استبعاد حدوث عجز عن سداد الصكوك في الخليج
عادت سوق السندات الإسلامية من جديد إلى الحياة من خلال إصدار بقيمة ملياري دولار تنوي طرحه هيئة كهرباء ومياه دبي، وذلك بعد فترة توقف قصيرة بسبب تعثر أصحاب المساكن الأمريكيين وإعسارهم، إضافة إلى وجود شائعات تتعلق بإصدار كبير ستطرحه إحدى الحكومات في منطقة الخليج العربي.
ووفقاً لبنك باركليز كابيتال فإن أقل من نصف مشتري الصكوك الخليجية الصادرة بالدولار هم من المؤسسات الإسلامية، وهو ما يثير سؤالاً مهماً حول السبب الذي يمكن أن يدعو مستثمراً غير إسلامي إلى شراء هذه المنتجات المتخصصة.
إن ما يوجد في الخليج هو صندوق هائل من السيولة لا يزال يبحث عن مسكن، وحتى في الوقت الذي تحاول فيه البنوك والصناديق الغربية الابتعاد عن المخاطر، تسعى صناديق البترودولارات باستماتة بحثاً عن الفرص الاستثمارية. وبالنسبة للصناديق الغربية تعد السندات الإسلامية مادة للتعامل الماتع مع اقتصاد الخليج مع إمكانية الوصول إلى الاستحواذ على الأسهم .
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
عادت سوق السندات الإسلامية من جديد إلى الحياة من خلال إصدار بقيمة ملياري دولار تنوي طرحه هيئة كهرباء ومياه دبي، وذلك بعد فترة توقف قصيرة بسبب تعثر أصحاب المساكن الأمريكيين وإعسارهم، إضافة إلى وجود إشاعات تتعلق بإصدار كبير ستطرحه إحدى الحكومات في منطقة الخليج العربي.
وأدت أزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة في الولايات المتحدة إلى إغلاق مؤقت لسوق الصكوك، في الوقت الذي يشير فيه خبراء إلى وجود نوع من الظلم المتعلق بتسبب أزمة ائتمانية التي نشأت من خلال الإفراط في صرف القروض للأمريكيين الفقراء والمحتاجين بأسعار فائدة باهظة، في إعاقة إصدار السندات الإسلامية.
ووفقاً لبنك باركليز كابيتال فإن أقل من نصف المشترين للصكوك الخليجية الصادرة بالدولار هم من المؤسسات الإسلامية، وهو ما يثير سؤالاً مهماً حول السبب الذي يمكن أن يدعو مستثمراً غير إسلامي لشراء هذه المنتجات المتخصصة.
تتركز الفكرة التي يقوم عليها التمويل الإسلامي في أن النقود ليست لها قيمة ذاتية، وبالتالي ليست لها قيمة زمنية، ولا يحل دفع فوائد على الأموال، وتعتبر الجهة المقرضة شريكاً في العملية أو التعامل. وبالتالي فإن القروض الإسلامية تتم هيكلتها في الغالب على صورة مشاريع لاقتسام الربح.
من الآليات الشائعة في هذا المقام ما يعرف بالإجارة، وهي اتفاق تعاقدي بين مالك ومستثمر يبيع فيه المالك ممتلكات معينة إلى المستثمر، ثم يعمل المالك على تطويرها، شريطة أن يعطيه المستثمر عقد إيجار طويل المدة للممتلكات. ويمكن أن تكون الممتلكات على شكل عقارات أو على شكل مصفاة للبترول مثلاً، حيث "تباع" من قبل المقترض إلى مؤسسة مالية وسيطة تنشأ لهذا الغرض، وتقوم هذه المؤسسة بعدها بإصدار الصكوك لتمويل عملية الشراء ومن ثم تؤجر الممتلكات من جديد إلى المقترض.
هذه عملية متعرجة ملتوية، ولكن خبراء التمويل الإسلامي يشددون على أن هيكل صكوك الإجارة يعطي في محصلة الأمر المخاطر والعوائد التي تحتملها السندات التقليدية المدعومة بالموجودات. كما أن عملية التسعير هي نفسها في الحالتين، رغم أن الجهات المصدرة للصكوك تدفع مبالغ إضافية مقابل الشهادات التي يصدرها أهل الخبرة التي يجيزون فيها الصكوك المذكورة من الناحية الشرعية.
