التدوين.. مقبرة النص
التدوين.. مقبرة النص
يشتكي الكثير من الشعراء من وجود كمّ كبير من المطالع التي لم تكتمل، وعند السؤال عن السبب يقولون إن وسائل الاتصال الحديثة هي السبب الأوّل في كثرة هذه المطالع وقلِّة النصوص المكتملة، فرسائل الجوال القصيرة ومدونات الإنترنت وأقسام التدوين في منتديات الشعر، كلها كانت سبباً مباشراً في تركيز الشاعر على صياغة بيتين أو ثلاثة على الأكثر وتدوينها بشكل سريع ليتلقى بعدها الشاعر الانطباع السريع الذي يأتي كسهم الموت للحظة الكتابة التي انتظرها الشاعر طويلاً، فيخنقها التدوين وتطفئها انطباعات الأصدقاء والأحبة، أذكر أن الشاعر سعد الحريص قال في أحد لقاءاته أن الشاعر يجب أن يحتفظ بمطالعه لنفسه حتى تكتمل، وإلاّ فإنه سيفقد لحظة الكتابة بعد أن يتلقى الانطباع الأول، كان سعد الحريص يتحدث قبل موجة التدوين التي يصل فيها بعض الشعراء إلى أكثر من 30 مطلعاً تبقى غالباً كما هي، وفي بعض الأحيان يكملها بنفسٍ أقل قوّة وحميمية مع ما يكتبه، وفي المدونات وأقسام التدوين في المنتديات يسعى أغلب الشعراء والكتاب أيضاً إلى الوصول إلى أكبر كمّ ممكن من القراءات التي باتت تشكّل هاجساً كبيراً وغريباً في الوقت نفسه لهم، فالمدوّنة أو المتصفح الذي يحوز القراءة الأعلى هو في نظرهم المتصفح الأجمل، ما جعل المسألة تصبح ساحةً تنافسية أخرى، هذه التنافس المحموم والغريب أنتج أبياتاً غاية في التسطيح والمباشرة لا يبحث الشاعر عند كتابتها عن أكثر من جلب قرّاء سذج لمتصفحه لأنهم الأكثر دائماً وصانعو الشهرة الأكثر قدرة وتنفّذاً من كل المهارات والعلاقات و الطبخات الإعلامية، قد لا تبدو المسألة مهمّة للغاية، فالشعر أصلاً ليس مهماً للغاية، ولكن من ينظر للمستقبل القريب للنص المحكي يعلم جيداً أنه مقبل على مرحلة تكثيف التكثيف، وهي مرحلة ستكون مواكبة لعصر سرعة السرعة التي يبشّرون بها هذه الأيام، والمشكلة –أيضاً- ليست هنا، فالشعر شعر ولو لم يكن إلاّ في بيتٍ واحد، ولكن المشكلة حين يكون الشعر مكثفا جداً وسريعا جداً وتافها جداً.