أهم العوامل المؤثرة في أسعار النفط

أهم العوامل المؤثرة في أسعار النفط

[email protected] إن للتقلبات الكبيرة في سعر النفط تداعيات ملحوظة في اقتصادات وسياسات دول العالم قاطبة سواء المستهلك منها أو المنتج. وما زال الجدل محتدما حول قضية ارتفاع أسعار النفط وماهية الأسباب الكامنة وراء تلك الارتفاعات التي يترتب عليها ارتفاع تكلفة الطاقة والتي بدورها تتسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي والنقل وبالتالي ارتفاع المستوى العام. وهدف هذا المقال هو تفنيد الوسائل والمقومات الخاصة بتلك المادة التي تعد أكثر السلع تداولاً في العالم وإلقاء الضوء على أهم عاملين أساسين يؤثران في اتجاه السوق النفطية ويؤثران في تغير أسعار النفط. العرض والطلب تعد قوى العرض والطلب في السوق العالمية هي الآلية التي تتجسد فيها العوامل الأساسية التي تؤثر في سعر النفط، وهناك عدة عوامل ذات مدى بعيد أو طارئ تؤثر وتتأثر بقوى العرض والطلب وبالتالي تتحكم في سعر النفط. إن محدودية الإنتاج وتناقص العرض في ظل تنامي اقتصادات آسيا ونقص مستويات المخزونان التجارية من النفط الخام في الدول الصناعية، وضعف وقوة الدولار بالنسبة للعملات الأخرى وتفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض تدفع بالنفط ليتبوأ دوراً مباشراً في تحريك الأجندة الاقتصادية ومحط أنظار الساسة العالميين وصانعي القرارات الاقتصادية المؤثرة في مسيرة الاقتصاد الدولي. وبتزايد أهمية النفط وتناقص كمياته المعروضة، تتزايد الصراعات والحروب الدولية وأخرى أهلية وداخلية تلهب الوضع السياسي قرب منابع النفط والتي بدورها تؤثر في الإمدادات وتضغط على المعروض وبالتالي الأسعار. وهنالك عوامل جيوسياسية، واقتصادية ومالية وأمنية وجيولوجية ومناخيه تؤثر في العرض والطلب على البترول وبالتالي الأسعار. فإذا اختل التوازن بين العرض والطلب لصالح أحدهما انخفض أو ارتفع سعر البترول. فنقض المعروض في ظل تزايد الطلب بسبب وجود تلك العوامل العدة أو بعضها وتفاعلها يرفع الطلب على البترول وبالتالي يرفع سعره. ومع حالة التوتر النسبي للعلاقات بين العرض والطلب بسبب عوامل تتعلق بالمدى المتوسط والبعيد وفي ظل حجم المعروض من النفط في الآونة الأخيرة الذي يقل عن حجم الطلب، أدى إلى ارتفاع في أسعار النفط الدولية باستمرار منذ عام 2002م إلى الوقت الحاضر. العامل الأول الطفرة الاقتصادية والصناعية العالمية وفي ظل المعطيات المتوافرة، من نمو اقتصادي مستمر، ووصول الطاقة الإنتاجية إلى الحالة القصوى، والتوقعات بزيادة الطلب في العام المقبل مع محدودية العرض، حيث توضح الإحصائيات الفجوة المتنامية بين العرض والطلب بالرغم من أن حجم الإنتاج النفطي العالمي في تزايد، إلا أنه لن يلحق بحجم الطلب الناتج عن عوامل تنتمي للمدى البعيد ويأتي في مقدمتها النمو في اقتصادات الدول التي تشكل اقتصاداتها نسبة كبيرة من الاقتصاد العالمي وخصوصاً معدلات النمو المحققة في الدول المستهلكة الرئيسية كالصين والولايات المتحدة، والإحصائيات تشير إلى أن المعادلة السوقية