ولكن العمليتين ليستا متطابقتين تماماً، إذ لا توجد آلية لفرض فوائد إضافية في حالة العجز عن سداد الصكوك، صحيح أن هناك عقوبة تُوَقَّع على الجهة المصدرة في حالة الإعسار، ولكنها تدفع لإحدى الجمعيات الخيرية وليس للمقترض، لأنه لا يوجد اعتراف بخسارة القيمة في الدفعات المتأخرة.
وهناك تساؤل يتعلق بالسبب في أن المستثمرين الغربيين تواقون للدخول في هذه اللعبة؟، وإجابته أن هناك مواكبة للموضة في التعامل اللعوب مع ما هو جديد. ولا يعلم أحد ما هي المخاطر الكامنة في هياكل التمويل الإسلامي؟ إذ لم تحدث قط أي حالة عجز عن السداد في الصكوك الصادرة بالدولار. كما أن السوق نفسها تبلغ من العمر بضع سنوات فقط، رغم أنها تتوسع بصورة سريعة وقوية، ولكن المؤسسات والهياكل والآليات الاستثمارية لم تتعرض للاختبار على الإطلاق.
إن المستندات في غالبها محكومة بالقانون الإنجليزي، ولكن فرض حكم صادر لصالح أحد الدائنين يتوقف على المؤسسات القضائية المحلية في الخليج. والقوانين الخاصة بالإعسار في المنطقة قليلة وضيقة النطاق، ويكاد لا يكون هناك وجود لأية سابقة في فشل إحدى الشركات الكبرى أو شركات المنافع أو أحد مشاريع الإنشاءات.
إن ما يوجد في الخليج هو صندوق هائل من السيولة لا يزال يبحث عن مسكن، وحتى في الوقت الذي تحاول فيه البنوك والصناديق الغربية الابتعاد عن المخاطر، تسعى صناديق البترودولارات باستماتة بحثاً عن الفرص الاستثمارية. وتخلق الثروات المتحصلة من بيع النفط مقابل 90 دولاراً للبرميل قدراً هائلاً لا يصدق من الأموال، وتُبقي تسعير إصدارات الصكوك في حالة ممتازة. وتشير التقديرات المعتدلة لحجم الأموال الإسلامية إلى أنه حتى لو رفعت معدلات إصدار الصكوك إلى الضعف فإن ذلك لن يكفي لتلبية الطلب عليها.
وبالنسبة للصناديق الغربية تعتبر السندات الإسلامية مادة للتعامل الممتع مع اقتصاد الخليج مع إمكانية الوصول إلى الاستحواذ على الأسهم .
وهناك تساؤل آخر يتعلق بما الذي يمكن أن يحدث إذا عجزت إحدى الجهات الكبيرة المصدرة للصكوك عن السداد؟ والإجابة تشير إلى أنه إذا حدث وأن أفلس في الخليج أحد المشاريع الكبرى في الإنشاءات أو الطاقة أو الترفيه، فإن الآثار المترتبة على ذلك يمكن أن تتدافع عبر جميع أنحاء منطقة الخليج وكأنها موجة مَدِّية. وسيكون أثر ذلك شديداً للغاية إلى درجة أنه ستبذل جميع الجهود للحؤول دون أن يصبح الإعسار بادياً للعيان. وسيتم منح هبات وتسيير آليات مساندة لحفظ ماء الوجه، كما أن اتخاذ إجراءات قانونية لإشهار الإفلاس هو أمر في حكم المستحيل.
ويقف خلف كل جهة من جهات الإصدار ضامن من جهة الدولة، يكون على الأقل ضامناً بحكم الحال إن لم يكن بحكم القانون. وتظل الملكية النهائية للموجودات والشركات الكبيرة في الخليج في يد الحكومة، في حين أن الفكرة القائلة إن هذه الكيانات يمكن أن تسمح لنفسها أصلاً بأن يرتبط اسمها بالإفلاس هي فكرة غير واردة في الأساس.
ولكن هذا يعطي قدراً من الأمان أقل مما يمكن أن يخطر على بال المرء. ففي محصلة الأمر فإن الخوف من الفشل هو الذي يبقي الشركات في حالة يسر واقتدار. وفي خضم الاندفاع الذي يصاحب هذه الطفرة الخليجية المنفلتة من عقالها، فإن ما يبعث على الأسى هو أن الحذر عملة لا وجود لها.
* صحيفة ذا "التايمز" البريطانية