غزل "الشيبان"!!

غزل "الشيبان"!!

عندما يفكر أي مستثمر عربي لإطلاق قناة فضائية فإن عينه بلا شك ـ إن كان يبحث عن الربح ـ تتجه صوب رسائل الـ "إس إم إس"، والمذيعة الحسناء التي تطلق العنان لصوتها الأنثوي والدلع الـ "مصطنع" لجذب أكوام من البشر يتسمرون خلف الشاشات ينتظرون ما يسليهم. وبالأسلوب ذاته تقريبا، بدأت قنوات أخرى جاءت من مكان بعيد، تستهدف كل الفئات، واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تضاهي فضائيات التسلية، تتحدث بلغة الصحراء، وتلعب على وتر اللغة "الدارجة". ليس العجب في منافستها لكن منهجها يبدوا غريبا على المشاهد، خصوصا أنها لا تستقطب كادرا يجيد التعامل المهني مع الكاميرا، لكنها في المقابل استطاعت بأشكال مذيعيها "الرثة" أن تستقطب الآلاف من المشاهدين.
عالم من المتناقضات في فضائنا، فالمادة التلفزيونية الجيدة لم تعد موجودة إلا نادرا، إذ سخرت كل الطاقات على "المذيعة الحسناء"، أو "الرجل الرث" ذي الصوت الغارق في لغة البادية، وكلها تؤدي الغرض ذاته، وهي رسائل الـ "إس إم إس"، والتي كانت مقصورة على "الشبان"، لكنها الآن طالت حتى "الشيبان"، الذين يتغزلون بجمال الإبل، ويتفاخرون بها عبر التقنية نفسها.
"الربح السريع" هو ما يربط كلاهما ببعض، فعقلية المشاهد آخر ما يفكر فيه المنتج أو المستثمر، فاحترامه في آخر الأولويات ـ إن كان أصلا موجود ـ فهو بأقل الأشياء يريد ربحا سريعا يستنزف هذا المشاهد على حساب ماله ووقته اللذين ذهبا أدراج الرياح، ولا يفرح أولئك الناس بمشاهدة مهرجاناتهم البرية على الهواء إنما هي دعوة مجانية لسلب جيوبهم أولا، وإمتاعهم بقليل من الصور ثانيا، فالمال قبل المشاهد.
وحينما تبادر إلى قناة ما لإمتاع بصرك بصور الصحراء والإبل، لا تدع لعينيك فرصة للنظر أسفل الشاشة، فما يكتب ليس كما تعتقد، إنهم الأشخاص المخول لهم بمداعبة ما يطربك لأهدافهم الخاصة، والتي لا تنتهي عند حد معين وإنما تمتد للإجهاز على "جيبك" المكلوم. والنهاية لا شيء.

صحافي من أسرة "الاقتصادية"
[email protected]

الأكثر قراءة