السكري يقتل 200 ألف سعودي ويستنزف 6 مليارات ريال سنويا

السكري يقتل 200 ألف سعودي ويستنزف 6 مليارات ريال سنويا

تجتاح العالم موجة سكرية عظيمة لم تستثن قارة أو دولة أو مجتمعا، حتى أن المنظمات العالمية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية دقت ناقوس الخطر نتيجة لارتفاع معدلات الوفاة والمرضى من مضاعفات هذه الداء التي أرهقت الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول وخصوصا النامية منها.
ولكون هذا الداء مصاحبا للمريض طوال فترة حياته جاءت آثاره النفسية والاجتماعية جلية على مستوى الفرد المصاب والأسر المشتملة على أفراد مصابين.
ويقول لـ "الاقتصادية" د. خالد الربيعان استشاري الغدد الصماء والسكري ومدير المركز الجامعي للسكري بجامعة الملك سعود إن داء السكري من حيث انتشاره على المستوى العالمي قد جاوز ما كان معروفا سابقا وهو 5 في المائة ليستقر عند 7 في المائة أي بمعدل ارتفاع 1 في المائة كل عشر سنوات.
ويضيف د. الربيعان أن حال هذا المرض في مجتمعاتنا العربية أسوأ بكثير، حيث إن معدل الارتفاع العالمي كل عشر سنوات هو المعدل السنوي في المجتمعات الخليجية. فمعدل الإصابة في السعودية قبل ما يزيد على ثلاثين سنة كان 2.2 في المائة وقفز هذا المعدل إلى 5 في المائة بعد عشر سنوات، ثم قفز مرة أخرى ليصبح 12.3 في المائة بعد عشر سنوات أخرى أي في عام (1995م). وأما في آخر دراسة منشورة عن داء السكري في المجتمع السعودي فقد أصبحت نسبة الإصابة بالسكري 24.7 في المائة، ومن ذلك يتحقق أن معدل الزيادة السنوي للمصابين بداء السكري في المجتمع السعودي هو 1 في المائة تقريبا.
وعن الآثار المترتبة على ارتفاع هذه النسب يوضح الدكتور الربيعان أن تلك الآثار تتمثل في جوانب عديدة من الصحة البدنية والصحة النفسية والصحة الاجتماعية إضافة إلى الأثر الاقتصادي لداء السكري فإنه يمكن إجمال ذلك فيما يلي:
أولا: الصحة البدنية:
إن لداء السكري مضاعفات حادة ومزمنة ذات أثر مباشر على صحة الفرد, وتتمثل الآثار الحادة في حالات ارتفاع وانخفاض حاد في معدل سكر الدم، والتي قد تتسبب بحالات الوفيات. إلا أن أكثرها المضاعفات المزمنة، حيث إنه في المجتمع السعودي يتسبب داء السكري في 39 في المائة من حالات اعتلال الشرايين، ويعاني 12 في المائة من مرضى السكري من اعتلال الكلى المسبب للفشل؛ بل يعتبر المسبب الأول للفشل الكلوي في المملكة. كما أن 7 في المائة من المرضى مصابون باضطراب النظر المسبب للعمى، ويتسبب السكري بوفاة 9 في المائة من مرضاه سنويا (أي: ما يزيد عن 200 ألف مريض سنويا)، حيث تشكل أمراض القلب الوعائية المسبب الرئيسي للوفاة بمعدل حدوث يصل إلى 88 في المائة.
ومن الجدير بالذكر أن السكري هو المسبب الأول لبتر الأقدام في المملكة، ويكشف السجل الوطني لداء السكري عن أن 2 في المائة من مرضى السكري السعوديين قد أصيبوا بحالات تقرح القدم السكري التي تؤدي في أغلب الحالات إلى البتر.
ثانيا: الصحة النفسية:
يؤثر السكري منذ اكتشافه في الحالة النفسية للمريض حيث كشفت العديد من الدراسات أن نسبة الإصابة بالاكتئاب تزيد على 40 في المائة ، وأن 60 في المائة من هؤلاء يعانون حالات الاكتئاب المزمن التي تؤثر في أداء الفرد والناتج الوطني للمجتمع.
وقد كشفت الدراسات المحلية أن المجتمع السعودي السكري يعاني من الاكتئاب بصورة أشد وذلك للنظرة الخاطئة حول هذا الداء لدى العديد من أفراد المجتمع.
ثالثا: الصحة الاجتماعية:
يحمل داء السكري داخل المجتمع السعودي نظرة سوداوية، فالمصابون بهذا الداء يُنظر إليهم اجتماعيا نظرة إشفاق وحذر ولا يوجد تقبل للإصابة أو فهم حقيقي حول هذا الداء، حيث ينظر 67 في المائة من المجتمع السعودي لداء السكري على أنه مرض خطير يؤدي إلى الوفاة مقابل 13 في المائة من المجتمع الفنلندي، و15 في المائة من المجتمع الأمريكي. وهذا عائد إلى النظرة الخاطئة حول هذا الداء في المجتمعات العربية عمومًا والمجتمع السعودي خصوصًا.
رابعا: الأثر الاقتصادي:
يستنزف داء السكري 33 في المائة من ميزانيات الصحة في الدول الأوروبية ويكلف الولايات المتحدة الأمريكية 115 مليار دولار سنويا حسب إحصائية عام 2004م.
وعن التكلفة المباشرة لداء السكري على مستوى المملكة يقول د. الربيعان أنه لا توجد حاليا دراسات ميدانية منشورة بهذا الخصوص، لكنه يضيف أنه باستخدام الطرق الحسابية ذات الدقة العالية فإنه من المتوقع أن يكلف النوع الأول من السكري خزينة الدولة ما يقارب من 1.3 مليار ريال سنويا، في الوقت الذي يكلف فيه النوع الثاني الأوسع انتشارا خزينة الدولة 4.6 مليار ريال سنويا، أي مبلغ إجمالي مقداره 5.9 مليار ريال سنويا كتكلفة مباشرة.
ويضيف: "يكفي لتأكيد هذا الرقم أن نعرف أن مرضى السكري الذين أصيبوا بالفشل الكلوي التام ويحتاجون إلى الغسيل الدموي يبلغ عددهم حاليا ما يقارب أو يزيد عن (3000) مريض حسب تقرير المركز الوطني لزراعة الأعضاء، ويكلف هؤلاء المرضى خزينة الدولة ما يقارب ثلث مليار ريال سعودي سنويا لعملية الغسيل فقط، وهم شريحة بسيطة من العدد الكبير لمرضى السكري في المملكة، أما التكلفة غير المباشرة فبحسابات دقيقة يمكن القول إنها تستنزف ما يقارب (51) مليار ريال سنويا".
ويكشف د. الربيعان أن هذه التكلفة يتشاطرها المواطن والدولة دون أن يشعر أحدهما بذلك.

