بوركهارت.. وملاحظات على البدو منذ مطلع القرن التاسع عشر
لم يجد جون لويس بوركهارت بداً من تحقق رغبته في دراسة اللغة العربية، فتوجّه في عام 1808 إلى جامعة كامبردج الإنجليزية، متخصصاً في دراسة اللغة العربية، وفي العام التالي استطاع السفر إلى حلب والإقامة فيها، وهناك بدأ في تلقي دروس مكثفة في اللغة العربية، وتقصى في تلك الأثناء عن قصص البدو في بادية الشام وأخبارهم وعاداتهم وأسلوب معيشتهم، وهو الأمر الذي ساعده على تأليف كتابه "ملاحظات عن البدو والوهابيين"، وواصل دراسته حتى أصبح متمكناً من اللغة قادراً على بدء رحلاته، فانطلق من الشام إلى القاهرة، في فبراير 1812 ، بعد مضي 14 سنة على حملة نابليون إلى مصر، ومن القاهرة حصل على خطاب من محمد علي باشا، يقدّم بوركهارت بوصفه سورياً اسمه الشيخ ابراهيم بن عبدالله الشامي، ويحض على معاملته الحسنة في كل الأراضي الخاضعة لمحمد علي باشا. ومن هنا استطاع بوركهارت السفر إلى جنوب مصر حتى وصل إلى أماكن في النيل الجنوبي لم يصلها أحد قبله من المستكشفين، فاستطاع اكتشاف معبد أبو سمبل أحد أضخم الكنوز الأثرية الفرعونية، وكان أول غربي يراها. وفي تلك الأنحاء، صادف قافلة من الحجاج، تريد قطع البحر الأحمر نحو الحجاز، فرافقها وكان ذلك عام 1814، وأدى مناسك الحج مع الحجاج بإتقان تام، ثم جدد تواصله مع محمد علي باشا، الذي وافق على إقامته في مكة، وجدد خطابات حمايته بل وأرسل له مالاً وهو في الحجاز، ما جعل بوركهارت يكتب كتابا من 350 صفحة قدم فيه وصفاً لمكة مزوداً بالكثير من الرسومات، وأهداه لمحمد علي.
استقر بوركهارت في الحجاز لعامين، أي حتى 1816، واستطاع في تلك الأثناء أن يضيف إلى مادة كتابه "ملاحظات على البدو والوهابيين"، المادة الخاصة بالوهابيين فقد صادفت زيارة بوركهارت للحجاز، حملة محمد علي باشا عليهم في الدرعية وبعض نواحي نجد الوسطى، التي انتهت عام 1818، ما جعله قريباً من الأحداث، خصوصاً أن الحجاز قد تعرضت للغزو الوهابي قبل مجيء بوركهارت بنحو عقد من السنين، وشهد عودة حكم الأشراف.
وهذه التفاصيل التي ننشر مختصراً لها حول الجزء المتعلق بـ "البدو"، كما وردت في كتاب بوركهارت المذكور والصادر بطبعة أولى عام 2005 عن مؤسسة الانتشار العربي ومترجم بواسطة غاندي المهتار.
أهل الشمال وأهل "القبلي"
يفصّل بوركهارت في بداية كتابة عن قبائل البدو التي يتحدث عنها في كتابه، ويقسمهم إلى ثلاثة أقسام: عرب الشمال، ومنازلهم ما بين حوران حتى أدنى حلب من ناحية بغداد. وعرب جبل البلقاء ومنازلهم جنوب غرب دمشق حتى الجنوب الشرقي للبحر الميت، والآخرين هم عرب القبلي أي القبلة وتعني الجنوب. ومنازلهم في الكرك وقرب جبل مشرف على البحر الميت. وقد جالس بوركهارت العشرات من أفراد تلك القبائل التي تنزل هذه المنازل وقابل عديدين منهم في مقاهي الشام وأسواقها أثناء إقامته فيها للدراسة. وتعرف من خلال هذه العلاقات على عادات البدو وأفعالهم وأدواتهم وأسلوب معيشتهم وموسيقاهم وأشعارهم وأخبارهم. ويبدأ بوركهارت بالحديث عن منزل البدوي : الخيمة.
