رابطة الجامعات البحثية الأمريكية

رابطة الجامعات البحثية الأمريكية

رابطة الجامعات البحثية الأمريكية

بعد مقالتي السابقة، وردني العديد من الرسائل التي تؤيد التوجه نحو تفعيل الجانب البحثي في الجامعات وأهمية التجمعات البحثية لتحقيق النجاحات العلمية المتقدمة. وبعض القراء رغم تأييدهم لهذا التوجه، إلا أن قلة منهم علق بأن التجمعات البحثية للجامعات توجه جديد في العالم. ولعلي أختلف مع هذا الطرح، فأول تجمع يسعى للتعاون المعرفي بين الجامعات كان "رابطة الجامعات الأمريكية AAU" التي تأسست عام 1900، أي في مطلع القرن الماضي، حيث تجاوز عمرها الآن قرناً كاملاً. وبلغ عدد أعضاء هذه الرابطة عند إنشائها "14 جامعة أمريكية"، من الجامعات التي تهتم بالبحث العلمي، ولديها برامج لمنح درجة الدكتوراه. ويبلغ عدد أعضاء هذه الرابطة في الوقت الحاضر "62 جامعة"، بينهم "60 جامعة، من الولايات المتحدة الأمريكية"، إضافة إلى "جامعتين كنديتين". ويقع المقر الرئيس لهذه الرابطة في العاصمة الأمريكية واشنطن. ولعله من المناسب أن نُلقي الضوء فيما يلي على هذه الرابطة ونشاطاتها بهدف توضيح خبرات الآخرين والاستفادة منها في تطوير البحث العلمي الجامعي ومؤسساته.
شملت الجامعات الأولى المؤسسة "لرابطة الجامعات الأمريكية AAU" جامعات حكومية، وجامعات خاصة. وتضمنت الجامعات الحكومية كلاً من: جامعة "كاليفورنيا، بركلي"؛ وجامعة "ميتشغان، آن آربر"؛ وجامعة "وسكنسون-ماديسون". أما الجامعات الخاصة فشملت جامعات: "كولومبيا"؛ و"كورنيل"؛ و"هارفارد"؛ و"جونز هوبكنز"؛ و"برنستون"؛ و"ستانفورد"؛ و"شيكاغو"؛ و"بنسلفانيا"؛ و"يل". وكان هناك بين الأعضاء المؤسسين، جامعتان أخريتان، خرجتا فيما بعد من عضوية الرابطة هما: "جامعة كلارك" التي خرجت عام 1999، بسبب تغير سياستها التعليمية؛ و"الجامعة الكاثوليكية الأمريكية" التي خرجت عام 2002 بسبب تغير توجهاتها.
تقبل الرابطة في عضويتها الجامعات "الملتزمة بنظام أكاديمي مرتفع الجودة تعليمياً وبحثياً"، على أن تكون قادرة أيضاً على "المحافظة" على هذه الجودة. ويتلقى أعضاء الرابطة دعماً كبيراً من الحكومة الفيدرالية الأمريكية. وقد وصل هذا الدعم إلى "15.9 بليون دولار" عام 2004، وتبلغ نسبة هذا الدعم من كامل الدعم الذي تُقدمه الحكومة لجامعات التعليم العالي وكلياتها نحو "58 في المائة". وتجدر الإشارة إلى أن العدد الكلي لمؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة يتجاوز "أربعة آلاف" مؤسسة. كما أن بين هذه المؤسسات ما يقارب "125 جامعة أمريكية" تُقيّم عادة على أنها جامعات بحثية. لكن عدد أعضاء الرابطة لا يتجاوز نصف هذا العدد.
