الاختلالات الاقتصادية تخفض النمو العالمي إلى 4.8 %
الاختلالات الاقتصادية تخفض النمو العالمي إلى 4.8 %
أكد صندوق النقد الدولي توقعاته بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال الربع الأخير من هذا العام وعام 2008 وذلك بسبب تراجع معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي علاوة على تأثير ارتفاع أسعار المواد الأولية والخام وبروز المزيد من الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد الصناعي المتقدم.
وقال نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي جون ليبسكي إن التوقعات الحالية هي أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4.8 في المائة عام 2008 مقابل 5.2 في المائة عام 2007، وذلك بعد أن ضربت أزمة أسواق المال العالمية العديد من الاقتصادات الصناعية وفي مقدمتها الاقتصاد الأمريكي وباتت تعرضه للمزيد من المخاطر، كما أن استمرار الارتفاع الحاد في أسعار النفط منذ آخر مراجعة للنمو الاقتصادي العالمي في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي أيضا.
وقال الصندوق إن الاقتصاد العالمي حقق نموا قويا في النصف الأول من عام 2007، رغم اضطرابات الأسواق المالية التي خيمت على الآفاق المنتظرة. ولكن توقعات السيناريو الأساسي للنمو العالمي في عام 2008 انخفضت بنحو نصف نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات الواردة في تشرين الأول (أكتوبر) 2007. ومع ذلك، لا يزال النمو العالمي قويا بمعدله البالغ 4.75 في المائة، تدعمه الأساسيات الاقتصادية السليمة بوجه عام وزخم النشاط القوي في اقتصادات الأسواق الصاعدة. غير أن المخاطر المحيطة بآفاق الاقتصاد العالمي تسير في اتجاه هبوطي ثابت، وتتركز حول المخاوف من أن تؤدي التوترات في الأسواق المالية إلى تعميق التباطؤ الاقتصادي العالمي وزيادة حدته. ومن ثم ينصب التركيز الآني لصانعي السياسات على استعادة أوضاع أكثر اعتدالا في الأسواق المالية وحماية التوسع الاقتصادي. ومن المخاطر الأخرى التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي ضغوط التضخم المحتملة، وتقلب أسواق النفط، وتأثير تدفقات النقد الأجنبي الداخلة القوية على الأسواق الصاعدة. وفي الوقت نفسه، هناك قضايا أطول أجلا تشكل مصدرا للقلق مثل شيخوخة السكان، وتزايد مقاومة العولمة، وظاهرة الاحترار العالمي.
وأضاف التقرير أن الاقتصاد الصيني اكتسب زخما إضافيا، حيث بلغ معدل نموه 11.5 في المائة، كما استمر النمو بمعدلات بالغة القوة في الهند وروسيا. وقد أسهمت هذه البلدان الثلاثة وحدها بنصف النمو العالمي على مدار العام الماضي. ولا يزال التوسع جاريا في بلدان أسواق صاعدة وبلدان نامية أخرى، بما في ذلك البلدان منخفضة الدخل في إفريقيا. وفي الاقتصادات المتقدمة، بينما تباطأ النمو في منطقة اليورو واليابان في الربع الثاني من عام 2007 بعد ربعي عام من الزيادة الملحوظة. وفي الولايات المتحدة، بلغ متوسط النمو 2.25 في المائة في النصف الأول من عام 2007 تحت التأثير الخفض الكبير الذي ترتب على استمرار هبوط النشاط في سوق المساكن.
وقد ظل التضخم قيد السيطرة في الاقتصادات المتقدمة، ولكنه ارتفع في العديد من بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية. ففي الولايات المتحدة، حدث بعض الانخفاض التدريجي في معدل التضخم الأساسي ليصل إلى أقل من 2 في المائة. وفي منطقة اليورو، ظل معدل التضخم أقل من 2 في المائة هذا العام، وإن كانت زيادات أسعار الطاقة والمواد الغذائية قد أسهمت في ارتفاعه في أيلول (سبتمبر)؛ أما في اليابان فقد ظلت الأسعار ثابتة على وجه الإجمال. وقد ازدادت الضغوط التضخمية في بعض بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، وهو ما يرجع إلى قوة النمو وزيادة الوزن الترجيحي لأسعار الأغذية الآخذة في الارتفاع ضمن مؤشرات أسعار المستهلكين في هذه البلدان. ويأتي الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية إلى الضغوط التي نشأت عن تزايد استخدام الذرة وغيرها من المواد الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي وسوء الأحوال الجوية في بعض البلدان وظلت أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى على ارتفاعها الناتج عن قوة الطلب.
وأصبحت الأسواق المالية في تقلب متزايد. فكما يرد بالتحليل في تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2007، أصبحت أوضاع الائتمان أكثر حدة مع تزايد المخاوف من تداعيات الضغوط في الأسواق الأمريكية للقروض العقارية منخفضة الجودة، وما أفضت إليه من ارتفاع مفاجئ وحاد في العائد على الأوراق المالية المضمونة بهذه القروض وغيرها من الأوراق المالية عالية المخاطر. ونظرا لعدم اليقين بشأن توزيع الخسائر وتزايد المخاوف بشأن مخاطر الطرف المقابل، نضبت السيولة في بعض قطاعات الأسواق المالية. وقد تراجعت أسواق الأسهم مبدئيا، ولا سيما مع انخفاض تقييمات المؤسسات المالية وإن كانت الأسعار قد عاودت الارتفاع منذ ذلك الحين وانخفض العائد على السندات الحكومية طويلة الأجل مع بحث المستثمرين عن ملاذات آمنة. وتأثرت الأسواق الصاعدة أيضا، وإن كان بدرجة أقل نسبيا مما حدث في فترات الاضطراب السابقة في الأسواق المالية العالمية، ولا تزال أسعار الأصول مرتفعة بالمقاييس التاريخية.
