إثارة العواطف

إثارة العواطف

[email protected]

المشهد الدرامي العاطفي في التلفزيون العربي مازال كما هو منذ أيام "ليالي الحلمية" ولن يتغير على الأرجح خلال الخمسين سنة المقبلة، يقف رجل وامرأة يمثلان طرفا العلاقة أيا كانت، أحدهما ملتصق بكاميرا المخرج ويواجهك تماما كمشاهد، والآخر يقف وراءه ويواجهك أيضا ولكن من مسافة ابعد قليلا، مع تسارع وتيرة الحوار يبدأ تبادل المواقع بينهما كنوع من التأثير البصري لإشعارك بأهمية جملة أو أخرى.
لا تسأل أبدا عن استحالة حدوث ما يفعلانه في الحوارات الواقعية، فقط تابع المشهد عندما تشتد وتيرته أكثر، فتستفز الزوجة المفترضة زوجها المفترض فيكاد يستأذنك(عزيزي المشاهد سوف أنهي "رزتي" أمامك قليلا لأتعامل معها)، لن يحتاج ذلك التعامل إلى كثير من العناء، سيلتفت نحوها بشكل مفاجئ فيصبحان متقابلين، فتنظر نحوه بعدائية (إنت إيه ؟ ماعندكش دم)، قبل أن تتحول تلك العدائية إلى نظرات خوف هي آخر ما يمكنك مشاهدته في وجهها قبل أن يصرخ بها (ولا كلمة) وينزل عليها بالصفعة الشهيرة التي أصبحت ماركة مسجلة فيما يعرف بالدراما العربية المعاصرة!
طبعا أجزم أنك عزيزي القارئ تعرف بقية القصة، فصاحبنا سيخرج وهو غاضب من البيت بعد أن تقول له زوجته (كده.. بتضربني بالألم؟) وبعدها سيبدأ المشهد التاريخي الذي توارثته الأجيال وهو فتح الحقيبة على السرير ورمي الملابس على نحو عشوائي في ظل بكاء غير مرتب أيضا ، قبل أن تتجه بدورها إلى بيت أهلها لمناقشة تداعيات هذه القضية المصيرية، حيث سيقال لها أن أخونا في الله لم يكن "يستحقها" بينما هي (ألف من يتمناها)!
في اعتقادي، مسلسلات كتلك هي التي "لا تستحق" المتابعة ولا يتمناها ولا واحد من الألف من نسبة جمهور مل التكرار العقيم والتقليدية المفلسة للشخصيات والمشكلات نفسيهما دائما. لسنا بحاجة إلى اجترار البكائية الاجتماعية والمآسي كل مرة، خصوصا أن نشرات الأخبار وحدها كافية للقيام بمهمة تدميرنا النفسي وعلى (أقسى) وجه.
عزيزي القارئ، بناء على كل ما سبق، ولاعتبارات إنسانية ونفسية ضمن حقك في العيش بكرامة ومشاهدة ما يرتقي بروحك، اقترح عليك أن تفتح حقيبة التجاهل وتجمع بها لحظاتك المعلقة على خزانة الفراغ، فأنت كذلك (ألف شاشة تتمناك)، وليس عليك إلا أن تنتصر لنفسك وتقول (أنا مش حأعد في البيت ده ولا دئيئة وحدة!)

الأكثر قراءة