صورة قاتمة عن اتفاقية التجارة الحرة الخليجية – الأوروبية
رسم عدد من المسؤولين عن الشأن الاقتصادي الخليجي صورة قاتمة عن مفاوضات التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي محذرين من الوقوع في فخ تحديد مواعيد محددة لتوقيع الاتفاق في ظل عدم حسم العديد من النقاط العالقة بين الجانبين والتي تستلزم المزيد من الوقت والجولات التفاوضية.
وأكد الدكتور هاشم بن عبد الله يماني وزير التجارة والصناعة خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر الصناعيين الخليجيين الحادي عشر الذي افتتح في أبوظبي أمس أن المفاوضات الخاصة باتفاقية التجارة الحرة الخليجية الأوروبية مستمرة منذ زمن بعيد لكنها تكثفت في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية, وأشار اليماني إلى وجود العديد من النقاط العالقة بين الجانبين، والتي تستلزم المزيد من الوقت والجولات التفاوضية, خصوصا أن الجانب الأوروبي يطرح بعض القضايا والنقاط التي تتعدى نطاق وحدود الاقتصاد ويريد تضمينها في بنود الاتفاقية وهذا من أسباب تأخر توقيع الاتفاقية. وشدد يماني على أن تجربة المفاوضات مع الجانب الأوروبي تؤكد أنه لا يجوز لأحد أن يجازف بإعطاء موعد محدد لتوقيع الاتفاق قد يكون من الصعب الالتزام به، خصوصا في ظل وجود العديد من النقاط العالقة التي تستلزم مزيدا من النقاش والتفاوض بشأنها.
أما نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والصناعة القطري عبد الله بن حمد العطية فكان أكثر تشاؤما وحدة حيال مفاوضات التجارة الحرة الخليجية الأوروبية وطالب العطية بموقف خليجي صلب إزاء الشروط والمطالب الأوروبية المتكررة واللانهائية. وتساءل الوزير القطري لماذا يستفيد الجانب الأوروبي من صفقات تجارية ضخمة ومربحة في الخليج, ولا يستفيد الخليجيون بالمثل في السوق الأوروبية؟
وأكد العطية وجود عوائق كثيرة تحول دون وصول الخليجيين إلى الأسواق الأوروبية.
وشدد العطية على وجود العديد من النقاط العالقة التي تحول إلى الآن دون توقيع الاتفاقية, موضحا أنه في كل مرة وفي كل جولة يتم فيها تخطي العديد من الشروط والنقاط يلحقها الجانب الأوروبي بدفعة جديدة من الشروط ويطرحون ويطالبون بأشياء يستحيل قبولها. وختم العطية مداخلته بالتأكيد أنه إذا أراد الخليجيون إنهاء المفاوضات وصولا إلى الاتفاقية فلا بد أن يتخذوا موقفا صلبا وقويا إزاء المطالب والشروط الأوروبية.
ومن جانبه أشار وزير التجارة والصناعة العماني مقبول بن علي بن سلطان أن دول الخليج لم تتفق فيما بينها حيال بعض النقاط الخاصة بمفاوضات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي مثل موضوع المشتريات الحكومية, وشدد على ضرورة أن تنهي دول الخليج هذه الخلافات وتتفق فيما بينها على بعض النقاط غير المتفق عليها قبل التفاوض عليها مع الجهات والتجمعات الاقتصادية الخارجية.
ولفت الوزير العماني إلى أن دول الخليج تتفاوض مع العديد من التكتلات الاقتصادية والدول الأجنبية لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة معها مثل الهند وباكستان وغيرها تتفاوض كمجموعة خليجية واحدة. والاستثناء الوحيد بهذا الخصوص هو التفاوض الثنائي مع الولايات المتحدة.
ويعقد مؤتمر الصناعيين الخليجي الحادي عشر تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بحضور وزراء الصناعة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ونخبة من الخبراء والاقتصاديين وكبار المستثمرين ومتخذي القرار في الشأن الصناعي الخليجي، إضافة إلى المستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر كمتحدث رئيس في المؤتمر.
