الرئيس الفرنسي يصافح رجال الأعمال السعوديين بملفات باريس الاقتصادية لا الثقافية

الرئيس الفرنسي يصافح رجال الأعمال السعوديين بملفات باريس الاقتصادية لا الثقافية

فرض اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بنحو 200رجل أعمال سعودي أمس الأول، مسارا جديدا للعلاقات الاقتصادية السعودية - الفرنسية، بعد أن صافح الطرفان بعضهما بأهم القضايا والمشاريع الاقتصادية التي يتطلعون إلى تنفيذها معا، ومن جانب آخر فرضت الشخصية الجذابة والجادة للرئيس الفرنسي طابعا غير بروتوكولي تخلل فعاليات اللقاء.
فبعد أن دعا كامل المنجد رئيس مجلس الأعمال السعودي - الفرنسي، الرئيس الفرنسي لدعم القضايا العالقة في ملف منطقة التجارة الحرة لدول الخليج مع الاتحاد الأوروبي، ورفع الرسوم الجمركية عن الصادرات السعودية إلى فرنسا، طرح ساركوزي في كلمة مطولة رؤيته للكثير من الملفات الاقتصادية، ختمها بالطلب بصورة مفاجئة من رجال الأعمال أخذ صورة فوتوغرافية قال عنها" أتمنى أن تعبر عن روح المستقبل بيننا".
لم يتوان ساركوزي خلال خطابه المطول عن حث ودعوة رجال الأعمال السعوديين وتبصيرهم بجدوى الاستثمارات الأجنبية في بلاده، مشيرا إلى أن لديه العزم على تغيير الكثير من الإجراءات والأنظمة التي تعرقل عمل الأجانب في فرنسا.
وشدد ساركوزي على أن لديه رغبة أكيدة في تغيير النظرة الشائعة عن فرنسا من أنها عاصمة للثقافة، وقال "باريس الآن هي عاصمة للثقافة والمال، وهناك طموح لأن تكون باريس ساحة مال عالمية، وهي حاليا مرتبطة باليورو، وبورصة نيويورك".
وأضاف" أرحب بالاستثمارات السعودية في فرنسا، إن هذه الاستثمارات تحمل نيات طيبة، بخلاف صناديق استثمارية أخرى تحمل نيات مبطنة، المستثمرون الصادقون هم المرحب بهم فقط".
وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده ستستقبل خلال العامين المقبلين استثمارات بعشرات المليارات من اليورو، مشيرا إلى أنها في انتظار السعوديين، وقال "السعودية تشهد بوادر انفتاح وتحرر مرحب به، أريد أن تلتزم كل من باريس والرياض على السير في درب شراكة اقتصادية مستدامة ومعززة".
وأكد الرئيس الفرنسي أهمية استثمار الشركات الفرنسية في السعودية، مبينا أن المملكة ثروة يجب ألا تنضب، وأكد أن فرنسا حريصة على الشراكة مع المملكة في مختلف المجالات، مشيراً إلى أنه عمد بعد انتخابه رئيساً للجمهورية إلى إجراء العديد من الإصلاحات التي تهدف إلى فتح الأبواب لدخول استثمارات أوسع وقال: إن باريس تسعى لتكون مركزاً مالياً واقتصادياً.
ونوّه ساركوزي بأن من ضمن الإجراءات التي اتخذتها حكومته العمل على إضفاء مرونة على قانون العمل والعمال، خاصة فيما يتعلق برجال الأعمال، وقال: إن العمل يسير على قدم وساق لتطوير وإصلاح المرافئ لأنها تمثل أهمية كبرى في فتح الاستثمار مع الشركات الأجنبية.
وعلق الرئيس الفرنسي على موضوع الاستثمارات السعودية في فرنسا بقوله" إن باريس تفتح أبوابها للاستثمارات السعودية كونها استثمارات طويلة المدى، مشيراً إلى أن السوق الفرنسي يرحب بالصناديق السيادية الصادقة والطموحة وخصوصاً أن فرنسا تعد دولة استثنائية في شتّى المجالات وتحتوي كذلك فرصاً صناعية واسعة، وقدم الرئيس الفرنسي الدعوة لرجال الأعمال السعوديين للاستثمار في بلده خاصة في الصناعات النفطية الفرنسية".
وأشار الرئيس الفرنسي إلى أنه قام بسؤال الصناعيين الفرنسيين حول الاستثمار في المملكة وأجابوه بأنه ليس خطيراً ولا يمكن أن تفوت الفرصة للدخول والاستثمار فيها، لافتاً إلى أنه سيعمل جاهدا لتعزيز وجود الشركات الفرنسية في الاستثمار في مشاريع سكك الحديد.
بدوره أكد رئيس مجلس الغرف التجارية الصناعية عبد الرحمن الراشد أن طرح ومناقشة عدد من الموضوعات الاقتصادية يأتي في إطار تعزيز التعاون بين حكومتي البلدين وتفعيل التعاون بين رجال الأعمال السعوديين والفرنسيين بهدف تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية وتطويرها.
وأضاف الراشد في كلمته أمام الرئيس الفرنسي أن اللقاء سيدعم العلاقات لتتجاوز الطابع التقليدي وتتطور إلى علاقات تعاون تعمل ضمن منظومة اقتصادية متكاملة تقوم على أسس تفعيل دور القطاع الخاص سواء في المملكة أو فرنسا، وتحرير التجارة بينهما والاستفادة المثلى من المزايا النسبية والتنافسية المتاحة، خصوصاً أن المملكة تستحوذ على 20.6 في المائة من التبادلات التجارية بين فرنسا ومنطقة الشرق الأوسط، وتحتل المركز الأول بين الشركاء التجاريين لفرنسا في المنطقة، كذلك تحتل المملكة المرتبة الثالثة بالنسبة للواردات الفرنسية من النفط بعد النرويج وروسيا حيث تساهم بنسبة 13في المائة من واردات فرنسا النفطية.
