"حراج ابن قاسم"..سوق الدلالين القديمة وحكاية 60 عاما من التجارة النشطة

"حراج ابن قاسم"..سوق الدلالين القديمة وحكاية 60 عاما من التجارة النشطة

يشكل "حراج ابن قاسم" (جنوبي الرياض)، إحدى أكثر الأسواق شعبية في المنطقة، لما له من ارتباط وجداني عميق في أذهان سكان العاصمة وزائريها، عززته حقبة زمنية طويلة تتجاوز الـ 60 عاما هي عمر السوق، كان خلالها وما زال مقصد المستهلكين الباحثين عن التنوع والأسعار الزهيدة.
وتعود تسمية السوق حسب الحاج أبو يوسف أحد الباعة القدامى، نسبة إلى تاجر يعرف بـ "ابن قاسم" ، كان يعمل موظفا في بيت المال إبان عهد الملك عبد العزيز، وتقدم بطلب آنذاك إلى الملك للدلالة على تركة الأموات في ساحة الصفا بجوار قصر الحكم، حيث كانت البداية الفعلية للسوق، لينتقل في غمرة التطور العمراني والتوسع السكاني إلى شارع الريس، ثم إلى منفوحة، ليستقر أخيرا في حي المنصورية.
ويزخر حراج ابن قاسم بمختلف البضائع كالأدوات المنزلية، المفروشات، والملابس مرورا بأدوات الخردة والرجيع من حديد ومعادن وأخشاب تلبي رغبات العامة ممن ينصب تركيزهم على الناحية السعرية وتكلفة الشراء، حيث كل شيء قابل للبيع والشراء، وكلما تعمق الشخص تحديدا في وسط الحراج يلحظ حركة البيع العشوائي التي تعد أبرز سماته.
وفي الطرف الآخر من الحراج أخذتنا جولتنا إلى العم حسن عبد الصراني أحد الباعة، الذي أشار إلى ممارسته البيع والشراء في السوق منذ 30 عاما وقال " بدأت بشراء أي بضاعة كانت تصل إلى السوق وأبيعها بمكسب قليل، ومع مرور السنوات بدأت أشتري بكميات أكبر ومن ثم بدأت أدخل المزادات الحكومية الخاصة بالمستشفيات ومزادات الجمعيات الخيرية وركزت على شراء الكراسي المتحركة الخاصة بالمعوقين وأسرة المرضى وبعض الأجهزة الطبية وأبيعها بأسعار أقل ككراسي المعوقين، إضافة إلى بيع العكازات الطبية، وكذلك اسطوانات الأوكسجين بأحجام مختلفة، إلى جانب الأسرة باختلاف أسعارها وأنواعها.
وأضاف العم حسن "إنني أحرص دائما على عدم شراء كراسي المعوقين المرقمة التي عليها رموز العيادات الطبية من أشخاص لا أعرفهم خوفاً من أن تكون تلك الكراسي مسروقة من المستشفيات الحكومية، لذلك أستوفي البيانات والفواتير من الجهات المعلنة عن المزاد بأرقام الكراسي وعددها". وأضاف " تأتي إلى الحراج قطع أثرية نادرة، وأحجار كريمة، ومن القصص الغريبة التي حصلت في حراج ابن قاسم، عندما جاءت شاحنة محملة بالأثاث، فباشرها الدلالون والباعة، لترسو في نهاية المزاد على جاري في السوق، الذي أنزل الحمولة بدوره في مبسطه، وكانت عبارة عن أثاث منزل، يضم في محتواه صخرة بحجم كف اليد، فما كان منه إلا أن وضعها خارج المحل ليرمي بها القطط على حد قوله، وبعد أيام جاء إليه رجل، وقال كم تريد ثمنا للصخرة، فأجابه جاري: أريد 70 ريالا، وأعطاه الرجل بالفعل 70 ريالا كما أراد هو، فقال جاري للمشتري: أتستهزئ بي، فأجابه المشتري أنت بعت وأنا اشتريت، فقال جاري اشهدوا عليه يا جماعة، لقد اشترى الصخرة بـ 70 ريالا، ولن أعيد له نقوده، فشهدنا على البيعة، وبعد مرور أشهر، أتى الرجل الذي اشترى الصخرة، وبدأ يدور على الباعة بشكل يومي، ومر من أمام جاري واستدعاه وقال له، أتدري أنني بعت الصخرة في لبنان بـ 50 ألف دولار أمريكي، وأنها نوع من الأحجار الكريمة".
