عقد التأمين التعاوني
تنقسم العقود بحسب أغراضها إلى أقسام عدة، أحدها التمليكات، وهي ما يقصد بها تمليك شيء، سواء كان عينًا (منزل) أو منفعة (منفعة المنزل). واتفق الفقهاء على أنه إذا كان التمليك بعوض فالعقد عقد معاوضة، كعقد البيع وعقد الإجارة مما فيه معاوضة ومبادلة بين طرفين، وإن كان التمليك بغير عوض، فالعقد عقد تبرع كالهبة والإعارة والوقف.
وعقد التأمين بصفته الحديثة ظهر قبل عدة قرون، وهو أن يلتزم المؤمن له بدفع قسط محدد إلى شركة التأمين مقابل دفع تعويض معين عند تحقق خطر معين، وهو عقد معاوضة ملزم للطرفين، وقد أفتى جمهور الفقهاء المعاصرين والمجامع الفقهية بعدم جواز عقد التأمين المذكور، ابتداء من ابن عابدين - رحمه الله تعالى -، بسبب عنصر الغرر في العقد وهو جهل العاقبة.
وبناء على هذا الموقف الفقهي، طرحت المجامع الفقهية وهيئات أهل العلم، بديلاً لذلك ما عرف بالتأمين التعاوني أو التكافل، واعتبر عقد التكافل عقد تبرع وليس عقد معاوضة، وهو من قبل التعاون على البر لأن كل مشترك يدفع اشتراكه تبرعًا لتخفيف آثار المخاطر التي تصيب أحد المشتركين أو بعضهم. واعتبر عقد التأمين التعاوني قياسًا على عقد الهبة المشروطة.
وقد عرّف الفقهاء الهبة بأنها عقد يفيد التمليك بلا عوض حالة الحياة تطوعًا. ونصت المادة (855) من مجلة الأحكام العدلية على أنه تصح الهبة بشرط عوض (مذهب حنفي) لكن الشافعية يرون أن اشتراط العوض صراحة يبطل العقد لأنه يخالف مقتضى العقد وهو الهبة دون عوض.
وفي بعض القوانين المدنية، يجوز للواهب - دون أن يتجرد عن نية التبرع - أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين كإلزام الموهوب له أن يعول الواهب حتى موته، أو أن يدفع له إيراداً مرتبًا مدى الحياة (نقلاً عن الفقه الإسلامي للزحيلي). وبذلك يكون عقد الهبة المشروط، عقد تبرع ابتداء، وعقد معاوضة انتهاءً.
وبناءًا على ممارسة العمل في التأمين التعاوني، لم أجد نظراً تفصيليًا في هذا الأمر يجمع شتات المسألة. ويمكنني أن أذكر هنا ما يلي: إن عقد التأمين التعاوني، لكي يكون بديلا لعقد التأمين التجاري، يجب أن يكون عقدا مركبا من ثلاثة عقود: أولها: عقد تبرع من معلوم بشرط نفع نفسه وغيره (غير معلومين) لفترة معينة، وثانيها: عقد وكالة لمن ينظم أمر هذا التبرع ويقوم عليه. وعند نهاية الفترة المعنية، يقوم الوكيل برد الفائض إن وجد إلى المتبرعين، أو التبرع به لفترة مقبلة، وفي حال العجز للوكيل الاقتراض لسداد العجز وسداد القرض الحسن من الفائض في فترات مستقبلية. وثالثها: عقد ضمان من الوكيل للمتبرع للوفاء بالتعويض في حال الخطر، رغم أن الوكيل أمين لا يضمن كما هم معلوم في الفقه.
وهكذا فإن عقد التأمين التعاوني، حتى يكون مستوفيًا للشروط الشرعية ومحققًا لمقاصد التعاون على البر والتقوى، ومتلائمًا مع الواقع التطبيقي لصناعة التأمين المحلية والعالمية، فإنه لا بد أن يكون عقداً مركبًا من التبرع والوكالة والضمان، وتخلف التبرع يحدث الغرر المنهي عنه، وتخلف الوكالة يبطل إمكان الإدارة، وتخلف الضمان يبطل الثقة والطمأنينة لدى المتبرعين. وأدعو الهيئات الشرعية للنظر في هذه المسألة المهمة، والله الموفق.