شراكة من 4 بنود لحل معضلة دول الخليج مع العمالة الآسيوية

شراكة من 4 بنود لحل معضلة دول الخليج مع العمالة الآسيوية

وسط جدل محتدم حول تعريف العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي، وما إذا كانت عمالة مؤقتة أو عمالة مهاجرة، توصل وزراء العمل الخليجيون بوصف بلدانهم من البلدان المستقبلة للعمالة الأجنبية ونظرائهم من 15 بلد آسيوي تعد من البلدان المصدرة للعمالة الأجنبية إلى مبادرة تعاون تنطوي على أربع شراكات، وذلك في المنتدى الخليجي حول العمالة الأجنبية الذي اختتم أعماله في أبو ظبي نهاية الأسبوع الماضي.
وتتمثل الشراكات الأربع في تعزيز المعرفة في مجالات اتجاهات سوق العمل والمهارات المطلوبة والمتوافرة للعمال المتعاقدين المؤقتين وسياسات التحويلات وتدفقاتها وتفاعل هذه المجالات مع عملية التنمية في المنطقة، حيث حددت الشراكة الثانية بناء القدرات من أجل التوفيق بشكل فاعل بين العرض والطلب على العمالة، والثالثة تتمثل في التعاون في مجال حماية العمال المتعاقدين المؤقتين من الممارسات غير المشروعة في مجال التوظيف وتعزيز الرفاهية وتدابير الحماية للعمال المتعاقدين المؤقتين التي تدعم رفاهيتهم وتحول دون استغلالهم في دول الإرسال ودول الاستقبال على حد سواء. أما الشراكة الرابعة فتقوم على تطوير إطار مرجعي للتعاون الدولي، فيما يتعلق بالعمالة الوافدة المؤقتة مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات المراحل المتتالية لدورة العمل التعاقدي المؤقت وتأكيد مصالح الدول المستقبلة والمرسلة على حد سواء.
وقد سعت الوفود الخليجية والعربية المشاركة في المنتدى بما في ذلك خبراء من المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل في دول المجلس وممثلين عن منظمة العمل العربية ومنظمة الهجرة الدولية ومنظمة العمل الدولية وخبراء دوليين، إلى تثبيت وجهة نظرهم بوصف العمالة الوافدة في دول المجلس أنها عمالة وافدة ومؤقتة وليست مهاجرة، وهو ما يترتب عليه عدد من الحقوق والواجبات، معتبرين أن أي وظيفة يشغلها وافد هي وظيفة شاغرة متى ما انتهى العقد المبرم مع صاحب العمل وبالتالي تكون الأولوية للباحثين عن عمل من الدولة المستقبلة.
من جهتها، استدعت الدول المصدرة للعمالة الأجنبية خلال مرافعات الدفاع عن عمالتها الوافدة ودعم تحركاتها لرفع أجورها في دول التعاون، معايير العمل الدولية الجديدة الهادفة إلى مساواة حقوق العمالة الأجنبية مع العمالة الوطنية، وكذلك على أطروحات الدول الصناعية ومن خلال منظمة التجارة الدولية لربط التجارة بمعايير العمل، على الرغم من أنها أول المعارضين لهذا الربط في منظمة التجارة العالمية.
ويشرح خبراء حضروا اجتماعات المنتدى أن معايير العمل الدولية الجديدة تتضمن مساواة العمالة الوطنية والأجنبية في البلدان النامية في كافة الحقوق، كما تتضمن الطلب من هذه البلدان إصدار إعلان يقرر أن احترام الدول الأعضاء في المنظمة للحقوق الأساسية للإنسان المتمثلة في الحرية النقابية والمفاوضات الجماعية وحظر العمل الجبري وعدم التمييز والحد الأدنى للسن، وكذلك قيام المنظمة بإجراء تقييم شامل لواقع الجهود التي تبذلها كل دولة عضو لترجمة التحسينات الاقتصادية الناتجة عن تحرير المبادلات إلى واقع اجتماعي أفضل، والأهم من ذلك إصدار علامة اجتماعية عالمية تمنح للبلدان التي تلتزم بمجموعة هذه المبادئ والحقوق الأساسية التي تقبل إخضاع ممارساتها لعمليات تفتيش دولية بحيث يكون من حق كل دولة من هذه الدول منح المنتجات المصنوعة على أرضها حق الانتفاع من العلامة الاجتماعية العالمية المقترحة شريطة أن تقبل هذه الدول الالتزامات الناشئة عن ذلك وأن تخضع لشروط التحقق في الموقع.
ويضيف هؤلاء أن التأثيرات السلبية لمعايير العمل الدولية الجديدة تتعدى القوى العاملة لتصيب قطاعات حساسة في المجتمع كالتعليم والتدريب والتأمينات الاجتماعية والسكان والخدمات الاجتماعية، وبالتالي فإن آثارها تنعكس على تشغيل الشباب حملة المؤهلات، والمرأة أيضا ستدفع ثمنا أعلى من أجل تقلص فرص تشغيلها، بل وإعادة النظر في دورها الذي تنامي في العقود الأخيرة.
غير أن الأهم من ذلك كله ـ كما يتفق الكثير من الخبراء الاقتصاديين الخليجيين ـ أن إثارة موضوع العمالة الوافدة يأتي في وقت تتفاقم فيه مشكلة البطالة الهيكلية في دول التعاون، حيث إن معظم الوظائف المعروضة غير موجهة للعمالة الوطنية بقدر ما هي موجهة للعمالة الأجنبية بسبب خلل هيكلية الأنشطة الاقتصادية. كذلك الحاجة لإيجاد الوظائف لمئات الآلاف من الشباب الداخلين إلى أسواق العمل في دول مجلس التعاون سنويا، حيث يحذر هؤلاء من الآثار السلبية المتعاظمة لهذه المشكلة، حيث تراوح نسبة البطالة بين المواطنين في دول التعاون ما بين 7 إلى 15 في المائة، في الوقت نفسه يلاحظ هؤلاء المحللون تعاظم استنزاف العمالة الأجنبية الموارد المالية علاوة على أعبائها على مرافق الخدمات وغيرها مما يخلق إفرازات اقتصادية واجتماعية سلبية عديدة. من هنا تتسلط الأضواء مجدداً على الجهود الجماعية التي تبذلها دول المجلس في هذا المضمار.
