النقص الكمي والكيفي للمختصين بالمصرفية الإسلامية هل يعيق نمو هذه الصناعة ؟

النقص الكمي والكيفي للمختصين بالمصرفية الإسلامية هل يعيق نمو هذه الصناعة ؟

تعتبر صناعة المصرفية الإسلامية حديثة جدا فقد بدأت هذه التجربة عام 1963 في مصر على يد الدكتور أحمد النجار ، مما يعني أن هذه الصناعة لم يتجاوز عمرها خمسة عقود فقط ، وهذه الصناعة تعتمد في تطورها من جهة وضع الأسس النظرية ، والابتكار فيما يتعلق بالمنتجات والخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات على نوعين من المختصين ، الأول قسم متخصص في العلوم الشرعية وغالبا ما تكون خبراتهم الاقتصادية جاءت تبعا لمتطلبات فهم المسائل التي تعرض على هذه الفئة للحصول على فتوى شرعية أو دراسة علمية للمسألة لكن لا تجد أن دراسة علم الاقتصاد والمالية هدف في حد ذاته لإدراك أسراره وغاياته والأصول التي بُني عليها الكثير من قواعده ، والنوع الثاني هو عبارة عن عدد من المختصين في علم الاقتصاد والمالية وعلى إدراك بأسرار هذا العلم وإحاطة كبيرة بأصوله وقواعده ، إلا أن كثيرا منهم يغيب عنه الكثير من فهم أصول الشريعة الإسلامية والقدرة على التمييز الحقيقي للأحكام ، والحصول على الملكة التي يتمكن من خلالها العالم من تطبيق الأصول النظرية على الوقائع التي يعيشها الأفراد والتي تجعل المفتي أو العالم قد تتغير آراؤه نتيجة لتغير المكان أو الزمان لا لتغير الأصول التي يبني عليها حكمه ، ولكن من خلال الموازنة بين أوضاع الناس وحاجاتها والأدلة الشرعية التي جاءت لتحقيق المستوى الأعلى من المصلحة والأقل من المفسدة خصوصا فيما يتعلق بمعايش الناس.
إذا كنا نتكلم عن أن هاتين الفئتين من المختصين تعدان قليلتين جدا ولا تفيان بشكل كبير بما تتطلبه سوق المصرفية الإسلامية ، أما فيما يتعلق بمن يمكن أن نقول إنه يحيط بشكل كبير بكلا العلمين - أي العلم الشرعي والعلوم الاقتصادية والمالية – فهولاء يعتبرون قلة وقد يكون بعضهم في مستوى أقل من جهة القدرة على إصدار الأحكام والابتكار فيما يتعلق بالمنتجات والخدمات المصرفية .
بطبيعة الحال هذا يمثل فجوة وفراغا كبيرا قد يؤدي إلى إعاقة مسيرة نمو المصرفية الإسلامية ، أو ما يمكن أن نقول الاستمرار في الطريق الصحيح الذي تأمله المجتمعات الإسلامية ، والذي يحقق عوائد مناسبة تسهم في استمرار مسيرة النمو الذي تشهده هذه الصناعة.
مما يدل على ما سبق ما جاء في تقرير نشرته جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 20 ذو الحجة 1428هـ الموافق 29 ديسمبر 2007 م والذي جاء فيه "قد يتسبب عدم توافر العلماء المسلمين والمعايير العالمية الخاصة بالتمويل الإسلامي في إعاقة الجهود التي تبذلها بريطانيا لكي تصبح مركزاً لهذه الصناعة المزدهرة، وفقاً لما صرحت به سلطة الرقابة المالية في بريطانيا أخيرا"
بطبيعة هنا نجد أن هناك مسؤولية كبيرة على المصارف التي تنتفع بنمو هذه الصناعة لدعم نمو هذه الصناعة بشكل علمي وعملي يسهم في تجهيز عدد أكبر من المتخصصين ودعم المؤسسات العلمية والبحثية والجامعات لجعل مثل هذا التخصص جزءا من تلك المؤسسات ، ونحن نجد أن كثيرا من المؤسسات المصرفية تدعم وبشكل كبير المؤتمرات والندوات وورش العمل التي تهتم بالمصرفية الإسلامية ، وهي بلا شك تؤدي دورا كبيرا في نمو الصناعة ، إلا أن ذلك لا بد أن يتوازى مع الاهتمام بتبني مؤسسات تهتم بتدريس المصرفية الإسلامية بشكل علمي على مستوى الجامعات ومراكز البحوث ، إذ إن هذا خيار لا بد منه للحد من اتساع الفجوة بين النمو السريع والكبير في المصرفية الإسلامية كمؤسسات تجارية ، و تباطؤ النمو في المصرفية الإسلامية فيما يتعلق بالدراسات النظرية.

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
E-mail: [email protected]

الأكثر قراءة