وقبل حدوث الاضطرابات الأخيرة، كانت البنوك المركزية حول العالم تلجأ عموما إلى تشديد سياساتها النقدية لدرء ضغوط التضخم الوليدة. غير أن تصاعد اضطرابات الأسواق أدى ببعض البنوك المركزية الكبرى في آب (أغسطس) الماضي إلى ضخ السيولة في أسواق المال لتحقيق الاستقرار في أسعار الفائدة قصيرة الأجل. وفي أيلول (سبتمبر)، قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية بواقع 50 نقطة أساس، وتتوقع الأسواق المالية تخفيضات إضافية في الشهور المقبلة. ومنذ بداية اضطرابات الأسواق المالية تراجعت توقعات تشديد السياسة النقدية من جانب بنك إنجلترا وبنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي. وفي الأسواق الصاعدة، لجأت بعض البنوك المركزية إلى توفير السيولة لتخفيف حدة الضغوط في أسواق النقد المتداول بين البنوك، ولكن معالجة قضايا التضخم لا تزال هي التحدي الأكبر أمام البنوك المركزية الأخرى.
وقال نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي إنه على خلفية هذه الأوضاع، فقد أجرى الصندوق تخفيضا في توقعات السيناريو الأساسي للنمو العالمي مقارنة بعدد أكتوبر من "مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي"، وإن كان لا يزال من المتوقع استمرار النمو بمعدل مرتفع. وتشير التوقعات إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2 في المائة في عام 2007 و4.8 في المائة في عام 2008 وهو معدل أقل من التوقعات السابقة بواقع 0.4 في المائة. وقد تركزت أكبر التعديلات الخافضة للنمو في الولايات المتحدة، التي يتوقع لها الآن معدل نمو مقداره 1.9 في المائة في عام 2008، وفي البلدان المرجح أن تتعرض لأكبر الآثار الانتشارية من الولايات المتحدة، والبلدان المرجح أن تتأثر تأثرا أكثر حدة نسبيا إذا ما استمرت الاضطرابات في الأسواق المالية.
ومن الواضح أن كفة النتائج دون المستوى المتوقع هي الأرجح في ميزان المخاطر التي تواجه آفاق النمو حسب توقعات السيناريو الأساسي. فقد ازدادت مخاطر النتائج دون المتوقعة بسبب أوضاع الأسواق المالية والطلب المحلي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، رغم استمرار أساسيات الاقتصاد الداعمة للنمو والزخم القوي لاقتصادات السوق الصاعدة المتزايدة الأهمية. ويمكن أن تؤدي إعادة تقييم المخاطر التي تمت أخيراً وزيادة الانضباط في أسواق الائتمان إلى ترسيخ ركائز التوسع في المستقبل، ولكنها تعمل في الوقت نفسه على زيادة المخاطر قريبة الأجل على النمو. وسيتوقف مدى تأثر النمو على مدى السرعة التي تعود بها السيولة إلى مستوى أقرب إلى الطبيعي ومدى انكماش النشاط في أسواق الائتمان. وتقوم تنبؤات السيناريو الأساسي الذي وضعه خبراء الصندوق على افتراض عودة سيولة السوق بالتدريج في الشهور المقبلة وعودة سوق المال المتداول بين البنوك إلى أوضاع أقرب إلى الطبيعية، رغم توقع استمرار الفروق الكبيرة في العائد. ومع ذلك، فمن الواضح أن إمكانية استمرار اضطرابات الأسواق المالية لبعض الوقت لا تزال قائمة. وإذا امتدت حدة الأوضاع الائتمانية لفترة مطولة فسوف يكون لها تأثير خافض للنمو بدرجة ملحوظة، ولا سيما من خلال التأثير على أسواق المساكن في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية. وإذا ضعفت التدفقات الرأسمالية الوافدة فسوف تتأثر سلبا أيضا بلدان أوروبا الصاعدة ومنطقة كومنولث الدول المستقلة التي تتسم بعجوزات الحساب الجاري الكبيرة وتدفقات التمويل الخارجي الوافدة الضخمة.
وهناك عدة مخاطر أخرى يمكن أن تؤثر بدورها في آفاق الاقتصاد العالمي. فقد شهدت أسعار النفط ارتفاعات قياسية جديدة، ولا يستبعد أن تشهد ارتفاعات حادة مفاجئة أخرى بالنظر إلى فائض الطاقة الإنتاجية المحدود وذلك على الرغم من بعض التراجع في مخاطر التطورات المعاكسة الناجمة عن مخاوف التضخم. ولا تزال المخاطر المرتبطة باستمرار الاختلالات العالمية مدعاة للقلق.