ضرماء الصامدة.. واحة زراعية تغنى الشعراء بسحر طبيعتها

ضرماء الصامدة.. واحة زراعية تغنى الشعراء بسحر طبيعتها

مقدمة
ضرماء واحة زراعية خصبة تغزل شعراء الشعر النبطي والفصيح القدماء والحاليين فيها، لما فيها من جمال طبيعي ونهضة عمرانية شهدتها خلال السنوات الأخيرة. وتقع ضرماء بين خطي عرض 24،3 ْ و25 ْشمالا وخطي طول 45،25 ْ و46،15 ْ شرقا في المنطقة الوسطى من المملكة، وهي تبعد نحو 65 كلم إلى الغرب من مدينة الرياض.
ويحدها من الغرب الوشم، والشرق ديراب وطويق، وهي بذلك تمتد على مسافة تقدر بأكثر من 100 كلم بين الحائر ومرات، ويأخذ امتداد منطقة ضرماء الشكل الطولي محاذية لمرتفعات طويق على مساحة تقدر بـِ 2060 كيلو متراً.

أيمن الرشيدان من الرياض
تقع ضرماء ضمن المنطقة الداخلية من المملكة ذات المناخ الصحراوي القاري البعيد عن المؤثرات البحرية، ما يجعل الحرارة تميل إلى التطرف، فهي مرتفعة جدا صيفا، ومنخفضة شتاءً، والسماء صحو تقريبا طيلة أيام السنة، ويبلغ المتوسط السنوي للحرارة في ضرماء نحو 24 ْ، فمتوسط درجة الحرارة الفعلي يتراوح ما بين 14 ْ في الشتاء و34 ْ في الصيف، وأدنى درجة حرارة تبلغ -2 ْ، بينما تصل أقصى درجة حرارة إلى 46 ْ.
والأمطار في ضرماء قليلة وغير منتظمة في كمياتها ومواقيتها، وتسقط عادة في فصلي الشتاء والربيع، ويصل المعدل السنوي إلى نحو 92 ملم، وهي من النوع الصحراوي الذي يسقط خلال فترة قصيرة أحيانا على شكل زخات مشكلة سيولا جارفة، تحدث أضراراً بالممتلكات كالمزارع والمساكن .
والرطوبة في المحافظة منخفضة جدا، لكونها منطقة داخلية بعيدة عن المؤثرات البحرية نادرة الأمطار، فتتراوح ما بين 15 في المائة صيفا، و50 في المائة شتاءً، ومعدلات التبخر تعد عالية جداً تصل إلى نحو 11 ملم يومياً أو نحو أربعة آلاف ملم سنوياً، بسبب عوامل ارتفاع درجات الحرارة وصفاء الجو معظم السنة، وطيلة ساعات النهار وشدة الإشعاع الشمسي وندرة الغطاء النباتي.
وتهب الرياح بصفة دائمة طوال العام وتشتد قليلا في فصل الصيف حاملة معها الأتربة والغبار واتجاهها متغير كثيراً.
وتقع ضرماء في الجزء الشرقي من هضبة نجد في حوض أو سهل مستو يرتفع نحو 550 م عن سطح البحر، تعد مرتفعات طويق أبرز مظاهره التضاريسية، فهي تشكل الحدين الشمالي والشرقي لمنطقة ضرماء، وتنحدر هذه المرتفعات بشدة نحو سهل ضرماء لدرجة تبدو وكأنها جدار قائم، وتبدو بعض أجزاء الجبل على شكل مسلات أو أعمدة ذات أشكال طبيعية رائعة، أما الأجزاء السهلية فتمتد شرقا وغربا على مسافة طويلة تقدر بنحو 200 كلم وعرض 7-18 كلم، في أقصى اتساع له نحو الشمال عند روضة سمحان، ولا يوجد إلا تلال صخرية قليلة الارتفاع وتقع الكثبان الرملية جنوب البلدة.

عاصمة "حوض البطين"

تعد بلدة ضرماء عاصمة منطقة حوض البطين أو ما يعرف قديماً بوادي قرقرى وقاعدتها البلاد، وضرماء تحريف الاسم الحقيقي لها فقد كانت تسمى "قرماء" بمعنى قر واستقر الماء في باطن أرضها، حيث كانت تشتهر بوفرة المياه، كما أن مسماها الحالي تحول من معناها السابق نتيجة شح المياه وندرتها، وللضرر الناتج فسميت ضرماء وأصبح ينطقها العامة من أهلها أضرمه.
وضرماء إحدى مقاطعات اليمامة، ويؤكد ذلك المؤرخ الجغرافي ياقوت الحموي بقوله: " إذا خرج الخارج من وشم اليمامة وجعل العارض شمالاً فإنه يعلو أرضاً تسمى قرقرى (البطين) فيها قرى وزرع ونخيل كثيرة، ومن قراها قرما (ضرماء)".

