صالح بن عبد الله المالك.. المعلم الواعي

[email protected]

معالي الدكتور صالح بن عبد الله المالك.. مئات الرجال في رجل، غادرنا إلى الرفيق الأعلى وترك خلفه ذكرى تمتد لسنين عديدة من العطاء والقدوة الصالحة، كثير هم من نصلي عليهم يوميا وقليل ومع الأسف الشديد من يتركون ذلك الأثر الإيجابي والذكرى العطرة والعمل الصالح الدائم وصدق المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما أكد لنا بقوله "إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ابن صالح يدعوا له"، ولعل معلمنا الواعي المدرك لأهمية القدوة الصالحة قد منحه الله سبحانه وتعالى كل الصدقات الثلاث، فلقد ترك من الأعمال الصالحة والأبناء الصالحين من يحرصون على أن تستمر حساباته في الآخرة في ازدياد، ومعالي الدكتور صالح ـ يرحمه الله ـ لا ترتبط أبوته بأبنائه من صلبه فقط ولكن من كل من قدم لهم كل النصح والإرشاد والتوجيه خلال رحلة عمله وخلال سنوات عديدة كان فيها مثالا للقائد الحازم والأب الحنون والموجه المرشد، لقد قدم للعديد منا مثالا حيا للقدوة الصالحة.
القدوة الصالحة بالقول والعمل والتي تمثلت في شخصية معالي الدكتور صالح المالك جعلت العديد ممن عملا معه يعشقون تلك الشخصية ويقتدون بها ويتطورون من خلالها حتى أصبح هناك عدد ممن يحملون شخصية هذا الإنسان العظيم في خلقه والجليل في عمله والصادق في وطنيته. عندما يحدثك تعتقد أنك الرئيس وهو المرؤوس وعندما يوجهك تعتقد أنه يطلبك خدمة شخصية له وليس للعمل، تجده مبتسما في كل الأحوال وحازما مع كل الرجال لا يخلط أو يُخلط عليه بين الجد وقت الجد والمرح وقت الترفيه والمرح، دقيق في عمله، راق في لغته خلال 30 سنة من المعرفة المباشرة وغير المباشرة تجده دائما قريبا منك، يملك الرأي السديد، ويتفاعل مع كل فكرة جديدة، لا يبادر إلى قتل الأفكار أو يعطلها دائما يعطى صاحب الفكرة الوقت للشرح والتعبير والمناقشة تخرج من عنده وأنت تزهو بنفسك وفكرك حتى لو أقنعك أن الفكرة التي تحملها لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع ولكنك عندما تغادره تكون قد تعلمت فكرا جديدا وأسلوبا متميزا في تقديم الأفكار وتقدير النقد البناء.
تتعلم منه ـ يرحمه الله ـ كيفية استثمار الوقت وعدم الركود أو التقوقع، فعندما لم يجد نفسه في العمل الموكل إليه وهو ذلك الرجل المعطاء ترجل عن عمله وهو في قمة عطائه وفي أعلى سلطة وعلى رأس الهرم الإداري، لأنه وجد نفسه يعيش صراعا مع مسؤولين وغير مسؤولين لا يؤدي إلى عطاء خدمة لبلده العزيز على قلبه، وأذكر في تلك الأيام نصيحة قالها وهو في سياق حديث عن العمل وترك المسؤولية باقية محفورة في الذاكرة إلى اليوم: يجب على الواحد منا ألا يضيع وقته أو يركن إلى الخمول أو يدخل شرنقته عندما لا تستطيع أن يعطى في عمله، ولهذا فإن ترك العمل أفضل. تذكرت ذلك الحديث وأنا أرى بعض المسؤولين ومع الأسف الشديد يتمسكون بمناصبهم حتى وهم لا يمكنون من العمل ويصبح الواحد منهم مثل الأثاث الذي في مكتبه، يحضر الصباح ويغادر بعد الظهر ولا يقوم خلال تلك الفترة سوى بقراءة الجرائد وإنجاز بعض الاتصالات الشخصية، ويقنع الواحد منهم نفسه أنني سأستكين أو أدخل للشرنقة لفترة تتغير بعدها الإدارة الحالية وربما أجد فرصة مع إدارة جديدة مقبلة، هذه الفترة قد تصل إلى أكثر من ثماني سنوات يضيع فيها العمر والعطاء وهو ما لا يمكن أن يقبله الإنسان السوي المعطاء.
شخصية المواطن الصالح المنتج، هذه الشخصية تتضح في معالي الدكتور صالح المالك، هذا المفهوم للمواطن هو ما نحتاج إليه في كل مواطني المملكة اليوم، لماذا ـ يرحمه الله ـ؟ لأننا لم نعد في حاجة إلى المواطن السلبي الفاسد ولسنا في حاجة إلى المواطن الصالح فقط وإنما المواطن الصالح المنتج، حتى نحقق لهذا البلد العزيز المكانة العالية التي يستحقها.
رحمك الله يا أبا هشام، لقد تركت من خلفك ثروة وطنية لا تقدر بالمال، وإنما بالأعمال المتميزة الصالحة التي سيبقي عطاؤها وأثرها ـ إن شاء الله ـ إلى قيام الساعة، وأعطيت في الوقت نفسه للعديد منا القدوة الصالحة التي تعلمنا منها وتتعلم منها أجيال مقبلة لأن ما تركته من أثر إيجابي في نفوس العديد ممن عمل معك وتعلم منك كان وسيكون حافزا لهم لنقله لمن بعدهم حتى يكون أثره في كل محب ومخلص للسعودية.
حقيقة كما يقال إن الأحياء مثلك لا يموتون حتى وإن رحلوا بأجسامهم عن عالمنا فإن بقاء أثرهم وعطائهم يترك لهم الذكر الكريم والدعاء المستمر، وهو ما أرجوه ممن تعلم أو عمل معك لأنك حقيقة تستحق ذلك وأكثر، جمعنا الله وإياك في دار مستقرة مع النبيين والشهداء والصالحين والحمد لله على قضائه وقدره ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وقفة تأمل:
نم ملء جفنك فالغدو غوافل
عما يروعك والعشي غوافي
في مضجع يكفيك من حسناته
أن ليس جنبك عنه بالمتجافي
واذهب كمصباح السماء كلاكما
مال النـهــار به وليس بطافيٍ
الشمس تخلف بالنجوم، وأنت
بالآثار، والأخبار، والأوصــاف

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي