تحقيق النظام والاستقرار في السوق سعي دؤوب لـ "أوبك"
تحقيق النظام والاستقرار في السوق سعي دؤوب لـ "أوبك"
تلتزم "أوبك" التزاما راسخا لا يلين بالنظام والاستقرار في سوق النفط العالمي، وللمساعدة في تحقيق هذا الأمر- وبالأهمية نفسها - للحفاظ عليه فإن المنظمة مدافع قوي عن عملية لا عيب فيها، من الحوار والتعاون بين جميع الأطراف الرئيسية في الصناعة.
ويمكن تعقب التزام "أوبك" الذي يعود إلى اجتماعها التدشيني في بغداد في أيلول (سبتمبر) 1960، وقد نص أول قرار لها أن " الدول الأعضاء ستدرس وتصوغ نظاما لضمان استقرار الأسعار". وبعد عدة شهور، وضع هذا الالتزام في النظام الأساسي لـ "أوبك"، حين تم تبنيه للمرة الأولى في كانون الثاني (يناير) 1961، وظل مبدأ موجها للمنظمة منذ ذلك الحين:"تبتكر المنظمة الطرق والوسائل لضمان استقرار الأسعار في أسواق النفط العالمية، مع نظرة إلى التخلص من التقلبات المؤذية وغير الضرورية".
وجرى التأكيد مرارا على الالتزام في وثيقة "أوبك"، على مر السنوات، ولا سيما في "الإعلانين المهيبين" اللذين اختتما أول قمتين لرؤساء دول وحكومات "الأوبك" اللتين عقدتا في الجزائر عام 1975 وفي كاراكاس عام 2000.
ومن وقت قريب، تبنت "الإستراتيجية طويلة الأجل" LTS التي أخذت بها "أوبك" في عام 2005، المعالم البارزة لنظام واستقرار السوق، في التركيز على أهمية الأسعار المنصفة وأمن الإمدادات المنتظمة للمستهلكين وأمن الطلب العالمي على النفط. وبقيامها بذلك أسهبت المنظمة في فقرة رئيسية من النظام الأساسي لـ "أوبك": "يولى الاهتمام اللازم في كل الأوقات لمصالح الدول المنتجة. ولضرورة تأمين دخل ثابت للدول المنتجة وإمدادات نفط كافية واقتصادية ومنتظمة للدول المستهلكة وعائد منصف لرأسمالها الذي تستثمره تلك الدول في صناعة النفط".
وعلى صعيد التطبيق، فإن "المسعى الدؤوب" لتحقيق نظام واستقرار السوق، يوفر عنصراً جوهريا من عناصر أغلبية الاجتماعات التي عقدتها المنظمة وهو أمر مركزي للقرارات والأعمال التي تتخذ على جميع الأصعدة، من السلطة العليا لمؤتمر "أوبك" وصولا إلى النشاطات اليومية للسكرتارية التي تتخذ من فيينا مقرا لها، وجميع الهيئات الأخرى التي تدعمها، وينعكس هذا في التقارير والتحليلات التي تعدها السكرتارية وهو ما يشكل مكونا رئيسيا من مكونات وضع سيناريوهاتها لصورة السوق المستقبلية، ويؤكد حقيقة أن "أوبك" ستكون ملتزمة خلال السنوات المقبلة بالنظام والاستقرار مثل التزامها الحالي.
وتناول البيان الختامي الصادر من آخر اجتماع للمؤتمر، الذي عقد في فيينا يوم 11 أيلول (سبتمبر)، تناول القضية بالطريقة المألوفة: "... إدراكا لأهمية الحفاظ على استقرار سوق النفط لمصلحة الاقتصاد العالمي، يؤكد المؤتمر من جديد التزامه القائم منذ زمن طويل بضمان أسس الإمدادات في كل الأوقات، وتوفير مستوى كاف من القدرة الاحتياطية لمصلحة العالم ككل، بأسعار معقولة للمنتجين والمستهلكين، تتمشى مع الحاجة إلى نمو اقتصادي عالمي صحي ويؤدي إلى توسع في الوقت المناسب في القدرة الإنتاجية في المرحلتين الأولى والثانية من الصناعة النفطية".
وجاء قرارها طبيعيا من هذا التوجه، بالموافقة على زيادة حجم النفط الخام المورد للسوق من قبل الدول الأعضاء، باستثناء الجزائر والعراق، بمعدل 500 ألف برميل يومياً، اعتبارا من الأول من تشرين الثاني (نوفمبر).
وإضافة إلى ذلك، أكد المؤتمر مجدداً على استعداد أعضائه للاستجابة بسرعة لأي تطورات قد تهدّد استقرار سوق النفط ومصالح هذه الدول. وسيقوم أيضا بإعادة تقييم وضع السوق في اجتماعه الرابع عشر (غير العادي) في أبوظبي يوم الخامس من كانون الأول (ديسمبر).
وبالنظر نظرة أبعد بعض الشيء فإن "أوبك" تكشف مسبقاً عن خططها لتوسع مهم في القدرة التوليدية، ليس فقط لتلبية الطلب المتزايد على إمدادات النفط المنتظمة والمأمونة بل لعرض مستوى مناسب من القدرة الاحتياطية لمصلحة العالم ككل. وعلى المدى المتوسط، يعزز نمو قدرة "الأوبك" بأكثر من 120 مشروعاً للاستكشاف والإنتاج. ومن المقدر أن يتجاوز إجمالي الإنفاق الرأسمالي التراكمي حتى عام 2012 مبلغ 150 مليار دولار، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الاستثمارات إلى زيادة في القدرة بحلول عام 2012، عن المستويات الحالية بما يزيد على خمسة ملايين برميل يوميا.
وتستثمر الدول أعضاء "الأوبك" بشكل كبير أيضا في البنية التحتية للتكرير والنقل، مثل خطوط الأنابيب، ومرافق التخزين والمحطات النهائية، ويتم التخطيط لمصافي نفط كبيرة ومجمعة أو يجري إنشاؤها حاليا، على الصعيدين المحلي والخارجي. وسيساعد هذا في تخفيف الضغط الحالي وإعادة إقامة التوازن في قطاع الإنتاج والتكرير مع أن المعروف أن هذا هو المسؤولية الرئيسية للدول المستهلكة، ومن المتوقع لمشاريع المصافي الرئيسية لتقطير النفط الخام أن تضيف أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا من القدرة الإضافية بحلول عام 2012، والذي يمثل استثمارا قريبا من 50 مليار دولار.
أن لسعي "أوبك" إلى تحقيق نظام واستقرار السوق أساسا راسخا، فالمنظمة تدرك أن سوق نفط صحيا هو ما يخدم مصلحة الدول الأعضاء، التي يشكل عائد صادرات النفط نسبة كبيرة جدا من إجمالي عائداتها التصديرية - نحو 75 في المائة كمعدل بينها - في عام 2006.
وهذا أمر مهم جدا لها لأن العائدات التي تحصل عليها الدول النامية المنتجة للنفط من مبيعات النفط ضرورية لتمويل برامج تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة قد لا تقدرها الدول الصناعية تقديرا كاملا، وهذه إضافة على الجزء الذي يتوجب إعادة استثماره في الاستكشاف والإنتاج لتلبية الطلب المتزايد والذي يشكل في الوقت ذاته فائدة مباشرة للمستهلكين.
لذلك فإن من مصلحة هذه الدول المنتجة أن تتأكد من اتخاذ كل إجراء ممكن لدعم نظام واستقرار السوق في كل الأوقات حتى يمكن جني الفائدة المثلى من مصادرها النفطية المحدودة ومشاركة الأجيال الحالية والقادمة فيها.
وإضافة إلى ذلك، تدرك "أوبك" أن الأسعار المفرطة في أي من الاتجاهين ستحتوي على بذور التقلب بينما يعود السوق - عاجلا أو آجلا وببعض المساعدة أو دونها - إلى مستويات أكثر تمشيا مع أسس العرض والطلب، ويمكن لهذا أن يثبت أنه مسار وعر جدا.
وفي بيئة سوق مضغوطة فإن أسعار النفط العالية جداً يكمن لها أن تؤثر في النمو الاقتصادي العالمي وتهدد توسع الطلب على النفط، وإذا تعززت لفترة طويلة فإن من المحتمل أن تدفع الناس بعيداً عن النفط كما شهدنا قبل ربع قرن، ومن ناحية أخرى فإن الأسعار المتدنية جداً ستوفر عائداً غير كاف للاستثمار في القدرة المستقبلية كما شهدنا في أواخر التسعينيات، وهو الأمر الذي جعل الكثير من قطاعات التكرير التي لا تجد التمويل الكافي تعاني مالياً.
وفي الحقيقة فإن الاستراتيجية طويلة الأجل واضحة في آرائها حول تقلب أسعار النفط، قائلة إن هذا "يجعل تفسير مؤشرات الأسعار أمراً صعباً، سواءً كان مؤشراً لتغير هيكلي أو انعكاس لظاهرة مؤقتة، وهي بالتالي تؤثر على القدرة على دعم استقرار أطول مدى في السوق".
وفي الوقت الذي قد تستحوذ أسعار النفط القياسية على خيال الجمهور ككل فإن التقلب، حسبما يقال، هو الهم الأكبر للصناعة.
لذلك لا يكاد يكون أمراً مثيراً للدهشة أن "أوبك" تسعى إلى أسعار مستقرة ومستدامة ومحتملة في كل أرجاء السوق، وتوفر عائدات منصفة ومعقولة للمنتجين والمستثمرين.
إن الاستقرار يولد الاستقرار وإذا أمكن تحقيق الاستقرار وتعزيزه بشكله الأكثر نقاء وشمولية، عندها يمكن أن يكون هناك وضع يخرج منه الجميع فائزاً بالنسبة للأطراف المسؤولة في صناعة النفط.
لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الالتزام واسع الانتشار والمطبق من قبل الصناعة ككل، بنظام السوق واستقراره.
وأدركت "أوبك" منذ فترة طويلة، أهمية تبني منهج متعدد الأطراف إزاء مخاطبة القضايا الرئيسية، بما في ذلك، الحوار والتعاون مع الأطراف الأخرى، المعنية والمؤثرة، وهذا ينطبق على الأمور المباشرة لصناعة النفط والمجالات الأساسية ذات العلاقة، مثل الحماية البيئية والتنمية المستدامة.
الاستراتيجية طويلة الأجل تضع الأمور على النحو التالي: يجب توسيع وتعميق الحوار بين المنتجين، وبين المنتجين والمستهلكين لتغطية قضايا أكثر ذات اهتمام مشترك مثل أمن الطلب والعرض، واستقرار السوق والاستثمار في المرحلتين الأولى والثانية من الصناعة النفطية والتكنولوجيا.
ويجب المبادرة أو تكثيف الحوار مع جميع الدول، المنتجة والمستهلكة على حد سواء، والمجموعات الإقليمية ومؤسسات الأمم المتحدة ومنتدى الطاقة العالمي ووكالة الطاقة الدولي .. إلخ. ويجب أن تتواصل مشاركة المنتجين الآخرين في الاجتماعات الوزارية لـ "أوبك" كمراقبين، مع توسيع محتمل للعضوية في المنظمة بما فيها العضوية المشاركة.
ومنذ أواخر القرن العشرين تحققت خطوات كبيرة في مجال الحوار والتعاون، شجعتها "أوبك"، وغطت سلسلة واسعة من القضايا.
وكان هذا ضرورياً في عصر يتصف بالعولمة وانتشار التجارة العالمية والاتصالات الفورية والأسواق المالية المترابطة والتكنولوجيا المتقدمة بسرعة والانتقال الأكبر – حيث يوجد مستوى أكبر من الاعتماد المتبادل بين الدول في كل أنحاء العالم.
وفي الحقيقة فإن الدراسات التي أجريت في السكرتارية توحي بأنه سيكون هناك اعتماد متبادل أكبر في المستقبل، ومثال ذلك فإن توقعاتنا المرجعية تشير إلى أن التجارة في منتجات النفط الخام والنفط يتوقع أن تزداد بأكثر من 25 في المائة خلال السنوات حتى 2020 فقط، من حيث الحجم، ويشترك المزيد من الأطراف أيضاً: شركات النفط العالمية، شركات النفط المحلية، مرافق التوزيع والنقل، والتجار والمؤسسات المالية، وغيرها.
ويتم جر الدول النامية باستمرار إلى سلسلة التزويد الكاملة، محلياً وعالمياً، لذلك يتوقع من نظام الطاقة، الذي أصبح عالمياً بدرجة كبيرة، أن يصبح أكثر عولمة وتعقيدا وترابطاً في المستقبل.
والطلب العالمي على الطاقة ازداد في الواقع بأكثر من الضعف منذ عام 1970، وتظهر توقعاتنا حتى عام 2030 أن الطلب سيظل يزداد بنحو 1.7 في المائة سنويا، بالمعدل، حتى يرتفع بأكثر من 50 في المائة خلال هذه الفترة وهي تبرز أيضاً أن أنواع الوقود الأحفوري ستظل توفر أكثر من 90 في المائة من إجمالي احتياجات العالم من الطاقة التجارية مع بقاء النفط المصدر البارز في مزيج الطاقة العالمية، بحصة تبلغ 36 في المائة.
لهذا، وفي ضوء التحديات الرهيبة والفرص التي تواجهنا جميعا في الصناعة، فإننا نرحب بالتقدم الذي تحقق في الحوار والتعاون في السنوات الأخيرة، والذي شمل اللاعبين الرئيسيين من كل الأطراف، والمأسسة المتزايدة لمثل هذه العمليات.
إن تأسيس الهيئة المتخصصة على مستوى وزاري من المنتجين والمستهلكين، منتدى الطاقة الدولي، مثال رئيسي لهذا الأمر، ولعبت "أوبك" دوراً مهماً في تطويره خلال العقد ونصف العقد الماضيين، وأحد نشاطات المنتدى الرئيسية مبادرة بيانات النفط المشتركة – والتي شكلت من ست منظمات دولية بما فيها "أوبك" – يقوم فعلا بتحسين تدفق إحصائيات النفط الشفافة والموثوقة ضمن الصناعة.
وما يتصف بأهمية خاصة، بمناسبة القمة الثالثة لرؤساء دول "أوبك"، التشكيل الأخير لسكرتارية المنتدى في الرياض، حيث يمكن أن يستفيد من العمل في قلب واحدة من المناطق الرئيسية المنتجة للنفط في العالم، وبما يحيط به من بنية تحتية راسخة جداً والدعم السخي من الدولة المضيفة، السعودية.
وقامت "أوبك" أيضاً بتوسيع وتعزيز الحوار مع مناطق الطاقة الرئيسية والدول ولاسيما الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا واليابان، وإضافة إلى ذلك، عقدت سلسلة من الاجتماعات على مستوى رفيع ضمت أعضاء "أوبك" والدول غير المشتركة في "أوبك"، وكان حوار الاتحاد الأوروبي و"أوبك" حول الطاقة، ديناميا، وإضافة إلى ثلاث قمم وزارية، نظمت في الرياض في أيلول (سبتمبر) 2006 طاولة مستديرة مشتركة ذات نتائج جيدة حول ضبط وتخزين الكربون، وكان هنالك أيضا مقترحات لتأسيس مركز لتكنولوجيا الطاقة للاتحاد الأوروبي و"أوبك" إضافة إلى طاولات مستديرة وورش عمل ودراسات مشتركة أخرى، ومع الصين، يجري عقد طاولات مستديرة منتظمة لتبادل الآراء حول "أوبك" وسياسات الطاقة الصينية إضافة إلى نشاطات مماثلة تجري مع اليابان.
ومما لا شك فيه أن مفهوم الحوار والتعاون داخل صناعة النفط العالمية راسخ جداً حالياً، وهذه خطوة كبيرة نحو الأمام إزاء الوضع في أواخر القرن العشرين، وعموماً هنالك إدراك واضح أن الصناعة أحسن حالاً حين يكون هنالك إجماع ضمني، على الأقل حول القضايا الرئيسية التي تهم كل الأطراف – مثل التسعير والاستقرار وأمن الطلب والعرض والاستثمار والقضايا البيئية والتنمية المستدامة.
ومع هذا لا يمكن للمرء أن يحصل على الكثير من عمل جيد، فهنالك دائماً مجال لتعزيز العملية وتبني مجالات أخرى تهم الدول النامية مثلما تهم قطاعات اقتصادية أخرى، التكنولوجيا والبحث والتطوير والتعليم.
وعلى العموم فإن ازدهار الحوار والتعاون في قطاع نفط عالمي والمؤدي بشكل متزايد إلى نهج متناسق لمواجهة التحديات التي تواجهنا جميعا، سيكون فقط جيداً لمستقبل الصناعة ولنظام واستقرار سوق مستدام في السنوات المقبلة.
- الأمين العام