خرج المشاركون في اللقاء بانطباعات مختلفة عن الرئيس الفرنسي وعن الفرص المتبادلة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بعد أن لمسوا جدية ورغبة أكيدة من ساركوزي في دعم وجود الخبرات والشركات الفرنسية على الأراضي السعودية، والمشاركة في تدريب الكوادر السعودية وتهيئتها لمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي، وترحيبه الكبير بالأموال والمنتجات السعودية في المدن الفرنسية.
إلى ذلك أكد جون كلود دوبيرو - المستشار الاقتصادي والتجاري ورئيس البعثة الاقتصادية الفرنسية في السعودية - على أن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي للسعودية كانت بمثابة داعم لتنشيط العلاقات بين فرنسا والسعودية، وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وأوضح دوبيرو أن دخول السعودية إلى منظمة التجارة العالمية أزاح الكثير من العقبات التي تقف أمام المستثمر الأجنبي، وتمخض عنه الإعلان عن نظام التأشيرة الجديد الذي يسمح للمستثمر الأجنبي بالحصول على تأشيرة طويلة الأمد، يستطيع من خلالها الدخول والخروج من السعودية بكل مرونة أكثر عن ذي قبل.
وشدد دوبيرو على أهمية السوق السعودي على مستوى المنطقة، الأمر الذي شجع الكثير من البلدان على الاستثمار في السوق السعودية، ومن بينها فرنسا التي تسعى دوماً لإثبات أنها منافس متميز بالمقارنة بكبار منافسيها من الدول الأخرى، والدليل أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ نحو ستة مليارات يورو سنوياً، فيما بلغ عدد الشركات الفرنسية داخل السعودية قرابة 60 شركة، التي عملت على توظيف 20 ألف موظف الغالبية العظمى منهم سعوديون.
وأشار دوبيرو في حديثه لـ"الاقتصادية" إلى أن الأحداث الإرهابية في السعودية أدت في فترة من الفترات إلى إبطاء عجلة التنمية في السعودية، وهو ما لاحظوه في انخفاض عدد زيارات رجال الأعمال الفرنسيين إلى السعودية في الفترة ما بين 2003 وحتى 2005، ولكن الوضع تغير تماماً في الوقت الحاضر بسبب الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي الذي تعيشه السعودية في الوقت الحاضر.
وأضاف "يبلغ حجم التبادل الثنائي بين البلدين نحو ستة مليارات يورو سنوياً، ففي عام 2006 فقط بلغت قيمة الصادرات إلى السعودية نحو 1.8 مليار يورو (مليار وثمان مئة مليون يورو)، واستوردنا بقيمة 4.25 مليار يورو، 98 في المائة من هذه الواردات كانت من البترول الخام ومشتقاته، وهدفنا الآن هو إيجاد توازن بين الصادرات والواردات بين البلدين".
وأوضح دوبيرو أن عام 2006 شهد ارتفاعا للصادرات الفرنسية إلى السعودية بنسبة 11 في المائة وذلك بمقارنتها بعام 2005، ونتائج الربعين الأول والثاني لعام 2007 كانت ممتازة، ونتوقع أن تزداد بـنحو 10 في المائة مع نهاية عام 2007، وزاد" وللعلم قرأت في تقرير قبل عدة أيام أن فرنسا أصبحت في المرتبة السابعة كأكبر بلد مصدر للسعودية وذلك بعد أن كانت في المرتبة الثامنة".
ومن جهة أخرى بين دوبيرو أن معدل بيع طائرات ايرباص الفرنسية إلى المملكة قد ارتفع، حيث طلبت الخطوط السعودية قبل فترة قصيرة 22 طائرة من الطراز نفسه، التي سيتم الانتهاء منها مطلع عام 2012، وهو الأمر الذي سيرفع معدل الصادرات الفرنسية للسعودية، إضافة إلى شركة ناس التي طلبت 20 طائرة.
وتابع رئيس البعثة الاقتصادية الفرنسية" العلاقات متميزة جداً، وهو ما نراه جلياً في معظم المجالات سواء الاقتصادية أو غيرها، ولكن في بعض الأحيان أتمنى أن تكون الشركات الفرنسية حاضرة أمام كبار منافسينا من الدول الأخرى في بعض المجالات، كالدول الأوروبية مثل ألمانيا وإنجلترا وحتى الإيطاليين، وفي الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمنافسين الجدد أمثال الصين والهند، وحتى دول شرق أوروبا بدأت بالمنافسة بشكل قوي، ففرنسا لها حضورها الاقتصادي الذي لا ينكره أحد داخل السعودية، ولكن يجب أن نسابق الزمن في تطوير هذه العلاقات الاقتصادية والتجارية للارتقاء ببلدينا".
وعن المجالات التي ترغب فرنسا في استهدافها داخل المملكة ذكر دوبيرو أن فرنسا لها قوتها العلمية في جميع المجالات، والدليل وجود الشركات الفرنسية في الكثير من القطاعات الحيوية، من البنى التحتية إلى مشاريع المياه والكهرباء، وإنشاءات المباني والطيران وغيرها العديد من المجالات الحيوية، وقال"لكن حالياً يوجد مشاريع استراتيجية للمملكة كالمدن الاقتصادية، ومشاريع القطارات والمترو في الرياض، وتلك ما نتطلع إلى المشاركة فيها".

الأكثر قراءة