للأسعار لن ترجع إلى السابق حيث أن ازدياد الطلب يصطدم بمحدودية الإنتاج. وبحسب إحصاءات من الهيئات العالمية والدوائر المعنية، فإن حجم عرض النفط الخام في العالم بلغ في مجمله 85.5 مليون برميل يوميا (بما في ذلك زيادة إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بمقدار نصف مليون برميل يوميا ابتداء من أول تشرين الثاني (نوفمبر)2007م، أما حجم الطلب فقد يصل تقريباً عند نهاية العام الحالي إلى 88 مليون برميل يوميا مما يوضح صعوبة الموازنة بين العرض والطلب وبالتالي الضغط على الأسعار لمستويات أعلى. ويعد هذا العامل من العوامل الأساسية التي تؤثر في زيادة حجم الطلب على النفط، لأنه تراكمي وينتمي تأثيره إلى المدى البعيد. وزيادة الطلب العالمي على النفط نتيجة التوسع الاقتصاد العالمي أحد العوامل الأساس الذي تؤثر في ازدياد الطلب على النفط وبآثار تنتمي إلى المدى البعيد. لقد أدت الزيادة في عدد السكان في العالم وتحسن مستوى معيشة معظمهم إلى الزيادة في الاستهلاك بشكل عام والنفط بشكل خاص، ومن غير المعقول أن يتوقع بانخفاض عدد السكان أو تدني مستوى المعيشة، وهو عكس العوامل الظرفية أو ذات المدى القصير التي تؤثر في العرض والطلب على النفط كالنزاعات أو الأعاصير التي ينتهي تأثيرها بتلاشيها. وحسب إحصاءات من الدوائر المعنية فإن فالزيادة غير المسبوقة التي طرأت على الطلب العالمي على النفط من مستهلكين جدد كالصين والهند ودول آسيا رفعت الطلب العالمي على النفط إلى 88 مليون برميل يومياً، وسينمو بوتيرة أسرع في العام المقبل مقارنة بالعام الجاري وبزيادة مقدارها 2.2 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال 2008، أي بزيادة 1.53 مليون برميل يوميا هذا العام. وسيرتفع إلى أكثر من 100 مليون برميل في غضون سبع سنوات من الآن، بمتوسط نسبة سنوية لا تقل عن 3.3 في المائة. وفي السنوات القليلة الماضية شهد العالم حدوث ما أشارت إليه بعض المنظمات الدولية بأنه أكبر زيادة في الطلب على النفط منذ 16 عاما، وذلك بسبب توسع الاقتصاد العالمي مما تسبب في زيادة الاستهلاك للنفط. أن زيادة الطلب من دول مثل الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل ودول آسيا يعد المحرك الرئيسي للارتفاعات الراهنة في الطلب على النفط. فالولايات المتحدة تستهلك قرابة ربع الاستهلاك العالمي للنفط، بينما يتناقص إنتاجها ووصل إلى ما دون 9 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط، واحتياطياتها في الوقت الحالي لا تتعدى 2 في المائة من الاحتياطيات العالمية للنفط. ويعتمد أكثر من 96 في المائة من نظام النقل الأمريكي على النفط، والحاجة إلى نفط يمكن تكريره واستخراج البنزين منه من أجل تلبية الاستهلاك المتنامي في الولايات المتحدة في تصاعد حيث يشكل الطلب على البنزين نحو نصف متوسط الاستهلاك الأمريكي اليومي البالغ 21 مليون برميل من النفط. ويبقى الطلب على النفط في حالة تصاعد مستمر من الصين وتبوأت الآن ثاني أكبر مستورد للنفط بعد أمريكا. فالصين تشهد انتعاشا اقتصادياً سريعاً ومستمر