ويركز المؤتمر الذي يستمر يومين حول صناعة البتروكيماويات العالمية التي شهدت الكثير من التغيرات والتحديات خلال السنوات القليلة الماضية من بينها ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز فيما يُتوقَع نمو كبير لهذه الصناعات في دول المجلس.
وأشار الدكتور محمد خلفان بن خرباش وزير الدولة لشؤون المالية والصناعة في الإمارات في كلمته إلى أهمية انعقاد هذا المؤتمر مع بدء قيام السوق الخليجية المشتركة الذي يعد خطوة مهمة على طريق التكامل الخليجي المنشود وبداية مرحلة جديدة لتفعيل التكامل الاقتصادي الخليجي على أسس واقعية تؤسس لإقامة اقتصاد خليجي قوي وفاعل على المستويين الإقليمي والدولي, موضحا أن مؤتمر الصناعيين لدول مجلس التعاون شكل طوال مسيرته التي بدأت عام 1985 رافدا مهما في دعم مسيرة التعاون والتكامل الصناعي الخليجي عبر توفيره فرصة دورية لتلاقي أقطاب العمل الصناعي على مختلف مستوياتهم من مسؤولين وأصحاب قرار ومستثمرين ورجال أعمال وخبراء وأكاديميين للتداول في شؤون الصناعة وتبادل الأفكار بشكل يسمح ببلورة المرئيات ويساعد على وضع الحلول المناسبة لما قد يطرأ من عقبات أو تغيرات في هذا القطاع الحيوي الذي يتبادل التأثير والتأثر مع العالم بما يعتريه من تغيرات مذهلة على الصعد كافة, التقني منها والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ولفت بن خرباش إلى الإحصائيات المتعلقة بنمو قيمة الاستثمارات الخليجية في صناعة الكيماويات والبتروكيماويات في الفترة من 2000 إلى 2006 والبالغة 5 في المائة مرتفعة من 52 مليار دولار إلى 70 مليار دولار لتمثل حاليا 59 في المائة من إجمالي الاستثمارات الخليجية في الصناعات التحويلية البالغ حجمها 118.3 مليار دولار فيما نما عدد العاملين في قطاع الكيماويات والبتروكيماويات بنسبة 32 في المائة ليصل إلى 164 ألف عامل بنهاية عام 2006.
وأكد أن صناعة البتروكيماويات بلغت خلال العقدين الماضيين مرحلة مشهودة من التطور في معظم دول مجلس التعاون الخليجي.. متوقعا استمرار هذا التطور في المستقبل المنظور نتيجة لما توليه حكومات المنطقة من اهتمام بهذا القطاع.
وأشار إلى أن المنطقة مؤهلة للعب دور الصدارة في قطاع البتروكيماويات في القرن الحادي والعشرين وتوقع أن يبلغ حجم الاستثمارات فيه بحلول عام 2010 نحو 120 مليار دولار.
ويهدف المؤتمر الذي يستمر ليومين بحضور متحدثين عالميين إلى رسم استراتيجية واسعة النطاق لمستقبل الصناعات البتروكيماوية وتحديد رؤية تستند إلى مفهوم التكامل والترابط، وتشخيص التحديات التي قد تواجهها هذه الصناعة.
ويحظى المؤتمر بأهمية كبيرة إقليميا وعالميا، حيث يمثل قطاع البتروكيماويات واحدا من دعائم اقتصاد منظومة دول مجلس التعاون الخليجي التي شهدت صناعة البتروكيماويات في معظمها خلال العقدين الماضيين مرحلة غير مسبوقة من التطور المستمر يتوقع لها أن تستمر بالقوة ذاتها في المستقبل المنظور، حيث يجمع المراقبون الاقتصاديون على أن المنطقة مؤهلة للعب دور الصدارة في قطاع البتروكيماويات في القرن الحادي والعشرين.
