان الرئيس التنفيذي لها السيد هامبرشدت، عن رغبتها في بيع وحدة الستايرن ومشتقاته لديها.
والجدير بالذكر أن مبيعات وحدة الستايرن هذه قد وصلت إلى 3.2 مليار دولار، وأن 15 في المائة من إنتاجها قد تم تصديره إلى آسيا. وأثار قرار "باسف" اهتمام الكثير من الشركات البتروكيماوية التى ترغب في صناعة البولي الستايرن، ومن المتوقع أن تتم صفقة بيع وحدة "باسف" هذه في النصف الأول من عام 2008م.
وكانت "باسف" قد أنفقت نحو سبعة مليارات يورو للاستحواذ على شركة إنجلهارد Engelhard، التي تنتج المواد الحفازة، وشركة ودي جوسا وشركة جونسون بوليمر. كل هذا يعطى فكرة شديدة الأهمية عن كيفية تعامل الشركات البتروكيماويات مع المتغيرات الاقتصادية، فلا ثوابت، والكل يغير اتجاهه بحسب مصلحته.
وأخيرا من سيشتري وحدة الستايرن في "باسف"؟ الأكيد أن "باسف" تمتلك تقنيات إنتاج الستايرن والبولي ستايرن، ومنطقة الشرق الأوسط تمتلك اللقائم وتفتقر إلى التقنيات المتطورة. هل ستبدي الشركات السعودية أية رغبة في شراء هذه الوحدة؟ "سابك" ما تزال في حيثيات استحواذها على "GE للبلاستيك"، إذ استثمرت مبالغ كبيرة ثمناً لهذا الاستحواذ. أما "أرامكو السعودية" فلم تدخل إلى الآن في مثل هذه الصفقات رغم اهتمامها الأخير بعالم البتروكيماويات المرتبطة بصناعة تكرير النفط.
* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات
[email protected]