النمو التعليمي والتقني

وشهدت محافظة ضرماء خلال العقدين الماضين نموا في جميع المجالات، لاسيما في مجال التعليم والتعليم التقني، حيث أسهمت الأنشطة الفعالة المختلفة في المحافظة إلى إنشاء نادي الحاسب الآلي، الذي يعتبر مشروع خيري تقني موجه إلى جميع فئات المجتمع، يهدف إلى محو أمية الحاسب الآلي والمساعدة في ملء فراغ الشباب، وتأهيلهم لسوق العمل بإعطائهم دورات متنوعة في الحاسب الآلي. ويحتوي نادي الحاسب الآلي على معمل واحد للتدريب يحتوي على 17 جهازاً، ومكتباً للإدارة وكاونتر للاستقبال والتسجيل، وقسم خاص لصيانة ومبيعات أجهزة الحاسب وملحقاته، وقسم للاستراحة والانتظار ومشروبات القهوة والشاي، إضافة إلى معملين في المدرسة السعودية الابتدائية للبنين والابتدائية الثانية للبنات.
ويقدم النادي العديد من دورات الحاسب الآلي مثل دورات في مقدمة الحاسب الآلي للمبتدئين، ودورات استخدام الحاسب الآلي في الأعمال المكتبية ومدتها ثلاثة أشهر، ودورات إدخال بيانات ومعالجة نصوص، وهاتان الدورتان يتم تصديقهما من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، إلى جانب دورات خاصة لطلاب وطالبات المدارس، حيث تم فتح معامل في مدارس البنين والبنات في الفترة الصباحية بواقع حصة واحدة في الأسبوع، إضافة إلى الدورات التي تعطى للطلاب في الصيف في موقع النادي، ودورات في الدوائر الحكومية لإعطاء الموظفين دورات وهي في مقر عملهم، حيث تم تنفيذها عام 1426هـ في بلدية محافظة ضرماء، ولاقت إعجاب موظفي البلدية، ويسعى النادي لتقديمها إلى باقي موظفي الدوائر الحكومية الأخرى في المستقبل القريب، ودورات خاصة للمعلمين والمعلمات، خصوصاً الدورات التي تخدم العملية التعليمية كبرامج الوورد، والبور بوينت، وبرنامج معارف.
ويمنح النادي لكل مشترك في الدورات شهادات معتمدة من وزارة التربية التعليم، إضافة على تصديق شهادات استخدام الحاسب الآلي في الأعمال المكتبية ودورة إدخال بيانات ومعالجة نصوص من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني.

الزراعة والمياه

تعتمد المحافظة على الزراعة، إذ تسقى المزارع من مياه الآبار التي يتراوح عمقها بين 11 و18 قامة في حين يقدر عدد أشجار النخيل بنحو30 ألف نخلة وتشغل مزارع القمح والشعير والبرسيم والبطيخ والفاكهة مساحات واسعة، وفيها نحو 300 منزل، وعدد سكانها 2500 نسمة. وهذه الإحصائيات منذ نحو 100 سنة، ونعلم جميعا تأثير الهجرات الداخلية على القرى والمدن الصغيرة القريبة من العاصمة.
وحالياً تعد محافظة ضرماء إحدى المحافظات التابعة لمنطقة الرياض، ويتبعها إدارياً عدد من المراكز والقرى الصغيرة مثل قصور آل مقبل والسيباني، ومركز جو، والغزيز، والعليا، والعويند، وهي أم المنطقة، وتمتد على مسافة 100 كم تقريباً بين الحائر ومرات.

ضرماء ومقاومتها للقوات المصرية

أشتهرت ضرماء بمقاومتها للقوات المصرية سنة 1818، إذ تعد بلدة تاريخية من أوائل المدن الموالية للعاصمة الدرعية منذ عهد الإمام محمد بن سعود، ومنها انطلق مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله، وقد شارك أبناؤها في توحيد المملكة على يد مؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله.
وضرماء هي البلدة الثانية في منطقة العارض، وخط الدفاع الأول والحصين للدرعية، وقال عنها المؤرخ الشهير عثمان بن بشر: وكانت هذه البلدة، ويقصد بلدة (ضرماء)، ليس في تلك النواحي أقوى منها بعد الدرعية رجالاً وأموالاً وعدداً وعدة. وقال المؤرخ المسلم سنت جون فيلبي: بلدٌ قدر لها أن تلعب دوراً مهماً في تاريخ البلاد فيما بعد، وذلك لما اشتهر به أبناؤها من شجاعة وحب شديد في الاستقلال.

استعادة نفوذها

وفي عام 1235هـ انطلق الإمام تركي بن عبد الله آل سعود من بلدة ضرماء، لاستعادة نفوذه وملك آبائه وأجداده، وهذا يعني قوة البلد ووجودها ومدة سنتين يستحيل معها إعادة بناء بلدة مدمرة تدميراً كاملاً، وأقام الإمام تركي في قصر الفرغ، وأتى إليه أناس من أهل الجنوب وسبيع وغيرهم، وبايعوه، وبهذه البيعة والتي تدل الدلالة الأكيدة على الإمامة والولاية، وأن ذلك قد تم في بلدة ضرماء، ما يؤكد أن بلدة ضرماء هي منطلق الدولة السعودية الثانية.
وفي شهر ربيع الأول من عام 1235هـ سار الإمام تركي من ضرماء إلى بلدة الدرعية، ودخلها بمن معه من أنصاره من أهل ضرماء وغيرهم، وسيطر على الدرعية، ثم بعد ذلك اتجه إلى الرياض وحاصرها مدة، وقتل عدداً من مقاتليها، وقد جاءها المدد، ما ساعدها على الصمود، فقرر تركي إرجاء الاستيلاء عليها إلى وقت معلوم بمزيد من القوة، وذلك بمجرد سماعه بدنو المدد، وقبل وصوله، فرجع بجنوده إلى ضرماء ولم تكن هذه نهاية العهد ببلدة ضرماء وأهلها المعروفين بنخوتهم أهل الحمادة، فقد استمر الحال مع الملك عبد العزيز، رحمه الله، وكان لهم شأن عنده، ويعدهم الميمنة في جميع حروبه ومغازيه.

الأكثر قراءة