الحب العذري
في الحلقة السابقة ذكرنا عن الحب العذري وعن شيخ العشاق العذريين (مجنون ليلى) وفي هذه الحلقة عن (الحب العذري) نتناول عميد العشاق العذريين جميل بثينة وآخرين.
وهذا جميل بثينة.. وأسلوبه في "الحب العذري" حيث يقنع من بثينة بالقليل.. ويشكو من بخل بثينة بالوصال.. وجميل بثينة عاشق (متربص).
وكان يصف (عروض الوصل) بأنها عروض معقدة ومنها عروض مماطلة.. وإذا تردد على – وادي القرى – مقر بثينة أوهم النساء أنه يقصدهن.. حتى إذا لقي بثينة في ليلة تجود له من حبها ويجود كما قال:
وإن عروض الوصل بيني وبينها وأن سهّلته بالمنى لكـؤود
وأفنيت عمري بانتظاري وعـدها وأبليت فيها الدهر وهو جديد
ويحسب نسوان من الجهل أنّنـي إذا جئت إياّهن كنت أريـد
يموت الهوى منّي إذا ما لقيتـها ويحــيا إذا فارقتها فيعود
فهل ألقين فرداً بثينة ليلــــة تجود لنا من ودّها ونجـود
وهذا الشاعر ابن حجر العسقلاني يرمي حجرا "ملغوما" في تعريف (الحب العذري) ويثبت أن الحب العذري حب تربص وانتظار ولقاء رومانسي حيث قال:
وليلة بتنا والرقيب بمعــزل ولم أر من ناه يحاول عن أمري
فما لك عذر في جفاء متيــم أقام على ما سن شرع الهوى العذري
فساعة وصل منك بل بعض ساعة أود شراهــا لو تيسر بالعمــر
وهذا عاشق أندلسي صادق في حبه العذري ورغم اللقاء الرومانسي مع الحبيب فإنه كفّ وعفّ ودحر إبليس حيث قال:
وزائر زار في ليل كلمتــه أقام عندي إلى صبح كغرته
نادمته والهوى العذري ثالثنا والراح يفتك في عقلي كمقلته
عففت عنه عفاف الحر مقتدرا وعفة المرء فضل عند قدرته
والحب العذري الصادق مثله مثل (الحب الفطري) الذي لا يرجى المحب من المحبوب مالا أو وصالا ولا جزاء ولا شكورا... وإنما هو حب من أجل الحب.. مثل حب الأمهات والآباء أولادهم... حيث يتمتع البنون بالود والحنان والتضحية من أجلهم بالنفس والنفيس. والحب الفطري عند الإنسان وعند الحيوان هو حب غريزي والحديث عنه طويل.
وهناك الحب (الهذري) – حب الهذر – الذي نرى العشاق فيه يصرخون في أغان تتمايل فيها (الأجساد) مرددين جميعهم ... أحب أحب أحب.
وهناك الحب (الذري) : نسبة (الذّرة) التي تقرص، وليس (الذرة) التي تشع.
وهناك أيضا الحب الأفلاطوني... والحب "الباطوني" .. وأخيرا هناك من تكون سعادته عندما لا يرى الآخر ويقول:
إذا أبصرتكم أبصرت موتي وداء ليس تعقبه السلامة
سعيد من تبدى لا يراكــم وحتى في المنام وفي القيامة