أمريكا رهن العقار .. ذهب المال والدار؟

تدحرجت رؤوس كثيرة في شركات وول ستريت منها ستان أونيل رئيس شركة ميريل لينش، وتشاك برنس رئيس مجموعة سيتي كورب، وآخرون، وسجلت بعض البنوك الأمريكية والبريطانية والسويسرية وبعض الشركات المالية وصناديق التحوط خسائر مالية كبيرة أعلن عن بعض منها والحبل على الجرار. وسألني أكثر من زميل عن أصل وفصل هذه المشكلة ونشأتها وارتقائها إلى أن أصبحت أزمة تهدد المؤسسات المالية العملاقة والأسماء البراقة بأن تذوق طعم الذل والخسارة؟ وهكذا تدور الداوئر وتتراكم الخسائر ويصبح السوق بائر، حيث أعلنت "ميريل لينش" عن خسائر تجاوزت 15 مليار دولار ومجموعة سيتي كورب نحو 20 مليار دولار و"يو. بي. سي" السويسرية في حدود أربعة مليارات دولار. وسارعت بعض الصناديق السيادية والمؤسسات الشخصية إلى دعم بعض هذه البنوك بالاستثمار في أسهمها، مثل صندوق أبو ظبي، والأمير الوليد بن طلال، وصناديق الاستثمار الحكومية الكويتية مع مجموعة سيتي كورب، وكذلك صندوق حكومة سنغافورة الاستثماري مع "يو بي إس" السويسرية. ويتساءل الكثير من المهتمين: ما المشكلة وأسبابها؟ ولإيضاح بعض الضوء على هذه المشكلة سأتحدث عن ماهية الرهن العقاري ومكنوناته:
الرهن العقاري
تمثل القروض العقارية في أمريكا وأوروبا صناعة متقدمة وطريقة تنشأ عن علاقة مباشرة بين المؤسسات المالية والراغبين في اقتناء المساكن، ولتسهيل البنوك وشركات الاستثمار العقارية هذه المسألة تبسط إجراءاتها وتنشأ العلاقة أحياناً منذ فترة الدراسة مع راغبي السكن، والكل يحتاج إلى مسكن، فالحاجة موجودة والوسيلة متوافرة وميّسرة ليقوم الراغب في السكن باقتراض قيمة المسكن من الشركات المالية والبنوك وبشروط واضحة، يأتي في مقدمتها رهن المنزل خلال فترة القرض للمقرض والدفع شهرياً أو كل ثلاثة أشهر مبالغ متفقا عليها للمقرض وبفائدة أكثره ثابتة وأقلها متحركة، ويمثل ذلك دخلاً كبيراً للبنوك والمؤسسات المالية المقرضة، وقد دفعت المنافسة الشديدة والإقبال على التمويل العقاري البنوك والمؤسسات المالية إلى التوسع في منح تسهيلات لملاك جدد طلبة وحديثي الخريجين وموظفين مبتدئين حتى بلغ الأمر منح تسهيلات لملاك جدد مشكوك في قدراتهم وملاءتهم المالية. ويذكر أحدهم أنه اشترى منزلاً كبيراً في كاليفورنيا، وأن القسط المترتب عليه يتجاوز ثلثي دخله، وأنه أحياناً لا يتوافر لديه دخل ثابت للاستمرار في السداد مما أوقعه في مأزق كبير مع البنك المقرض. وقد ساعدت البنوك عموماً والبنوك الاستثمارية وصناديق التحوط خاصة، عملية التوسع في هذا النوع من النشاط عن طريق تقديم تسهيلات مالية للشركات الممولة، إضافة إلى إصدار (سندات) بضمان تلك القروض وبيع هذه السندات لزبائنها من المؤسسات المالية والبنوك الأجنبية ولتقدمها كتسهيلات لشراء هذه السندات لعملائها، وأبقت جزءاً من هذه السندات في محافظها وقد تعارف السوق على وصف هذه السندات ذات الغطاء المبالغ به بـ (الخشاش)sub prime أو "أبورفزة"، وقد انفجرت فقاعة هذه الاستثمارات في شهر آب (أغسطس) الماضي، حيث اضطر الكثير من البنوك والمؤسسات المالية إلى أخذ الاحتياطات المناسبة وإعلان الخسائر، كما أعلنت بعض صناديق التحوط إفلاسها. ولقد تدخلت الحكومة الأمريكية بحث البنوك علي تجميد الفوائد على هذه القروض وتمديدها فترة السداد ودراسة الحالات كافة التي قد تؤدي إلى حلول لهذه الأزمة التي أدارت كثيراً من الرؤوس في البنوك والشركات المالية في أمريكا إلى أوروبا، ولتقريب مثل هذا النشاط للقارئ السعودي حيث إن الرهن العقاري غير منتشر في المملكة ولا توجد آلية حتى الآن لبدء المؤسسات المالية والبنوك مثل هذا النشاط، وإن كان القرآن الكريم قد أشار في سورة البقرة إلى الرهن كوسيلة من وسائل ضمان السداد، فالقروض الشخصية التي انتشرت في المملكة في الأعوام الماضية، وذلك بتحويل الراتب للمقرض أو جزء منه هي الحالة المشابهة تماماً لموضوع الرهن العقاري عند تعثر السداد أو فصل الموظف وانعدام مصادر السداد أو ضعفها. وما زالت أزمة الرهن العقاري تمثل سيفاً مسلطاً على البنوك الأمريكية والمؤسسات المالية. وقد اشترى بنك أوف أمريكا "كونتري وايد" المتخصص في القروض العقارية بنحو أربعة مليارات دولار، وحان الوقت ليضحك بنك أوف أمريكا البنك الذي نجا لعدم تورطه الكبير في هذا المجال، وقد امتد هذا التأثير إلى بريطانيا وبنك يو بي إس السويسري. ورب ضارة نافعة، فإن تدهور سعر الدولار وانخفاض أسعار الفائدة في السوق الأمريكية قد تؤديان إلى تخفيض هذه المشكلة مع أنه من المتوقع أن يستعيد المقرضون ما يوازي مليون منزل مباعاً هذا العام، مما سيؤثر في النمو الأمريكي الذي يتوقع أن يكون هذا العام في حدود 1.9 في المائة من الرقم المتوقع الذي كان في حدود 2.8 في المائة، حسب تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، وربما تجاوزت قيمة المنازل التي ستعود إلى النظام نحو 200 مليار دولار، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل سيؤثر ذلك فينا كمصدرين للنفط ومستثمرين في السوق المالية الأمريكية والأوروبية؟ إن ذلك قد يؤثر فينا نظراً لتشابك الاقتصاد العالمي حيث إن انخفاض القدرات الشرائية قد يؤثر في أسعار النفط، وعسى أن يقوم السيد/ الثلج والبرد بتعويض هذا النقص، كما أن ذلك سيؤثر في المستثمرين العرب في أسواق الدول الصناعية بانخفاض أسعار الأسهم والسندات والعوائد المالية.

[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي