مطلوب خريطة طريق جادة لاجتثاث الفقر من العالم
مطلوب خريطة طريق جادة لاجتثاث الفقر من العالم
أكد سليمان الحربش مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية، أن المشكلة الرئيسية التي تواجه العالم تتمثل في الفقر، والفجوة بين الشمال والجنوب آخذة في الاتساع، ما يجعل العالم ككل غير مستقر، مطالباً المجتمع الدولي بوضع خريطة طريق جادة لاجتثاث الفقر من جذوره، إذا كان جادا في المضي قدما نحو تحقيق التنمية المستدامة وأهداف الألفية الثالثة.
و أكد أن أحد التحديات التي تواجه الصندوق يتمثل في الصورة التي يجب أن تظهر بها المؤسسة وشهرتها، خصوصاً أن الكثير من الناس يجهلون طبيعة الأنشطة التي يقوم بها الصندوق وليس سراً إذا قلت إنه حتى الناس الذين يتبعون الدول الأعضاء في الصندوق ليست لديهم معرفة كاملة بخط عملنا أو بكيفية قيام الصندوق بأنشطته أو تجميع موارده، من أجل ذلك كان أحد أهم الأولويات العمل على إخراج الصندوق من "شرنقة الغياب الإعلامي" الذي يلفه وإبراز دوره، فقمنا بحملة إعلامية نشطة وفعالة خلال الاحتفالات بالذكرى الـ 30 لتأسيسه في بداية عام 2006.
ولتعريف الناس بالصندوق وإبرازه إلى أبعد حد ممكن، يقول الحربش "نظمنا ولأول مرة معرضاً دولياً للشركات، وتبع ذلك معرض للفنون تمكن من خلاله موظفونا وأفراد أسرهم من عرض ما جادت به مواهبهم الفنية، وتم إنتاج فيلم وثائقي وأطلقنا الجائزة السنوية للصندوق مكافأة للإنجازات التي يتم تحقيقها على صعيد التنمية.
إضافة إلى ذلك تم إطلاق برنامج المنح الدراسية دعماً للطلبة في السنة الأخيرة من المرحلة الجامعية الأولى في البلدان النامية وتمكينهم من متابعة تعليمهم العالي.
وعلى الصعيد الإعلامي أوضح الحربش أنهم نظموا العديد من المقابلات واللقاءات في المحطات التلفزيونية الإقليمية وفي العديد من الصحف، إضافة إلى إنتاج مطبوعات خاصة كمطبوعة Making a Difference – صندوق أوبك للتنمية الدولية والحرب على الفقر، وغير ذلك من المطبوعات، وبالفعل بدأت مجهوداتهم تثمر كما يقول لأن الشريحة التي يستهدفونها من الناس أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً بالدور الذي يلعبه الصندوق، وأصبحت أكثر معرفة بالرسالة النبيلة التي تضطلع بها هذه المؤسسة.
وأوضح الحربش أن الهدف من وراء هذه الخطوات إخراج الصندوق إلى دائرة الضوء ليحتل موقعه كعضو مسؤول ومهم وقيم في المجتمع الدولي، وكذلك إيجاد هوية دولية إيجابية للصندوق، للبرهنة على التزامه إزاء الجهات المستفيدة منه وإزاء البلدان الأعضاء فيه والتعريف بهذا الالتزام، ولا ننسى الجانب المتعلق بتعريف الناس بالصندوق ودوره، وسجل أدائه وإسهامه في التنمية.
وعزا سبب الجهل الواسع لدى الناس بالصندوق، إلى الشهرة التي تحظى بها منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، فـ "أوبك" مؤسسة اقتصادية تتعامل بسلعة استراتيجية هي النفط، ولكنها منخرطة أيضا في مهمة ينظر إليها بعين التقدير: مهمة محاولة العمل على استقرار السوق النفطية لصالح الدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء، مع الوضع في الاعتبار أن "أوبك" نفسها ظلت لعدة سنوات بعد تأسيسها غير معروفة، كما أن هذه المنظمة النفطية لم تحتل العناوين الكبرى في وسائل الإعلام حتى أحداث عام 1973، ولم يدرك الناس أن هناك مثل هذه المنظمة حتى أواسط سبعينيات القرن الماضي. أما الآن، وفي ضوء تطور سوق العقود الآجلة والمتداولين فيها، فأصبحت تحظى بتغطية إعلامية واسعة وعادت تتصدر النشرات الإخبارية.
إن الصندوق يحظى بدعم دوله الأعضاء لكنه يواجه مشكلة ازدياد الطلب على موارده المحدودة بشكل مستمر، وتتمثل وظيفة المؤسسة في إطلاع العالم كيف تمكن الصندوق في ثلاثة عقود من تغيير حياة ملايين الناس إلى الأفضل، وكيف تم تشييد العديد من الطرق والمستشفيات والمدارس والصناعات والبنى التحتية في كثير من البلدان.
ونوه إلى أن النجاح كان حليف جهود الصندوق الرامية إلى تجميع مخزون هائل من ذوي الخبرات والمهارات في الدول الـ 20 المستفيدة من خدماتنا، وذلك عبر سنوات من الانخراط في هذه الأعمال ومن خلال الاستثمارات، وقد تمخض انخراطنا، وهذه حقيقة بالغة الأهمية - عن نتائج ممتازة في كثير من البلدان في آسيا، وإفريقيا وأمريكا الجنوبية،
وأشار أن إنجازات الصندوق لا يمكن قياسها بالنواحي المالية، إذ إن إنجازاتنا العظيمة تأتي من مساعدة التلاميذ في القرى النائية في آسيا أو إفريقيا وتمكينهم من تلقي التعليم اللائق، ومن تقديم الرعاية الصحية الأساسية لمحاربة الأمراض، ومن بناء الجسور التي تربط بين المدن أو بين الدول.
وبين أن إيجاد هذه المؤسسة يأتي كدليل على "الإدارة السياسية" للدول الأعضاء في "أوبك" لتقديم المساعدة، مع الوضع في الاعتبار أنه من غير المتوقع أن يكون إسهام بلد مثل نيجيريا أو اندونيسيا على سبيل المثال، مضاهيا بإسهام بلد كالسعودية، إذا علمنا مستوى دخل الفرد فيها.
وحدد مدير عام "أفيد" آلية توجيه التبرعات والمساعدات للدول المستهدفة في برنامج خاص يعمل بموجبه الصندوق، ولا يقتصر على التبرعات بل تتوزع أنشطتنا على أربعة مجالات رئيسية:
المجال الأول: هو القطاع العام، ويمثل هذا القطاع النشاط الرئيسي لمؤسستنا، حيث يتم تقديم القروض الميسرة لمشاريع القطاع العام، ومنها بناء المدارس والمستشفيات، وإنشاء الطرق والسدود، ويستحوذ هذا على جل أنشطتنا ويتم القيام به عبر قاعدة معينة يعمل البنك الدولي بموجبها، حيث يتم تقسيم الدول إلى دول متدنية الدخل وأخرى متوسطة الدخل، فأما الدول متدنية الدخل فهي الدول التي لا يتعدى دخل الفرد فيها إلى 900 دولار أمريكي، أما الدول متوسطة الدخل فهي التي لا يزيد دخل الفرد فيها عن ذلك، وعلى الصعيد التراكمي، يذهب 81 في المائة من أنشطتنا إلى الدول ذات الدخل المتدني، وحتى الآن ذهب 50 في المائة من هذه النسبة إلى قارة إفريقيا.
أما المجال الثاني: فيتعلق بالتسهيلات التي يتم تقديمها إلى القطاع الخاص، وقد تم إطلاق هذا البرنامج في عام 1998، وتعتبر هذه التسهيلات نافذة إضافية للمساعدات تكمل البرامج التقليدية لصندوق أوبك للتنمية الدولية دعماً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وللقضاء على الفقر.
وتهدف الاستراتيجية العملية لهذه التسهيلات إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الدول التي تستفيد في العادة من برامج الصندوق، وهذه التسهيلات عبارة عن نافذة تمويل وفقاً للشروط المعمول بها في السوق وتستجيب لطلبات التمويل في البلدان النامية دعماً لاستراتيجيات تنمية القطاعات الخاصة فيها.
فيما يتعلق المجال الثالث بآليات المنح، حيث أن كثير من المشاريع والبرامج التي يقوم بها الصندوق تستكمل عبر المنح التي يتم من خلالها تمويل المساعدات الفنية، والأبحاث والدراسات، وكذلك تقديم المساعدات الإنسانية والطارئة، ويتم صرف المنح على بناء القدرات، والإدارة السليمة للبيئة، ونقل التقنيات والمعرفة المناسبة، وتجدر الملاحظة كذلك، أننا أدخلنا بموجب برنامج المنح التي يقدمها الصندوق "حسابات خاصة" موجهة لمحاربة الفقر وتقديم المساعدات العاجلة للمجالات التي تمس الحاجة فيها من قبيل محاربة مرض الإيدز ( إتش إي في)، وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال.
وفي هذا الشأن كشف الحربش عن إطلاق الحساب الذي خصصه صندوق أوبك للتنمية الدولية لمحاربة الإيدز( إتش إي في) في يونيو 2001 برأسمال أولي قدره 15 مليون دولار، وقد تم تعزيز هذا الحساب على دفعات حتى وصل إلى 50 مليون دولار أمريكي، خصوصاً بعدما أصبحت تعقيدات مرض الإيدز الواسعة - سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي مدمرة بشكل واضح.
كما أن الفئة الأكثر تأثراً به في الغالب هم الفقراء، ومع فقدان الأسر لمعيلها واستنفاد مدخراتها الضئيلة لسداد تكاليف الرعاية الصحية والجنازات، فإن المجتمعات التي تكافح أصلاً من أجل البقاء تواجه أعباءً ومصاعب لا يمكن وصفها.
وأوضح أن التقديرات المتحفظة تبين أن هذا الوباء زاد مستويات الفقر في بعض البلدان بنسبة 5 في المائة، ومن المشاكل التي تنجم عن مرض الإيدز أنه يقلل نسبة النمو ويضعف الحكم الرشيد، ويدمر رأس المال البشري، وينفر من الاستثمار ويتسبب في تآكل الإنتاجية، وفي ظل هذا الوضع، فإنه يعمل ببطء ولكن بالتأكيد على تقويض الجهود التي تبذل لخفض مستوى الفقر وتحسين مستويات المعيشة في بلدان العالم النامي، وهناك تقديرات منذ فترة تفيد أن النمو السنوي لدخل الفرد في نصف بلدان جنوب الصحراء الإفريقية يهبط بنسبة تتراوح بين 0.5 في المائة إلى 2 في المائة نتيجة لمرض الإيدز، وقد تصل هذه النسبة إلى 8 في المائة في بعض البلدان الأكثر تأثراً به بحلول عام 2010.
وبالنسبة لفلسطين، يوجه صندوق أوبك للتنمية الدولية منذ عام 1979 ومن خلال الهيئات المعترف بها دولياً، مساعدات مالية للمشاريع ذات الأهداف التنموية طويلة المدى، من قبيل تقديم التدريب المهني، وتجهيز نظام الرعاية الصحية وتحسين إمدادات المياه.
وقام الصندوق كذلك بتقديم المساعدات المباشرة فيما يتعلق بالإمدادات الطبية، ورعاية البرامج الاجتماعية لمساعدة النساء والأطفال الذين هم في أمس الحاجة إلى ذلك. ويظل حساب المنحة الخاصة بفلسطين قناة مساعدة مهمة تقدم العون لمن يعانون العوز والفقر وتشجع النمو المستدام على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في تلك المنطقة. ويجري التخطيط باستمرار وتمويل مشاريع جديدة لتعزيز فرص الشعب الفلسطيني في مستقبل أكثر أماناً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
ويتمثل المجال الرابع في تسهيلات تمويل التجارة، فمن خلال الانخراط في مجال تمويل التجارة، سيقدم الصندوق آلية تمويل تقوم الحاجة إليها ومقدوراً عليها لمساعدة الدول الأعضاء في مجال النمو الكلي والتنمية الاقتصادية، وسيعزز هذا البرنامج قاعدة منتجات الصندوق الحالية ويزيد من شهرته وبروزه مع الوقت ليصل عدد الدول الأعضاء المشاركة فيه إلى ما بين 40 و50 بلداً.
وأضاف أن عمل صندوق أوبك للتنمية الدولية شبيه بما يعمله البنك الدولي، وبنوك التنمية الإقليمية، وغيرها من المؤسسات المشابهة والهيئات التابعة للأمم المتحدة في آسيا، وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما أن الصندوق مؤسسة تنموية، وهذه المؤسسات تتم إدارتها من قبل وزراء تناط بهم مسؤولية القيام بهذه الأنشطة في بلدانهم سواء أكانوا وزراء مالية، كما هي الحال في أغلبية الدول الأعضاء، أو وزير التخطيط، كما هي الحال في فنزويلا.
وأفاد أن ما يقوم به الصندوق بصورة غير مباشرة الإسهام في تحقيق السلام والرخاء، والأهداف الاستراتيجية التي نرمي إليها من وراء مشاريع الصندوق وبرامجه والمتمثلة في القطاع العام، والقطاع الخاص والمنح وتمويل التجارة التي تم اعتمادها من قبل المجلس الوزاري للصندوق في مدينة جدة في يونيو 2006، أما بالنسبة للقطاع العام، فإننا نقدم الآن قروضاً ميسرة للبلدان ذات الدخل المتدني، وهذه القروض تقدم بتكلفة متدنية جداً وتصل مدة السداد إلى 20 سنة منها خمس سنوات سماح، ولو قمت بحسبة بسيطة لوجدت أن عنصر المنحة يشكل نسبة كبيرة من تلك القروض.
وأكد أن التعاون هو شعار الصندوق وكلمة السر للنجاح بأقل المخاطر من خلال توحيد الموارد والجهود الجماعية، فالصندوق ملكاً لمجموعة من الدول النامية، كذلك الدول المتقدمة تقوم بدور بناء في مساعدة الدول الفقيرة، ولكن بالنظر إلى المرجعية لتقديم المساعدات هي تقديم 0.7 في المائة من الدخل المحلي الإجمالي، فإن غالبية الدول المتقدمة، بل جميعها متأخرة عنها، لأنها تقدم 0.2 و 0.3 و0.4 في المائة من الدخل المحلي الإجمالي.
وأضاف أنه إذا تمت مقارنة ذلك بالدول الأعضاء في منظمة أوبك على أساس فردي، في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي، لوجدت أن السعودية قد قدمت 4.2 في المائة من دخلها المحلي الإجمالي، وإذا قسمت 4.2 في المائة على نسبة 0.7 يكون الناتج أكثر من خمسة أو ستة أضعاف ما هو متوقع من الدول المتقدمة.
كما تسهم الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى – بنسبة أكبر من دخلها المحلي الإجمالي من النسبة التي تقدمها الدول الصناعية. وهنا لابد من التوضيح أن "أفيد" لا يتنافس مع الدول الصناعية والمتقدمة بشكل مطلق بل بشكل نسبي، وهذا شيء من المهم أن يكون مفهوماً.
وعلى سبيل المثال، فإن ما تم تقديمه من مساعدات في كارثة تسونامي، بناء على دخل الفرد في دول الصندوق، يكون الفرد الواحد قد قدم 43 دولاراً، مقارنة مع 1.2 دولار للفرد في بعض الدول الصناعية.
بالنسبة لتحقيق أهداف الألفية يلاحظ أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين شخص يموتون سنوياً بسبب وباء الإيدز هي شهادة على الفشل في تحقيق الأهداف المرجوة.
من أجل ذلك ينبغي التعامل مع تحقيق أهداف الألفية خطوة بخطوة، كما أن التنمية ليست إصلاحا سريعاً للوضع أو وصفة سحرية، إنها تتطلب دعماَ من قاعدة عريضة للصمود أمام التحديات، وليس هناك من وكالة أو مؤسسة بمفردها تستطيع أن تدعى أنها البلسم الشافي لجميع المشاكل الاقتصادية.
وطالب الحربش بضرورة أن يقوم العالم بتعبئة الدعم وتكريس الموارد اللازمة لمحاولة تخفيف المعاناة الإنسانية، وخصوصاً أن المجتمع الدولي في حاجة إلى العمل بشكل جماعي لمعالجة الأسباب الأساسية للتهميش الاقتصادي والإقصاء و"الوهن التنموي".
وشدد الحربش على أن مرض الإيدز يمثل أحد التحديات التي تواجه خطط التنمية لذا كان أحد الأهداف التنموية للألفية التغلب على هذا المرض والقضاء عليه، وكدليل على التضامن مع الحرب العالمية على مرض الإيدز، حضر صندوق أوبك للتنمية الدولية المؤتمر الدولي السادس عشر للإيدز الذي عقد في مدينة تورونتو- كندا في أغسطس من العام الماضي، وأعاد الحربش إلى الأذهان أن الهدف الأساسي للصندوق هو الإسهام في إعادة تأهيل البنى التحتية وغيرها من شرائح القطاع العام.
وأوضح أنه لا ينبغي أن يفهم خطأً أن الصندوق يقلص من مسؤولياته، بل إننا ندرس آليات مبتكرة لتقديم العون المالي والمساعدة المادية، وتحديد أفضل الاستراتيجيات والخطط الكفيلة التي تمكننا من مواجهة الثغرات المالية المحسوبة التي يمكن أن تؤثر سلباً في حملتنا الرامية إلى محاربة العوز والتخلف.
وحول الدور الذي يمكن أن يؤديه الصندوق في تحقيق استقرار سوق النفط، وأمن الإمدادات والطلب أكد سليمان الحربش أن صندوق أوبك للتنمية الدولية ليس صندوقاً للطاقة، ولكننا أنفقنا في العقود الثلاثة الماضية نحو 20 في المائة على مشاريع الطاقة في البلدان المستفيدة.
