الرعي الجائر يغتال البيئة .. ومطالبة "الزراعة" بحل عاجل

الرعي الجائر يغتال البيئة .. ومطالبة "الزراعة" بحل عاجل

حذر مهتمون في مجال العناية بالمراعي الطبيعية من خطورة الرعي الجائر على البيئة من خلال القضاء على المساحات الخضراء التي بدأت تختفي عن الوجود في الكثير من مناطق المملكة، وتعود أسباب ذلك إلى تربية البعض لقطعان مواش بأعداد هائلة دون الحاجة إليها والتي يفوق حجمها لدى البعض عشرات الآلاف.
وقال المهتمون أنفسهم إن المبالغة في تربية المواشي بهذه الكميات الهائلة من قبل بعض الأشخاص من باب "المباهاة" قد تسبب حرمان الكثير من أهالي البادية الحقيقيين من الاستفادة من المراعي الطبيعية.
كما دفع هذا الوضع نسبة كبيرة من مربي الماشية الذين تعتبر تربية الأغنام والإبل بالنسبة لهم المورد الأساسي لتوفير لقمة عيشهم اليومية، إلى التخلي عن مواشيهم واللجوء للعيش في الحاضرة، بعدما تسلطت القطعان الكبيرة على المساحات الخضراء في شتى ربوع البلاد، وحولت نعمة الماشية إلى نقمة تغتال البيئة من خلال الرعي الجائر حتى أصبحت غالبية الأرضي في المملكة صحراء جرداء.
ومع حلول الأيام الأولى لموسم الشتاء أجرت "الاقتصادية" بدورها جولة ميدانية شملت عددا من مواقع المراعي الطبيعية في منطقة الصمان (360 كيلو مترا) شمال شرقي الرياض، ووقفت على الوضع المتردي للمراعي السعودية لتنقل من هناك تفاصيل ما يعانيه أهل البادية مع الرعي الجائر, والأسباب الحقيقية وراء ذلك باعتبارها مشكلة وطنية تحتاج إلى حل عاجل من خلال تضافر الجهود لحماية البيئة والمناطق الرعوية من التصحر الناتج عن الرعي الجائر.

إلى التفاصيل:

مع حلول الشتاء وبدء موسم الأمطار واخضرار الأرض، يحل موعد اللقاء بين البيئة المسالمة والرعي الجائر، إنه جاء يريد اغتيالها، أعداد ضخمة من المواشي تتسابق بخطى سريعة إلى تلك المساحات الخضراء التي لم تزهر بعد فتباغتها بغرز أنيابها في زهورها واقتلاعها من جذورها ثم تدوسها بأظلافها، وما هي إلا أيام معدودة حتى تقضي هذه الكميات الهائلة من المواشي على الأعشاب ثم الشجيرات إلى أن تحول المساحات الخضراء إلى قاع صفصف، لتبدأ بعد ذلك رحلة القضاء الكامل على المراعي وتصبح لدينا مئات الكيلومترات من الأرض لا يخلو كل شبر منها من وطأة الأغنام الجائرة .. من هنا هي البداية.

أين الدراسات الميدانية

يقول الحميدي الحربي (55 عاما) أحد أهالي البادية من مربي المواشي في منطقة الصمان، إن الاهتمام بالنباتات البرية مطلب ضروري، ذلك كونها تشكل المصدر الأساسي للرعي بالنسبة لنا، لكن الأمر يحتاج إلى دراسات ميدانية من قبل الجهات المعنية لمعرفة حجم المشكلة والخروج بحلول لها تراعي حاجة أبناء البادية الذين يشكل الرعي لهم مصدر الدخل الوحيد.
وأضاف قائلا: لا بد أن تكون هناك طريقة تبقي الموارد الطبيعية متجددة لتوفير الغذاء لنا وللمواشي، لذا فهو يطالب الجهات المعنية بضرورة تنظيم عملية الرعي وإعادة زراعة المراعي المتدهورة وإنشاء العديد من السدود الترابية لتوفير المياه اللازمة لاستمرارية نمو النباتات في هذه المناطق، خاصة تلك التي بدأت تعاني بالفعل اختفاء كاملا للنباتات ونالت منها مظاهر التصحر.

التحطيب في أيام الجفاف

ويشدد الحربي على أهمية التصدي لمسببات تدهور مناطق الرعي في السعودية، وذلك نتيجة الرعي الجائر وقطع الأشجار واستخدامها في التحطيب خاصة في فترات الجفاف وقلة الأمطار التي تعانيها المنطقة.
ويقول: "إن تدمير الغطاء النباتي سيفقد البشرية فوائد عظيمة كان لها بالغ الأثر في بقاء العديد من الكائنات الحية على وجه الأرض وعلى رأسها المواشي التي نعتمد عليها, بعد الله سبحانه وتعالى, في تحقيق متطلبات حياتنا".
وتابع حديثه: "إن اهتمام العالم بالمحافظة على الغطاء النباتي ليس مجرد ترف علمي أو إرضاء للمهتمين في المحافظة على البيئة, ولكنه ضرورة تحتمها متطلبات العصر الذي نعيشه".

قطعان "الأغنياء"

أما سعد الناصر ـ مربي الأغنام ـ فهو يجزم بأن عدم الاستفادة من المراعي الطبيعية جعل أهل البادية يتحملون تكاليف باهظة في شراء الأعلاف كل عام، مطالبا وزارة الزراعة بسرعة التدخل في الأمر وإيجاد حلول عملية للسيطرة على قطعان الماشية ذات الأعداد الهائلة والتي يربيها البعض من "الأغنياء" من باب المباهاة فقط دون الحاجة إليها "فهم لا يستفيدون منها أبدا" على حد قوله.
ويوضح الناصر أنه بالفعل بدأت هذه الأيام تنحسر المراعي بشكل متسارع وأصبحنا نرى الأمطار دون أن يتبعها ظهور أعشاب حتى في تلك الأماكن التي اعتبرت من المراعي المشهورة على مر التاريخ، خاصة بعدما أصبحنا نشاهد في السنوات الأخيرة ظاهرة تربية الأغنام والإبل حتى بين أبناء الحاضرة وأبناء الذوات، وبعض القطعان تصل إلى عشرين ألفاً وأكثر.