ترتب عليه استهلاكا غير مشهود في النفط، وأصبحت من أكبر مستوردي للنفط بعدما كان لها اكتفاء ذاتي منه قبل عشر سنوات. وفي خلال السنوات العشر الماضية تضاعفت حاجة الصين إلى البترول بأكثر من 100 في المائة ويزداد استهلاكها للنفط بمعدل يزيد على 7 في المائة في السنة. وحسب التقارير العالمية أن العملاق الآسيوي، الصين، سيعتمد على النفط بنسبة 50 في المائة لتوفير مصادر الطاقة وأن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد عام 2010م. كما أن الطفرة الاقتصادية والصناعية في الهند والبرازيل ودول آسيا في حالة تصاعد مستمر وبمعدلات النمو المحققة سنه بعد أخرى أسهم في زيادة الطلب على البترول وفي الواقع الفعلي فإن معدلات الطلب على النفط قد سجلت هذه السنة زيادة على السنة الماضية بلغت أكثر من مليونا و500 ألف برميل يوميا. وتتوقع الوكالة الدولية للنفط في تقاريرها الشهرية لأسواق النفط أن الطلب سيرتفع بمعدل مليونين و200 ألف برميل يوميا خلال السنة المقبلة هذا بافتراض أن النمو الاقتصادي في الصين والهند يسير بصورة طبيعية ولكن إذا نمت تلك الاقتصادات بمعدلات أسرع، وهو المتوقع، فسيرتفع الطلب بدرجة أكبر من المتوقع في الطلب. العامل الثاني: تناقص الاحتياطيات النفطية ومحدودية القدرة على الإنتاج في هذا في ظل محدودية الإنتاج من النفط الخام بأسباب جوهرية، سنذكرها فيما بعد، في مواجهة هذا الطلب المتنامي وبالوتيرة نفسها حيث إن إنتاج "أوبك" قد بلغ حده الأقصى وتلاشت الطاقة الإنتاجية المتوافرة لدى أقطار "أوبك" حيث أن الغالبية المطلقة من دول المنظمة تنتج بكامل طاقتها ولا يتوافر لها هامش إضافي إذا اقتضت الضرورة. وهذا يرجع فيما يبدو إلى سببين مهمين ألأول هو نقص الاستثمارات في الدول المصدرة لتطوير حقول نفط واستبدال المنشآت المتقادمة على مدى الـ 30 سنة الماضية نتيجة الأسعار المتدنية. والسبب الثاني هو تقلص الاحتياطيات العالمية ووصول الحقول في بعض الدول إلى ذروة إنتاجها، والتراجع المستمر في إنتاج الدول من خارج أوبك كل هذا أدى إلى محدودية العرض في مواجهة الطلب المتنامي للنفط. محدودية القدرة الإنتاجية لقد أدى الانخفاض المستمر لأسعار النفط خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي إلى العزوف عن الاستثمار في صناعة النفط وتقلصت الاستثمارات اللازمة لتوسيع طاقة إنتاج النفط، ونقصت الاستثمارات الموجهة في تطوير القطاع النفطي والحفاظ على حقول النفط، ولكي تزيد من عوائدها النفطية، اضطرت معظم الدول المنتجة إلى الإنتاج بأعلى من قدرة المكمن مع عدم مراعاة للآبار والمكامن كما توقف البحث عن مصادر نفطية جديدة في بعض الأماكن بسبب تكلفة البحث. وعند ارتفاع الطلب في ظل النمو الاقتصادي العالمي وخاصة منذ منتصف 2003م، تبين عجز القدرة الإنتاجية الاحتياطية Spare productive capacity عن تلبية الزيادة غير المسبوقة في الطلب العالمي على النفط. وتشير التقديرات إلى أن "أوبك" لن تستطيع تلبية الزيادة في الطلب ول ألغت الالتزام بقيود الإنتاج استجابة لزيادة أسعار النفط التي تسجل