هل تعرف موظفا يتصرف مثل سعد ؟

هل تعرف موظفا يتصرف مثل سعد ؟

هل تعرف موظفا يتصرف مثل سعد ؟

[email protected]

لقد تقلب في كثير من الوظائف خلال عدة سنوات، ومع ذلك فهو يفخر بأنه لا يكمل العمل حتى نهاية الشوط، لأنه يرى نفسه فوق مستوى تلك الأعمال، ومن أجل هذا فهو يؤديها بنصف تفكيره عمدا لإتاحة المجال للنصف الآخر للتحليق في أمور أخرى خارج مجال العمل بتاتا ودون أن يلاحظ أحد ذلك، ولم يكن ذلك صحيحا بالطبع، فكثيرا ما تمت مواجهته بأخطاء في عمله ناتجة عن إهماله ولامبالاته، كما جرى فصله من معظم الوظائف التي التحق بها، ولم يحظ بأي شهادة تقدير من مسؤولية طوال مساره المهني.
يأتي سعد إلى مقر عمله متثائبا متثاقلا، يفتتح صباحه الوظيفي بالتأفف والتسخط من المهام والعمل والمديرين، يحلس على مكتبه ويقلب صفحات جريدته، ينادي على الساعي ليحضر له قهوته، ليبدأ بعد الانتهاء منهما – الجريدة والقهوة – إجراء بعض المكالمات الروتينية الخاصة بالعمل، وتوقيع بضعة أوراق، والإطلاع على بعض التقارير دون حماس ثم ينادي على الساعي مرة أخرى مطالبا إياه بإحضار فنجان شاي ليتناوله مع وجبة إفطاره سامحا لنفسه بأخذ قسط من الراحة بعد ضغط العمل الذي لم يتجاوز ساعة والنصف.
لم يكن سعد يحب العمل إطلاقا وبخاصة العمل الدؤوب، ويحاول أداء مهمته بأقل جهد ممكن وكان مديره يؤنبه دوما على أنه يعمل بربع طاقته، ويبالغ في تقدير قيمة الراحة، حيث يشكو باستمرار - والكثير ممن على شاكلته - من تأخر الإجازات وقصر مدة الاستراحات، وضغوط المهام وطول مدة الدوام الذي يقضون معظمه في المكالمات الشخصية وتصفح الإنترنت وتبادل آخر أخبار سوق الأسهم.
يبدو أن سعد وأصحابه يتبعون المذهب الإيبقوري الذي كان يتبناه الفيلسوف إيبقور (340 ق.م) والذي يؤمن أتباعه بأن البحث عن اللذة هو هدف الإنسان في حياته، معتبرًا أن الخير هو اللذيذ وأي فعلٍ يعتبر خيرًا بمقدار ما يُحقق من لذة ويقول في إحدى عباراته "اغتنم المتع في اللحظة الراهنة، ولا تحلق بأفكارك فوق حدود المتعة"، ولذلك فهم يبحثون عن المتع طوال الوقت وينفرون من المهام والواجبات، والسعادة في مفهومهم هي إشباع رغبات جميع الحواس أو السعي المحموم وراء التسلية والأنشطة الترفيهية، لكنهم سيفاجئون دوما بأن شعورهم سيزداد مللا وإحباطا بعد انتهاء كل جولة ترفيه، لأنه لا يمكن الاستمتاع بالراحة ما لم تعقب العمل .
لقد نجحت الحضارة الصناعية في تعظيم قيمة المتعة، وجعل الاستهلاك هو العلاج لكل ألم، وتضليل السعي وراء معان أعمق في الحياة، فبدلا من أن يحاول سعد أن يحسن من أدائه أو يبحث عن آلية يطور من خلالها قدراته ومهاراته في العمل، نجده يهرع بعد كل تجربة فصل أو توبيخ من مديره إلى تخدير انزعاجه بحقنة بهجة مؤقتة، والبحث عن تجربة متعة جديدة أو الاستهلاك بشراء شيء جديد.
إن الارتقاء الروحي لا يحدث فقط من خلال العبادات، بل إنه موجود بقوة داخل كل عمل دؤوب نقوم به، ولذلك فإن على الإنسان أن يستخلص معنى ما من كل شيء يقوم به مهما بدا صغيرا، فأي عمل مهما كان بسيطا يمكنه أن يفسح المجال لإثراء النضج الداخلي ولتطوير التجربة الروحية الذاتية شرط أن يؤديه العامل بصدق وإخلاص عميق، سواء أكان العمل صغيرا أم كبيرا، مريحا أم مجهدا، فالنحلة تجني العسل من كل زهرة تصادفها، والشخص الذي يستغرقه العمل الذي يؤديه بإتقان سيشعر بجرعة كبيرة من الرضى عن الذات بعد انتهائه من تنفيذ مهمته.

الأكثر قراءة