منزل البدوي قليل التكاليف
يبدأ بوركهارت حديثه عن الخيمة بالإشارة إلى أن البدوي يدعو منزله بيتاً، لا خيمة، وأن كلمة خيمة، هي ليست سوى تعبير سوريّ دارج، ويُورد بوركهارت تفاصيل كثيرة ودقيقة حول صناعة الخيمة أو بيت الشعر ومكوناته، بل وينقل بدقة أسماء تلك المكونات، رغم أن لكل عمود في الخيمة اسم ولكل جزء من الرواق اسم، ولكل شيء عند البدوي اسم، وبوركهارت يفصّل في ذكر ذلك في كتابه. ويشير إلى أن خيمة البدوي التي تراوح مساحتها غالباً بين 32 مترا مربعا (4 × 8) حتى 96 مترا مربعا (6 × 16) وهذا النوع من البيوت مخصص لشيوخ القبائل والوجهاء فقط، ويرفع السقف فيه خمسة أعمدة، في حين تكتفي خيام العامة بعمودين. وينقسم البيت إلى قسمين أحدهما مجلس للرجال ويسمّى "مقعد الربع" والآخر مجلس للنساء ويسمى "المحرم"، وبحسب بوركهارت عادة ما يكون مجلس الرجال إلى يسار المقبل على الخيمة ومجلس النساء إلى اليمين، غير أنه يشير إلى وجود قبائل لا تلتزم بهذا النظام. ولا يتميز مجلس الرجال عن مجلس النساء سوى بسجادة فارسية أو بغدادية فاخرة.
الثياب البدوية
يشير بوركهارت إلى أنه في الصيف يكتفي البدو بلبس ثوب فضفاض من القطن، والأثرياء يرتدون فوقه ما يشبه الصديرية تشبهاً بالزي التركي. أما في الشتاء فيرتدون "معاطف مصنوعة من شعر الجمال". ومعظم البدو لا يتخلون عن لبس العباءات الصوفية، التي تصنع في بغداد وشمال سورية، إلى جانب العباءات السوداء المطرزة بخيوط ذهبية والتي يرتديها عرب الشمال ويسمونها المشلح. أما الشماغ أو الغترة أو ما كانت تسمى آنذاك الكوفية، فيشرح بوركهارت تفاصيل لبسها والتي تتشابه كثيراً مع تفاصيل الشماغ من حيث الطيات وتشكيل المثلث، غير أنه يوضح أن ألوانها كانت إما صفراء أو صفراء وخضراء، ويشير إلى أن بعض القبائل يضع أفرادها حبلاً مجدولاً حول الرأس فوق الكوفية يُدعى العقال. أما النساء فيلبسن ثياباً من القطن، داكنة اللون غالباً، ورؤوسهن مغطاة بغطاء يُسمى "المقرونة أو الشوبر" لونه أحمر أو أسود، وتحدث عن الخواتم والحلي التي يرتدينها وكلك الوشوم والدقات في وجوههن وأكفهن، كما أشار في سياق حديثه إلى أن نساء البدو جميلات وطيبات ولا يختلفن عن الأوروبيات، بحسب قوله.
أسلحة البدو
يقول بوركهارت أن السلاح الشائع عند البدو هو الرمح، وهناك نوعان من الرماح الخشبية المصنوعة، أحدها تنتجه غزة في فلسطين، والآخر، وكان حديث التواجد في الأسواق آنذاك، من إنتاج بغداد، وجميعها مزوّد\ة برأس حديدي يسمى "القنتاد". ويروي أنه رأى في إحدى المرات رمحاً مزيناً بالذهب والفضة. ويستخدم الرمح لرمي العدو من مسافة قصيرة لكن لا تنالها الأيدي والسيوف، فيكون الرمح هو الأداة المناسبة، كما أنه سلاح جيد كما يشير بوركهارت للدفاع إذ يمكن للبدوي أن يرمي الرمح بإتجاه الخلف على من يلاحقه من الأعداء. وينبه هنا إلى أن السيف لا يزال محافظاً على مكانته عند البدوي ولم يلغه الرمح، فالسيف جزء من جسد البدوي لا يتخلى عنه لا نهاراً ولا ليلاً. وإضافة إلى الرمح والسيف يستخدم البدو الدروع الحديدية، والتي تعد سلاحاً قومياً آنذاك، فملكها يعود للقبيلة لا للفرد، ويوزعها شيخ القبيلة أثناء حالات الطوارئ وشن الحروب. ويشير إلى أن ثمة نوعين من الدروع ، الأول هو الذي يسمى "السرغ" ويغطي الجسد كله، والآخر يسمى "القمباز" ويحمي نصف الجسد من الأعلى، وبعض البدو بحسب بوكهارات كانوا يرتدون خوذات حديدة لحماية الرأس في الحروب.