وفي إحدى جوانب السوق انبعثت رائحة طيب العود فتبعناها إلى أن قادتنا إلى مصدرها فإذا به عمر محمد الربيقي، بائع العود والطيب يتجول في نواحي السوق باحثا عن زبائنه، ويقول "بدأت بيع العود في حراج ابن قاسم قبل 25 سنة، وأبيع كيلو العود الجاوي الأصلي بـ 1500 ريال، أما الأوقية منه فأبيعها بـ 30 ريالا ومعمول العود بـ 40 ريالا، ودهن العود بـ 50 ريالا، وآتي به من سوق المعيقلية وإذا لم أجده أذهب إلى الإمارات وأجلبه من هناك، وأما في الأعياد فأنا حريص على جلب العود الكمبودي الأصلي لكي ألبي رغبة زبائني الذين يأتون إلي خصيصا من وسط الرياض".
مشهد طفل صغير يبيع في بسطة صغيرة، كان من المشاهد التي استوقفتنا طويلا، إذ يجلس وأمامه بسطته المتواضعة وقد وضع عليها مسبحة كبيرة مكتوبا عليها أسماء الله الحسنى، وبضع ساعات وقوارير صغيرة من دهن العود، فسألناه عن سبب وجوده في المكان، فقال إنه يساعد والده على كسب العيش، وإنه يبيع ويشتري في الحراج منذ ثلاثة أشهر، مبديا رغبته الشديدة في تعلم التجارة، والاعتماد على النفس في تأمين مصروفه اليومي.
ويشتهر حراج ابن قاسم ببيع أسطوانات الغاز بأسعار تتجاوز المائة ريال للأسطوانة الواحدة، إضافة إلى أنواع مختلفة من الأفران بأسعار تراوح بين 750 و1300 ريال، إلى جانب أباريق الشاي التي تبدأ من 15 ريالا وتصل إلى 25 ريالا، ودلال القهوة من 15 ريالا وتصل إلى 30 ريالا، وثلاجات بـ 450 ريالا، ومكيفات بـ 700 ريال، وقدور الضغط بـ 150 ريالا، وتحف بـ 10 و15 ريالا، ودفايات بـ 50 و60 ريالا على حسب العلامة التجارية، ومكانس كهربائية بـ 100 ريال، وغسالات بـ 100 ريال، ومواطير بـ 500 ريال، كتب ذات أوراق صفراء، الكتاب بثلاثة ريالات، وسجاد بأنواعه، الوطني الذي يبدأ سعره من 30 ريالا ويصل إلى 380 ريالا، والتركي يبدأ من 200 ريال ويصل إلى 550 ريالا، والصيني الذي يبدأ من 600 ريال ويصل إلى 1100 ريال، على حسب المقاسات والجودة.
واشتهر الحراج ببيع الملابس القديمة التي تعود لموتى أو استغنت عنها جمعيات خيرية، أو تبرعت بها أسر كريمة بعد أن فقدت أحد أفراد أسرتها، من ثياب تصل أسعارها إلى ريالين وثلاثة على حسب النظافة، وفساتين أفراح بـ 300 ريال، وجاكيتات بـعشرة ريالات، وملابس داخلية صيفية وشتوية القطعة بريال، وكذلك أشمغة وغتر قديمة بريالين، والبطاطين بـ 15 ريالا، وفساتين السهرة بخمسة ريالات، والعباءات النسائية بأربعة ريالات، إضافة إلى بيع الأكياس المليئة بالملابس بـ 80 ريالا للكيس والتي يقبل عليها الأفارقة بكثرة ليصدروها إلى بلدانهم، فهي لا تكلف بائعيها الشيء الكثير فقد حصل عليها إما تبرعا وإما اشتراها بثمن زهيد وإما أعطيت له من إحدى الجمعيات أو من أسر استغنت عن ملابسها القديمة، وفي الغالب من يمتهن هذه المهنة هم عمالة وافدة، أتوا إلى السوق، بطريقة احترافية، واستحوذ على البسطات والمحال وأصبحوا من كبار التجار في السوق يتحكمون في الأسعار ويوظفون أبناء جلدتهم، حيث كانت بدايتهم حمالين على كفالة شركة مختصة بنقل البضائع من موقع المزادات إلى السوق، وتخضع تلك الملابس القديمة عند تسلمها إلى الغسل والكي في منازل العمالة، ومن ثم تغليفها في محال غسيل الملابس المعدة، فيبيعونها بأثمان عالية على أنها جديدة، وما يزيد الطين بلة أن هذه الملابس معروضة في الفناء الخارجي من الحراج، ما يؤكد قدمها، إلا أن هؤلاء الباعة يقولون إن ذلك ناجم من أشعة الشمس التي غيرت لونها نوعا ما، وأثرت في قماشها الخارجي.

الأكثر قراءة