ويتوقع منظمة الخليج للاستشارات الصناعية أن يصل حجم استثمارات القطاع 120 مليار دولار بحلول عام 2010 كما تشير الإحصاءات إلى أن معدل نمو قيمة الاستثمارات الخليجية في صناعة الكيماويات والبتروكيماويات في الفترة من 2000 إلى 2006 بلغ 5 في المائة وارتفع من نحو 52 مليار دولار إلى نحو 70 مليار دولار بما يمثل 59 في المائة من إجمالي الاستثمارات الخليجية في الصناعات التحويلية البالغة 118.3 مليار دولار، حيث تستحوذ المملكة العربية السعودية على نحو 63 في المائة من هذه الاستثمارات، بينما تأتي دولة قطر في المرتبة الثانية بنحو 14 في المائة من إجمالي الاستثمار فيما يبلغ عدد الشركات العاملة في هذا القطاع 1969 شركة توظف نحو 155 ألف عامل.
كما يتوقع أن يتركز النمو في إنتاج الإيثيلين وهو أحد المنتجات البتروكيماوية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس المقبلة، ما سيؤدي إلى مضاعفة إنتاج الإيثيلين في إيران ودول مجلس التعاون بحلول عام 2010، ليشكل 20 في المائة من القدرات الإنتاجية العالمية.
وبلغت الطاقة الإنتاجية من الإيثيلين، وهي المادة الأساسية في صناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر من 10 ملايين طن عام 2007 ليشكل نحو 9 في المائة من الطاقة الإنتاجية العالمية من هذه المادة فيما يتوقع أن ترتفع إلى 15 في المائة عام 2020.
و من جانبه أكد الدكتور أحمد خليل المطوع الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، وأكد أن قطاع الصناعات البتروكيماوية يشكل أحد الحلول الحيوية لتنويع القاعدة الاقتصادية في دول المجلس، وتسيير عجلة التنمية بها, مشيرا إلى أن المنطقة تتميز بتوافر المواد الخام التي تدخل في صناعة البتروكيماويات بأسعار تنافسية ووجود بنية تحتية جيدة وموقع استراتيجي يمكنها من الوصول إلى الأسواق الخارجية الرئيسة، خصوصا دول شرق آسيا مثل الصين والهند واليابان، والتي ينمو فيها الطلب على منتجات البتروكيماويات بشكل مطرد، ما يؤهل دول مجلس التعاون الخليجي إلى لعب دور أساسي ومهم في هذه الصناعة على المستوى العالمي.
وأوضح أن دول المنطقة تستحوذ في الوقت الحاضر على نحو 10 في المائة من الطاقة الإنتاجية للإيثيلين التي تعد المادة الأساسية في صناعة البتروكيماويات التحويلية ويتوقع لها أن تصل إلى أكثر من 20 في المائة بحلول عام 2020 أي ما يقارب 40 مليون طن سنويا, مشيرا إلى أن مشاركة كبريات الشركات العالمية العاملة في حقل الصناعات البتروكيماوية في هذا المؤتمر يعكس حجم الاهتمام بهذه المنطقة والرغبة في معرفة اتجاهات هذه الصناعة الخليجية ورؤية المسؤولين عن هذا القطاع تجاه المشاركة العالمية.
بدوره قال جيرهارد شرويدر المستشار الألماني السابق في كلمة له أمام مؤتمر الصناعيين كمتحدث رئيس أن منطقة الخليج العربي لديها الريادة في العصر الحالي. ومجلس التعاون لدول الخليج العربي ذو أهمية حيوية، وسيبرز كقوة اقتصادية، والخبرات التي تمتلكها المنطقة توضح أهمية التعاون لتحقيق السلام والتنمية ودمج الاقتصاد الخليجي في الاقتصاد العالمي, مشيرا إلى نجاح الاتحاد الجمركي الخليجي وإطلاق السوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية، التي سينطلق العمل بها ابتداء من 2010، ستؤدي بلا شك إلى تنمية الاقتصاد العالمي.
وأوضح شرويدر أهمية خلق قنوات اتصالات فعالة، وتعزيز علاقات التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والعمل معا على الحفاظ على أمن إمدادات الطاقة والتي تمثل أهمية كبرى لمسيرة التنمية الاقتصادية العالمية, مشيرا إلى أن سوق الطاقة خلال الشهور الماضية أظهر حساسية شديدة اتجاه العرض والطلب لذلك يجب العمل والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية بشأن الحفاظ على معدلات الإمدادات الكافية لاحتياجات المستهلكين للطاقة وترشيد الاستهلاك للحفاظ على استدامة الإمدادات لأطول فترة ممكنة.