أما الأسلحة النارية فلم تكن متوافرة بكثرة، وجلّ ما تمكن البدو من الحصول عليه هو بنادق "أم فتيل"، التي يجيدون الرماية منها "بشكل رائع، ونادراً ما يخطئون أهدافهم". أما المسدسات فلم تكن مرغوبة عند عرب الجنوب بقدر ما كانت عند عرب الشمال.
المطبخ البدوي
يعدد بوركهارت الأطباق البدوية الرئيسة وهي: "الفتيتة" التي تتكون من عجين الدقيق والماء وتودع في الجمر ثم يمزج معها القليل من الزبدة وتقدم في إناء من الخشب أو الجلد، و"العيش" وهو دقيق مع لبن ناقة رائب يعجن ويطبخ حتى يغلي، و"البحتّة" وتتكون من الأرز والدقيق المطبوخان بلبن الناقة المحلّى، و"الحنيني" وهو طبق تجتمع فيه الزبدة مع الخبز مع التمر معاً. إضافة إلى طبق البرغل المصنوع من القمح المجفف، والذي يغلى بالماء أو الزيت أو الزبدة، وأقراص الخبز التي تصنعها البدويات على الصاج أو على الحجارة الساخنة. ويفصّل بوركهارت في وصف صناعة الزبدة، ثم يعود للحديث عما قد يأكله البدوي، فيشير إلى "الكمأ" أو ما يسمى (الفقع) وأنواعه الثلاثة : الأبيض ويسمى زبيدي والأحمر وهو الخلاسي والأسود وهو الجبا، ويشير إلى أن الفلاحين يعثرون عليه "في نهاية شهر آذار على عمق أربع بوصات عن سطح الأراض، وتُعرف بواسطة نبة صغيرة تظهر على الرمل". كذلك يأكل البدو ما يصطادون في البرية من الغزلان والأرانب و"الجرابيع". ويصف بوركهارت طريقة أكل البدو بالشكل التالي : "يدسون كل الكف في الطبق الواسع الذي أمامهم، يشكلون كرة من البرغل بحجم بيضة الدجاجة" ويأكلونها، ويشير إلى أنهم "يغسلون أيديهم دائماً قبل تناول الطعام، ولكن نادراً ما يغسلونها بعده، إذ يستمتعون بلعق ما علق في أناملهم". ويؤكد : "قلما قمت عن الطعام قبل الشبع إذ يحرصون على مراقبة الضيف وحضه على تناول المزيد من الطعام".
الحرف والصناعات البدوية
يوضح بوركهارت بداية أن الحرف المعروفة قليلة في الوسط البدوي، مشيرا إلى أن هناك بعض الحدادين وصانعي الأسرجة الجلدية، غير أن بعض قبائل البدو ترى أنها أرقى من ممارسة هذه الأعمال، لذا فهذه الحرف غير منتشرة بين البدو بشكلٍ عام. ولكن حرفة الدباغة تلقى رواجاً عندهم، وهي غير معيبة، ويزاولها الرجال أما النساء البدويات فيمكنهن الخياطة ويصنعن الحقائب والأكياس.
ثروات وأملاك البدو
يؤكد بوركهارت على أن أملاك البدوي هي ما يمتلكه من جمال وجياد، وأرباحه قصيرة المدة يجنيها من بيع الزبدة ومنتجات مواشيه التي تمكنه من شراء القمح والشعير والألبسة لزوجته وأبنائه. وأما الجياد فالأفراس تلد له بشكل سنوي، ما يجعل ثروته تزداد سنوياً أما الجمال فهي الثروة الأكثر وجوداً عند البدو، ويؤكد بوركهارت : "لا تجد عائلة عربية تستطيع أن تعيش دون اقتنائها جملاً واحداً على الأقل، والرجل المالك لأقل من عشرة جمال، فقير في عيون الآخرين". ويؤكد أن العدد الذي يجعل حياة البدوي سهلة ومريحة هو ما بين 30 و40 جملاً. ويروي هوبر أنه سأل ذات مرة ميسوراً بدوياً عن مصاريفه في السنة، فأخبره أنه يصرف : "200 قرش مقابل حمل أربعة جمال من القمح، و100 قرش مقابل شراء الشعير للفرس، و200 قرش مقابل كسوة زوجته وأبنائه، و200 قرش مقابل القهوة والسكر وست قناديل إنارة، والمجموع هو 700 قرش، ويشير بوركهارت إلى أنها تساوي 35 – 40 جنيهاً استرلينيا ( 260 – 300 ريال بأسعار اليوم).