وأضاف أنه حين نتحدث عن الطاقة على المستوى العالمي، فإنك تشير إلى أمن الطاقة باعتباره الإمدادات، ولقد حدث تحسن هائل في هذا الموضوع، فقبل عشر سنوات، كان الحديث يدور حول أمن الإمدادات فقط، ولم يكن أحد يتحدث عن أمن الطلب، بل كان أمن الإمدادات القضية الوحيدة المنظورة وذلك نتيجة أحداث عام 1973، أما الآن فإمدادات النفط أصبحت الآن أكثر أمناً من ذي قبل، والبلدان الأعضاء في منظمة أوبك تقوم ببناء المصافي وبتنويع منافذ البيع وبناء ناقلات النفط لنقله إلى مختلف أنحاء العالم، كما تقوم بتخزين النفط في مواقع قريبة من الأسواق لضمان عدم توقف إنتاج النفط، إن البلدان المنتجة للنفط تبذل كل ما بوسعها لتأمين استمرار إمدادات النفط الخام.
وأوضح أن ما يقلق هذه البلدان في الوقت الحاضر فهو أمن الطلب الذي تتهدده عوامل عديدة، ذلك أن البلدان المستهلكة تريد من الدول المنتجة أن تخصص مليارات الدولارات لزيادة الطاقة الإنتاجية. ثم تقول إنها ستعمد لدواع أمنية إلى تقليص طلبها من بعض الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط خلال فترة تتراوح من 10 إلى 15 سنة، وهذا يبعث برسائل متعارضة للدول المستهلكة وللدول المنتجة على حد سواء.
وفي هذا الشأن فإن المملكة العربية السعودية تسلمت زمام الأمور في إقامة ومأسسة حوار بين المنتجين والمستهلكين، من خلال المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز الداعية إلى إنشاء منتدى للطاقة له أمانة عامة دائمة مقرها في الرياض حالياً، ويجتمع هذا المنتدى مرة كل عامين، حيث يعتبر أحد الآليات لتعزيز التعاون بين مستهلكي ومنتجي الطاقة، وتسليط الضوء على القضايا الملحة التي تعوق مثل هذا التعاون.
بيد أن الصندوق يساعد في مشاريع الطاقة مثل الغاز الطبيعي، وإنشاء طاقات التخزين، ومن أجل ذلك تم إنشاء مرفق تمويل التجارة الذي من شأنه المساعدة في تصدير واستيراد المنتجات، حيث يصدر الصندوق خطابات اعتماد أو ضمانات في الوقت الراهن، لمساعدة الدول النامية بتكاليف متدنية، خصوصاً أن بعض الدول التي يتعامل معها الصندوق لا تملك بالفعل تصنيفاً ائتمانياً، وفي هذا الإطار تمت الموافقة على مشروعين أو ثلاثة مشاريع خلال اجتماع مجلس المحافظين في ديسمبر من العام الماضي، وكان أحدها يتعلق بتجارة النفط إلى جزر سيشيل.
وفي تصور الحربش فإن المشكلة الرئيسية التي تواجه العالم هي الفقر، الأمر الذي يؤدي إلى عدم استقرار العالم ككل، والمجتمع الدولي متنبه لذلك، ونعمل حالياً على تعزيز الموارد، وخلق المزيد من الوعي بين الحكومات، وبين الناس، لتحقيق أهداف الألفية الثالثة على مراحل، ولكن المشكلة لا تزال تؤرق المجتمع الدولي، إذ تمثل إفريقيا أعظم وأفظع تجسيد للفقر.
وأضاف أن الوضع السياسي يعتبر عاملا أساسيا آخر لعدم الاستقرار، وذلك بسبب نقص المساعدات من قبل الدول العظمى، ولعل القضية الفلسطينية أكبر مثال على هذا، فكيف يمكن الحديث عن التنمية المستدامة بينما لا يعرف الأطفال في فلسطين ما إذا كانوا سيكونون على قيد الحياة في اليوم التالي.
فالتنمية المستدامة ليست معنية فقط بالطاقة، والطعام، والمياه، حيث هناك كثير من الناس الذي لا يشعرون بالأمن، إضافة إلى أنهم مشردون، وأمامهم حواجز تمنعهم من التحرك بحرية.
إن دول العالم مطالبة بصياغة خريطة طريق عملية لاجتثاث الفقر، وأن تلك الخريطة أمر لا مفر منه إذا كنا حريصين على تحقيق الأهداف التنموية للألفية، كما أنه لا يمكن أن نستغني عن حشد الدعم العالمي، وتكريس الموارد لمحاولة تقليص المعاناة البشرية، وفي هذا السياق أشار الحربش إلى كلمة رئيس البنك الدولي مؤخرا التي طالب فيها الدول والجهات المانحة أن تحول وعودها إلى برامج ملموسة.