أحد المسؤولين في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية يقول إن الجهود حالياً تبذل لتشكيل لجنة عليا مشتركة بين الدول الأعضاء لوضع آليات التنفيذ لتفعيل قرارات المجلس الأعلى لقادة دول المجلس حول كيفية الاستغناء عن العمالة الوافدة ووضع استراتيجيات التوطين. ويضيف أن موضوع العمالة الوافدة وموضوع توطين الوظائف هي من الموضوعات المهمة التي بحثت على جميع المستويات، فقد أكد قادة دول المجلس أهمية النظر في النظم والتشريعات والقوانين العمالية التي توصل الأهداف إلى التنفيذ من ناحية توطين الوظائف والحد من استيراد العمالة الأجنبية. ولا سيما أن دول المجلس الآن مليئة بالكفاءات الوطنية والمؤهلة علميا وعمليا.
وتراوح نسبة العمالة الأجنبية في بعض دول الخليج ما بين 60 في المائة إلى 80 في المائة من إجمالي قوة العمل، حيث يصل عددها إلى نحو عشرة ملايين عامل. وهذا الأمر يستدعي بذل جهود إضافية لإعداد القوى العاملة الوطنية إعدادا مهنيا ومهاريا كفؤا بحيث تسهم هذه العمالة في تنفيذ خطط التنمية وتسهم أيضا في ترشيد العمالة الوافدة. ولا شك أن وجود هذه النسبة العالية تؤثر في فرص العمالة الوطنية وتدني الأجور، إضافة إلى تأثيرها في الاقتصاد بشكل عام.
علاوة على ذلك، يلاحظ التزايد الحاد في حجم التحويلات المالية للعمالة الأجنبية التي تخرج من دول المجلس سنويا، حيث قفزت خلال الأعوام 1999 ـ 2005 من 15.3 مليار دولار إلى 40 مليار دولار وفقا للإحصائيات الرسمية. إلا أن هذا الرقم سيرتفع يشكل أكبر إذا ما أخذ في الاعتبار التحويلات التي تتم مباشرة دون أن تمر بأي من القنوات الرسمية، وكذلك النفقات الفعلية التي تتكبدها الاقتصادات الخليجية، حيث يقدرها البعض بنحو 100 مليار دولار، مما يشكل استنزافا دائما لموارد التنمية في دول المجلس.
وتتفق هذه المصادر مع ما يذهب إليه المحللون الاقتصاديون بشأن التأثيرات البالغة الأهمية لاتجاهات العولمة على أوضاع العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي. فالعولمة مقبلة بشكل يجعل الدول كلها في منظور واحد والاقتصادية له دور كبير في تنمية رؤوس الأموال داخل الدول.
ويشدد هؤلاء المحللون على أن أهم التحديات العمالية التي تواجه المنطقة تتلخص في عدة نقاط أهمها: تنقل العمالة غير المنظمة وغير المراقبة سواء الخليجية أو غيرها ووجود مخرجات تعليم لا تتطابق مع متطلبات سوق العمل ووجود قوانين عمل بعيدة عن المتطلبات الواقعية لسوق العمل وإيجاد وظائف استثمارية لا تتوافر لها الموارد البشرية الخليجية وكل هذه الأمور يجب تفاديها بسرعة ولا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه، فهناك قرارات خليجية وكل الدول لديها حاليا نظام معلومات ولكنها غير متكاملة. إن مخرجات نظم الدول الخليجية هي بمثابة مدخلات للنظام الموحد. لذلك لا يمكن بأي شكل أن يقوم النظام الموحد إذا لم تتكامل النظم في هذه الدول، مما يساعد على وضع الخطط والمرئيات التي تتعامل مع مشكلات أسواق العمل بصورة منهجية وعلمية تقوم أساسا على توحيد أسواق العمل الخليجية وتكاملها وفتحها بالكامل أمام مواطني دول المجلس الراغبين في العمل في أي من هذه الدول.
يذكر أن تقريرا صادرا عن البنك الدولي يشير إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المينا) ستواجه خلال العقدين المقبلين مستوى غير مسبوق من التحديات في أسواق العمل. ففي عام 2005 بلغ إجمالي عدد القوة العاملة في المنطقة 126 مليون شخص، ويتوقّع لهذا الرقم أن يرتفع ليصبح 146 مليوناً في عام 2010 و185 مليونا في عام 2020. معنى ذلك أنّه يتعيّن على اقتصادات المنطقة توفير 80 مليون فرصة عمل جديدة خلال العقدين المقبلين. ومع معدّل البطالة البالغ الآن نحو 11 في المائة، يبدو أنّ الهدف الأكثر طموحاً، المتمثّل في استيعاب الأعداد العاطلة عن العمل فضلاً عن إيجاد الفرص لتوظيف الوافدين الجدد إلى سوق العمل، يعني الحاجة إلى خلق ما يقارب 100 مليون فرصة عمل مع حلول عام 2020، أي مضاعفة مستوى التوظيف الحالي على امتداد العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.

الأكثر قراءة