أرقاما قياسية يوماً بعد يوم. وتذكر شركة بترولوجستيكس التي ترصد حركة ناقلات النفط أن مستوى إنتاج "أوبك" الحالي مماثل لما كان عليه في عام 2006م حين بدأت أوبك سلسلة من تخفيضات الإنتاج بلغت إجمالا 1.7 مليون برميل يوميا. وكان حجم إنتاج "أوبك" قبل التخفيضات 27.5 مليون برميل يوميا. تناقص الاحتياطيات النفطية المخزون من النفط أو ما يشار إليه بالاحتياطيات، تكون عبر آلاف السنين في مكامن أو فقاعات كبيرة في باطن الأرض وهو غير قابل للزيادة ويستنفذ أو ينضب حال استخلاصه من مكمنه. ولذا فهو يتأثر بالعوامل الفنية ووسائل الإنتاج التي استخدمت في استخراجه. وعليه فإن نضوب هذا المورد الطبيعي هو استنفاد الاحتياطي بعد استخراج النفط الموجود في المكمن كما هو الحال في البحرين ودبي مثلاً التي كانت من منتجي ومصدري النفط في الماضي. ويبلغ إجمالي الاحتياطيات الأرضية المؤكدة في الولايات المتحدة 21.371 مليار برميل، أي أقل بمليار و86 مليون برميل مما كانت عليه قبل عشر سنوات. كما أن بريطانيا بدأت تعد البراميل الأخيرة من حقولها وشارفت احتياطياتها في بحر الشمال على الانتهاء، وكان إنتاجها من النفط في شهر آب (أغسطس) من عام 1999م كان 3.1 مليون برميل يوميا، لكنه انخفض العام الماضي إلى 1.7 مليون برميل. ويذكر تقرير صدر عن مركز "ملفات الطاقة" البريطاني أن معدل تراجع الإنتاج خلال السنوات الماضية بدأ عند 6 في المائة ثم تسارعت وتيرته لتصل الآن إلى 17 في المائة، مؤكداًً أنه كلما وصل المخزون إلى مراحله الأخيرة ازداد معدل التراجع، أي كلما تسارع الانخفاض. وستبدأ بريطانيا استيراد النفط بعد عام أو عامين، وأن يصل حجم هذا الاستيراد إلى ثُلاثة ملايين برميل يوميا في عام 2015م. وأضاف. كما أكدت وكالة "عمليات الأوفشور" البريطانية أنه من شبه المستحيل أن تتم اكتشافات جديدة لحقول أوفشور كبيرة أو ذات أهمية إنتاجية. وفي إحصائيات صادرة عن "إدارة معلومات الطاقة" يتبين أن الاكتشافات الإجمالية الجديدة والقديمة خلال العام الماضي، فهي لا تزال أقل بنسبة 29 في الماة من متوسط الاكتشافات النفطية خلال الأعوام العشرة الماضية. في ظل ارتفاع الطلب على النفط تسبب نقص الاستثمارات في تطوير القطاع النفطي وسرعة الإنتاج إلى أعلى من قدرة المكمن الاستيعابية خلال العقود الثلاثة الماضية إلى محدودية القدرة على الإنتاج من قبل الدول المنتجة عندما ازداد الطلب. وفي ظل محدودية الاستكشافات البترولية في الوقت الحالي، فإن نظرية الندرة لهذا الاحتياطي تزداد كلما زاد معدل استخراج النفط، بينما تزداد تكلفة الاستخراج كلما امتد الاستخراج إلى مخزونات أو احتياطيات ذات جودة أو نقاء أقل. كما أن بعض المتمسكين بفرضية "الذروة النفطية" يحذرون من أن الإنتاج العالمي للنفط قد بلغ ذروته عام 2006م وأنه سيتراجع إلى النصف بحلول العام 2030، ويشيرون إلى أن ذلك سيولد نقصا في الإنتاج سيكون من الصعب سده بالرغم من اللجوء المتزايد إلى الوقود العضوي والطاقة النووية ومصادر الطاقة البديلة. استراتيجي وخبير في شؤون النفط.
إنشرها

أضف تعليق