من يملك مفتاح الفضاء ؟
رفض الدكتور الأمريكي جوناثان توماس أن يعير اهتماما لسؤال إحدى طالباته في الصف الرابع لتخصص Mass Communication ، حيث قال لها: بعد أربع سنوات من الدراسة تأتين لتسألي سؤلاً كهذا؟! ثم أشاح بوجهه عنها ليجيب عن أسئلة بقية الطلاب الذين كانوا يرافقونه في الممر إلى مكتبه.
الدكتور جوناثان أعد دراسة علمية شاركه فيها بعض طلابه، وخرجت هذه الدراسة بالعديد من الأرقام والنتائج التي أوضحت أثر وسائل الاتصال الحديثة في السلوك الاجتماعي للأسر المتوسطة. وقد تناول الدكتور جوناثان في هذه الدراسة معدلات الجريمة والتوتر العاطفي والسلبية الاجتماعية وضعف دور الأسرة وازدياد السلوك الإجرامي لدى المراهقين بالإضافة إلى انهيار الولاء الاجتماعي من قبل الأفراد، والعديد من الجوانب البحثية المهمة التي ربط بينها وبين تأثير وسائل الاتصال الحديثة، والتي ركز فيها على التلفاز بكافة المواد التي يعرضها، مع تحديد نسبة البرامج الموجههة للشباب وتلك الموجهة للأسرة عموما.
لعل من أبرز النتائج التي توصل لها الدكتور جوناثان وفريقه من الطلاب أن معدلات الانهيار داخل الأسرة ذاتها ترتبط مباشرة بوسائل الاتصال، حيث يصبح التقليد سمة أساسية عند المراهقين، بل ويتخذ الكثير منهم هذا التقليد لمواجهة الوالدين ضد أي تعديل على حياتهم. كما أشار في دراسته إلى أن انخفاض معدلات الرقابة الأسرية على المضامين الإعلامية التي يعرضها التلفاز، في الوقت الذي لا يملك فيه الكثير من الأبناء الأهلية الكاملة لتحديد ما يمكنهم مشاهدته في ظل غياب الأسرة، وهنا أوضح الدكتور جوناثان أهمية الدور الخطير الذي تلعبه وسائل الاتصال في تشكيل الوعي بآلام الآخر، حيث تقوم وسائل الاتصال بدور الوالدين والأسرة عموما، بل الأخطر من ذلك أنها تقوم بدور الوعي المجتمعي، إذ تمرر وسائل الاتصال وعيا للمشاهدين وتكوّن اتجاهاتهم دون وعي منهم بما يتشكل داخلهم.
الدراسة التي استمرت لعامين كاملين، تناولت الأثر السلوكي الذي تخلقه وسائل الاتصال عند الأسرة بمفهومها العام، حيث أظهرت الدراسة أن الأسر عموما، قابلة للتغيير بمجرد أن يتبنى أحد أفراد الأسرة رأيا معينا، ويملك الدفاع عنه بقوة، وخصوصا إذا صاحب ذلك ضعف الوالدين أمام أحد الأبناء أو البنات، وخصوصا من يتمتع منهم بشخصية قيادية أو صفات سلطوية.
من المثير في أمر الدراسة ما أكده الدكتور جوناثان أن الأسر المتوسطة في الغالب ما تكون أحسن حالا من الأسر الفقيرة أو الأسر الغنية، حيث في هذين النوعين من الأسر يكون تأثير وسائل الاتصال أكبر وأشد فعالية، مما هو عليه في الأسر المتوسطة. وخصوصا ما يتعلق بالدور الرقابي الذي تمارسه الأسرة على الأبناء داخلها.
وفي نهاية الدراسة قُـدمت جملة من التوصيات أهمها التأكيد على دور المؤسسات المجتمعية المهم للقيام بدور أهم وأكبر في إنعاش دور الأسرة الحقيقي، بالإضافة إلى أهمية أن تعي المؤسسات الإعلامية الدور المجتمعي المناط بها، وأن برامجها لا بد أن تراعي المسؤولية الاجتماعية.
وأخيرا.. ربما يعتقد البعض أن من حق الطالب أو الطالبة أن يسألوا أي سؤال طالما أنه في إطار علمي، وفي حدود احترام العلاقة بين الأستاذ والطالب، إلا أنهم سيغفرون غضب الدكتور جوناثان توماس حينما يعرفون سؤال الطالبة ماذا كان. كانت الطالبة تسأل ببرود شديد وهي تمضغ "علكتها": دكتور جوناثان: كيف نستطيع أن نغلق الفضاء ونعود إلى زمن المحطات الأرضية؟