وتُعد عضوية أي جامعة في هذه الرابطة مصدر فخر لها، إضافة بالطبع إلى تمكينها من الإسهام في نشاطات الرابطة ومُنجزاتها. ولكي تنضم أي جامعة إلى هذه الرابطة، لا بُد أن تُدعى إلى ذلك، وتتم هذه الدعوة بموافقة أكثرية كبيرة من الأعضاء، حيث لا تقل هذه الأكثرية عن ثلاثة أرباع الأعضاء. وتتم مثل هذه الدعوات كل حوالي ثلاث سنوات، ولا تُعطى إلا إلى الجامعات واضحة التميز. ومن الجامعات التي انضمت إلى هذه الرابطة حديثاً، أي بعد التحول إلى القرن الحادي والعشرين، "جامعة ولاية نيويورك، ستوني بروك"، و"جامعة تكساس A&M" الحكوميتان. وهناك "48 جامعة مرموقة" انضمت إلى الرابطة على مدى القرن العشرين، أي بين تأسيس الرابطة عام 1900، ونهاية القرن العشرين عام 2000، أي بمعدل لا يتجاوز جامعة واحدة كل سنتين.
تقوم الرابطة بمهمتين رئيستين. ترتبط المهمة الأولى بقضايا السياسة الوطنية: للبحث العلمي في الجامعات، والدراسات العليا، والتعليم المرتبط بالتطوير المهني. أما المهمة الثانية فتتعلق بطرح قضايا التعليم الجامعي ومؤسساته للنقاش على نطاق واسع، وتحفيز الأفكار والآراء بشأن تطويره نحو الأفضل. ومن أجل تنفيذ هاتين المهمتين، تعقد الرابطة لقاءين سنويين، وتشكل لجانا مختلفة توكل إليها أعمالا محددة. وبعض هذه اللجان تتمتع بطبيعة دائمة، وتهتم بقضايا مستمرة؛ وبعضها مؤقت يختص بدراسة موضوعات محددة تبرز بين الحين والآخر.
تشمل لجان الرابطة الدائمة: لجنة تختص بالقضايا الأكاديمية وشؤون التعليم الجامعي؛ ولجنة تختص بشؤون الدراسات العليا وبرامج الدكتوراه؛ ولجنة تختص بشؤون البحث العلمي؛ ولجنة أخرى تهتم بقضايا إدارة البحث العلمي والدعم الخارجي؛ ولجان للعلاقات الخارجية، بما في ذلك العلاقات العامة والعلاقات الفيدرالية؛ إضافة إلى عدد من اللجان الأخرى. وتتعاون هذه اللجان على تحقيق مهمات الرابطة، ويجري تنسيق جهودها ومنجزاتها، من خلال اللقاءات نصف السنوية التي تعقدها الرابطة.
لا شك أن تجمع الجامعات البحثية المتميزة الأمريكية قد أعطى الولايات المتحدة وسيلة مبكرة للتفوق المعرفي من خلال هذه الجامعات. ومع تزايد تحديات مجتمع المعرفة في القرن العشرين، وبروز الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي، أنشأت الجامعات البحثية الأوربية المتميزة، عام 2002، تجمعاً خاصاً بها هو "رابطة الجامعات الأوربية البحثية LERU". وقد تحدثنا عن هذه الرابطة في مقالة سابقة؛ وهي رابطة فيها بعض أوجه الشبه من "رابطة الجامعات الأمريكية AAU" المطروحة هنا.
إن ما أريد التأكيد عليه في هذا السياق أن الدول المتقدمة، خصوصاً في عصر التوجه نحو مجتمع المعرفة، لا تكتفي بإنشاء جامعات بحثية متميزة، بل تسعى أيضاً إلى ربط هذه الجامعات من أجل الاستفادة منها بشكل مُتكامل. فمثل هذا التكامل يعزز فكرة "المؤسسة المعرفية القادرة على التعلم" حيث تتعلم كل جامعة متقدمة من أخواتها، بما يؤدي إلى تطورها؛ كما يدعم في الوقت نفسه مبدأ الانتقال من "الجمع الحسابي إلى الأثر التراكمي"، بمعنى أن "واحد زائد واحد"، لا يُعطي تأثير اثنين، بل "أكثر من ذلك" بكثير.

[email protected]

الأكثر قراءة