ولفت شرويدر إلى أن معدلات الاستهلاك للطاقة ستزيد بنسبة 50 في المائة عما هي عليه الآن في عام 2030 وأن معدلات انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي ستزيد هي الأخرى بنسبة 30 في المائة.. مشيرا إلى أن تتكاتف الدول الصناعية فيما بينها لوضع حد لارتفاع حرارة الأرض وظاهرة الاحتباس الحراري، والتي بدأت تظهر ملامحها الآن من حيث ارتفاع معدلات التصحر ومعاناة الدول الفقيرة من الاختلالات المناخية، حيث أصحبت تلك المشكلات تمثل خطرا سياسيا واقتصاديا هائلا على الدول المتقدمة وأن الوصول لاتفاق دولي للحد من الانبعاثات الضارة بالمناخ يمثل مطلبا أساسيا لشعوب العالم كافة.
ونوه إلى أن الصين مسؤولة عن نحو 60 في المائة من الانبعاثات الضارة بالمناخ والبيئة وتليها الولايات المتحدة بنسبة 21 في المائة، وأنه بحلول عام 2020 ستزيد معدلات استهلاك الصين من الطاقة بنسبة 30 في المائة، ما يستلزم التوجه واللجوء لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة الأقل تلويثا للبيئة.
وأكد الوزراء المشاركون في أعمال المؤتمر في جلسة حوارية مع الصناعيين والمشاركين أهمية تعزيز وتفعيل دور القطاع الخاص في الصناعات التحويلية والصناعات المكملة لقطاع البتروكيماويات, مشيرين إلى أن دول الخليج تقدم تسهيلات كبيرة وتوفر مزايا كثيرة لشركات القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال نظرا لأهمية هذا الاستثمار في تطوير وتعزيز اقتصاديات دول المجلس.
ودعا الوزراء رجال الأعمال والمستثمرين إلى استغلال الفرص المتاحة في دول المجلس في هذا المجال وإقامة علاقات شراكة وتأسيس شركات مشتركة بالتعاون مع الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع للاستفادة من خبراتها الكبيرة في مجال الصناعات التحويلية وبناء صناعة خليجية متطورة تنافس الصناعات المتقدمة.
وأكد عبد الرحمن الزامل رئيس مجلس إدارة مجموعة الزامل السعودية أن دول الخليج تضخ استثمارات كبيرة في قطاع البتروكيماويات. وفي السعودية يوجد نحو 24 شركة تتنافس في هذا القطاع, ولفت إلى أن قطاع البتروكيماويات له متطلبات خاصة قسم منها يرتبط بالحكومات التي لا يجوز أن تكتفي فقط بعقد مؤتمرات خاصة بالقطاع.
وقال الزامل أنه يتعين علينا الخروج من عملية التركيز على إقامة الفنادق والمجمعات السياحية والأبراج والتحول إلى التصنيع.
وطالب الزامل الحكومات بالكف عن الحديث عن قطاع البتروكيماويات وأن تضخ استثمارات ورساميل لتطوير هذا القطاع, مشيرا إلى أن الحكومة السعودية أطلقت صندوقا استثماريا بمليار دولار لتمويل مشاريع البتروكيماويات.
وأوضح الزامل أنه لا يوجد عذر لدى الحكومات بخصوص عدم تشجيع المستثمرين لدخول مجال البتروكيماويات, لتقوية الاقتصادات الوطنية, ودعا جميع الحكومات الخليجية إلى اتخاذ نهج داعم للصناعة لتحقيق أهداف عام 2020. وطالب الزامل بتكوين جماعة ضغط لحماية الاستثمارات الخليجية والوقوف ضد التوجهات التي يقوم بها البعض للنيل من تلك الاستثمارات أو التقليل من شأنها وأهميتها.