مشكلة وطنية تحتاج إلى حل عاجل

ويشير الناصر إلى أن رعي النباتات قبل الإزهار يعني القضاء عليها قبل أن تطرح البذور، وسنة بعد سنة سيتضاءل محتوى البذور في التربة إلى أن تتلاشى، وهذه المشكلة لا تخفى على أي مهتم بالبيئة، ويظهر ذلك من خلال مقارنة الأراضي المكشوفة والأراضي المحاطة بالسياج، إنها مشكلة وطنية تحتاج إلى حل عاجل، ومن هنا فلا بد أن تتضافر الجهود لنحمي بيئتنا من التصحر الناتج عن الرعي غير المنظم.
ولفت الناصر (64 عاما) الذي كان يتحدث وهو في قمة سعادته مدهوشا من هذا الاهتمام "المفاجئ" و"غير المسبوق" من الصحافة ـ على حد تعبيره ـ بأهل البادية وطرح مشكلة الرعي الجائر وأثره في البيئة، بقوله: "إنه لا بد من وضع حد لأعداد المواشي المتزايدة والتي تستوردها المملكة سنويا ولا توجد مراع تستوعبها، وهي أيضا أحد أسباب تناقص المراعي وانعدامها".

المواشي المستوردة

وهنا يلتقط سعد السبيعي ـ من أهل البادية ـ أطراف الحديث مقترحا بأن تعمل وزارة الزراعة على حصر قطعان الأغنام التي يزيد عددها على 500 رأس من خلال الاستعانة بوثيقة الزكاة والدخل التي يتم بموجبها جباية الزكاة على الأنعام وبالتالي تحديد منطقة معينة ترعى فيها هذه القطعان كي يتم عزلها عن أصحاب المشاريع الضخمة "المشاريع التجارية" والتي تتعدى عشرات الآلاف في القطيع الواحد وتشغل مساحات كبيرة في المراعي.
واتفق السبيعي مع الناصر فيما يتعلق بعدم مناسبة الأغنام المستوردة للبيئة السعودية، وهو الأمر الذي أدى إلى إتلاف مساحات شاسعة من المراعي خاصة أن أرض المراعي السعودية تحتاج إلى وقت طويل كي تعود إلى طبيعتها التي كانت عليها في السابق.

الإبل صديقة للبيئة

ولفت السبيعي (52 عاما) إلى أن الرعي الجائر تسببه الأغنام والماعز فقط في حين أن رعي الإبل لا يؤثر في المراعي قطعيا، وحيث نتتبع المرعى أينما كان وننتقل من منطقة إلى أخرى، تبتعد الإبل عن مكانها الأصلي بمسافات بعيدة قد تزيد عن مئات الكيلومترات تبعاً لـ "مراتع" الأعشاب وتقوم خلالها بأكل قضيمات من كل نبتة ترعاها حيث تأكل الأجزاء العلوية من النباتات، وتترك جزءاً من الأفرع والأوراق لتنمو ثانية.

لماذا الماعز؟

ويواصل السبيعي حديثه: إن رعي الإبل لا يحدث تدهورا في المراعي نتيجة لعدم حدوث رعي جائر لنباتات المراعي، بعكس ما تحدثه الأغنام أو الماعز من أضرار عند رعيها لكونها تأكل كميات كبيرة من النباتات الرعوية العشبية خصوصاً الأعشاب حديثة النمو، والتي يصعب إعادة نموها، وكذلك تحرث الأغنام الأرض بأظلافها المدببة أثناء رعيها ما يؤدي إلى اقتلاع النباتات من التربة أو تهتكها نتيجة المشي.

8 مقترحات للحد من المشكلة

ويقترح السبيعي على وزارة الزراعة المعنية في هذه القضية أن تعمل على أن تشجع أصحاب الأغنام الكثيرة على أن تربي أغنامها في مزارع خاصة بتربية الأغنام، تنظيم الرعي وتحديد أوقاته وأماكنه، إنشاء مستودعات أعلاف لتخزين المواد العلفية الاحتياطية في أماكن التجمع الرئيسي للأغنام في البادية في مناطق البادية وذلك لتغطية الاحتياجات العلفية في سنوات الجفاف، زراعة الشجيرات الرعوية لتأمين مصدر علفي احتياطي في البادية كما هو مطبق في الكثير من البلدان العربية، وتأسيس جمعيات تعاونية متخصصة بتحسين وتربية الأغنام.

أغنام تهيم في البريّة

ويقترح السبيعي أيضا تشجيع زراعة الأعلاف الخضراء وإدخالها في الدورة الزراعية ما يساعد على إيجاد مصادر علفية إضافية إلى الإنتاج الحيواني، وزيادة وعي مربي الأغنام من خلال المديريات المختصة في وزارة الزراعة عن طريق الإرشادات الخاصة بتربية الأغنام والعناية بها وحثهم على عدم تربية كميات كبيرة من المواشي وتركها تهيم في المراعي البرية دون الاستفادة منها بشكل كامل، وكذلك دعوة أهل البادية إلى إيجاد توازن وتربية كميات معقولة وإجراء عليها عمليات تحسين بشكلها الصحيح.

الأكثر قراءة