أما الثروة عند البدو، فيقول بوركهارت إنها غير ثابتة "فالغزوات والسطو تحولان الثري إلى فقير". ويشير إلى جانب مهم وهو "أن الثروة وحدها لا ترفع مقام البدوي بين أترابه، فالفقير الذي يذبح الذبيحة تلو الأخرى حين يصل إليه غريب، والذي يقدم القهوة لكل جلسائه ويحمل علبة تبغه... هذا يلقى الاحترام أكثر من البخيل الغني الذي يستقبل الضيف بوجه بارد دون حماسة". أما شيخ القبيلة فيعيش كعيشة الأغنياء ويأكل الأطباق الشهية ولا يشارك معه أفراد قبيلته إلا حين قدوم ضيف عليه "وذروة سعادة الشيخ تكمن في امتلاكه فرساً أصيلة ورؤية زوجته وبناته في حلل أفضل من حلل نساء القبيلة الأخريات".
شعر البدو وموسيقاهم
يؤكد بوركهارت في بداية هذا الفصل من كتابه أن للشعر "مكانة رفيعة عند العرب، ولهذا يلقبون الشاعر بلقب (صاحب قول)"، ويشير إلى أنهم ينظمون القصائد "في مديح شيوخ القبائل أو بقصائد الغزل التي يوجهونها إلى حبيباتهم". ويلفت إلى أن بعض البدو يحفظون الشعر العربي القديم ومنهم من يحفظون سيرة عنترة وقصة الزير سالم التي "عادة ما تروى في الاجتماعات للترفيه وإذكاء نار الحماسة". ومن الجانب الموسيقي يشير بوركهارت إلى الربابة بوصفها "الآلة الموسيقية الوحيدة التي يعرفها أهل الصحراء". وقال إن "أهل الجوف مشهورون بقصائدهم الغنائية"، ومن القصائد التي سمعها بوركهارت تغنى على الربابة قصيدة ترجمها كاملة في كتابه، وهي تتكون من نحو 35 بيتا، ونقلها بوركهارت بالشكل التالي : "
سليمان ! أعطني الريشة والورقة البيضاء
أريد أن أنصّ قولي، قول الحق
وربي سيساعدني ويرحمني ويغفر لي
فهو الذي نصلي له كما يصلي المزارعون في الأرض
والبدو والرعاة
..
وأنتم يا من ارتحلتم عني ركباً على الجمال الغبراء
ارجعوا لي بالشداد المربعة والأكياس والمرقة والدقيق والقهوة والتنباك
إنه شاب فاضل محبوب الأتراب فخر الزوجة
يعرف مسالك الديار أحسن من القطط
وعينه ترى البعيد كما النسر
..
قدم له تحياتي ودعائي، وإليه سلّم قصيدتي
وحين تدخل الخيمة رحّل الأشرار، ومجّد الله ورسوله
عندها تنصب لك الموائد من الفوالق والزبد والتمر، وفكر بالماشية المذبوحة
أخبره، يوسف (وهو كاتب القصيدة) يعيش في البؤس منذ عصاك وأرسل الماشية والجمال
خسر الملك ! لم يسلبه سالب أو عدو بل خسره لأنه لم يستمع للنصح
ويوضح بوركهارت أنه "كانت للبدو أغنيات، منها (الأساميلا) التي تغنيها النساء في مناسبات الأعياد والاحتفالات، وفق موسيقى لا تتغير، وكتب نوتة موسيقية توضح تلك الموسيقى التي استشفها من غناء النسوة.
الأمراض والطب البدوي
يوضح بوركهارت أن الجدري، هو المرض الأكثر فتكاً بالبدو، مشيراً إلى أنه صادف "مخيماً كاملاً فرغ من ناسه بسبب انتشار هذا المرض". لافتاً إلى أن البدو كان يعرفون بعض مبادئ الوقاية من انتشار هذا المرض، فكانت لديهم حقن (لقاحات) للمرضى، وإن كانت بدائية، كذلك كانوا يعمدون إلى عزل المصاب وإبعاده عن منازل القبيلة. كذلك يوضح أن أمراض المعدة منتشرة هي الأخرى بين البدو، ويعيد بوركهارت ذلك إلى "إفراطهم في تناول حليب النوق". أيضاً الأمراض البصرية شائعة لديهم، كذلك البرص الذي قال إنه كان شائعاً غير أنه كان آخذ في الانحسار عند وصول بوركهارت. أما مشاكل الأسنان وأمراضها، فكانت مجهولة تماماً عند البدو، مؤكداً أن جميع البدو "يتمتعون بأسنان جميلة ولامعة".
المعتقدات الدينية لدى البدو
يقول بوركهارت إن البدو "يؤمنون بالله، غير أنهم لا يعيرون للممارسات الدينية الاهتمام"، ويوضح أنه "حتى السنوات القليلة الماضية، لم يكن للبدو أي ملالي أو أئمة" غير أنه يشير إلى تغير طرأ على بعض القبائل أخيرا (في وقته) تتمثل في ميل بعض شيوخ القبائل إلى تعليم أبنائهم مبادئ القراءة وحفظ بعض الآيات من القرآن. كذلك أصبح البدو أكثر حرصاً على أداء الصلاة بانتظام والمحافظة على صيام شهر رمضان محافظة دقيقة. وأما أكبر وأعظم مناسبة دينية يحتفل بها البدو، فهي بالتأكيد عيد الأضحى أو "عيد القربان" كما يسميه بوركهارت، مشيراً إلى أن كل بدوي ينحر في هذا اليوم جمالاً بعدد موتى عائلته، سواء كان الموتى ذكوراً أم إناثاً، وقد يُستعاض عن الجمل بسبعة من الخراف.
غير أن بوركهارت لاحظ أن البدو لا يعتمدون طقوس الجنائز والدفن كما هي عند مسلمي المدن، إذ إن البدو لا يصلون على موتاهم آنذاك، بل يدفنون الميت بعد موته مباشرة. ويروي أن أحد شيوخ القبائل الكبار سُلّمت جثته إلى فلاح ليدفنها بعد موته.
أما الركن الأهم من الدين الذي يحرص عليه البدو فهو "الزكاة"، إذ يتعين على كل من لديه مقدار معيّن من المال أن يزكي جزءا منه بتقديمه للشيخ، ويعتبر تحصيل الزكاة أمراً سيادياً بالنسبة لقبائل البدو. ويدفع كل بدوي دولاراً إسبانياً مقابل كل خمسة جمال يملكها.
الزواج والطلاق
يوضح بوركهارت أولاً أن تعدد الزوجات مباح عند البدو، إلا أن معظمهم يكتفي بواحدة، مشيراً إلى أنه لم يلتق في كل رحلاته بأي بدوي قد تزوج الحد الأقصى من النساء (أي أربع زوجات). واحتفال الزواج مبسط عند البدو "فحين يعتزم الرجل الزواج من فتاة، يرسل أصدقاءه إلى والدها وتبدأ المفاوضات، ويستطلع الأب رأي ابنته" فإن وافق رأي البنت رأي أبيها، أعلن الوالد للخاطبين أنه موافق على الزواج، ويحددون موعده حالا، وغالباً ما يكون ذلك بعد خمسة أو ستة أيام من الخطبة. وفي يوم الزواج يحضر العريس خروفاً وينحره أمام منزل والد العروس بحضور شهود، وحالما يصل دم الخروف إلى الأرض يعتبر الزواج قد تم. ويحتفل الشباب والفتيات في حفلات الزواج بالغناء، وبعد المغرب يكون العريس في خيمة منصوبة على بعد قريب من منازل القبيلة، في حين تتنقل العروس راكضة من خيمة إلى أخرى، حتى تصل خيمة زوجها، ويشير بوركهارت إلى أن البدو يعتبرون أنه من العار أن يطلب والد العروس مالاً مقابل تزويج ابنته.
وللاستزادة ومعرفة تفاصيل أكثر، يمكن الرجوع لكتاب المستكشف "ملاحظات على البدو والوهابيين" وهو متوافر في المكتبات.