من جانبه ينبه د. ناصر الداغري مدير وحدة الأبحاث بالمركز الجامعي للسكري إلى أنه لوحظ في السنوات الأخيرة وعبر دراسات عدة ارتفاع نسبة السمنة في المملكة ارتفاعا كبيرا بين الأطفال والمراهقين، حيث بلغت نسبة السمنة في آخر الدراسات التي أجريت بالمركز الجامعي للسكري بجامعة الملك سعود 10 في المائة عند الفئة العمرية التي تتراوح بين (7-18)، وبلغت نسبة السمنة المفرطة 7 في المائة، وعزت جميع الدراسات السبب في ارتفاع هذه النسبة إلى كثرة تناول الوجبات السريعة وقلة الحركة والنشاط البدني.
ويضيف د. الداغري أن من أسباب الإصابة بداء السكري عند هذه الفئة هو التاريخ المرضي لعائلة الشخص، حيث يلعب دورا كبيرا في احتمالية الإصابة به، حيث أشارت بعض الدراسات أن نحو 70 في المائة من الأشخاص الذين لديهم أقارب مصابون بداء السكري يصابون بهذا المرض.
وهناك عوامل أخرى تأتي في المرتبة الثالثة بعد السمنة وتاريخ العائلة المرضي، وهذه العوامل هي الحمل عند النساء، والأصل العرقي، والإصابة ببعض الأمراض. كما أن هناك عوامل إكلينيكية يستطيع الطبيب تحديدها عن طريق إجراء بعض الفحوصات، لكن الأمر المؤكد الذي دلت عليه الدراسة–كما يقول د. الداغري- أن الحساسية من الأنسولين ومقاومة الخلايا له، وعدم قدرة البنكرياس على إفراز الأنسولين أو بالمعنى الأدق إفراز نسبة الأنسولين الكافية لاحتياجات الجسم كلها عوامل تلعب دورا كبيرا في الإصابة بهذا الداء، هذا بالإضافة إلى تأثير عوامل إكلينيكية أخرى مثل تأثير هرمون النمو الذي يلعب دورا مهما في ارتفاع مقاومة الخلايا للأنسولين. وفي نهاية المطاف ومع تقدم العمر لا يستطيع البنكرياس أن يفرز الأنسولين الكافي للجسم فلكل جهاز في الجسم طاقة معينة لا يستطيع أن يتجاوزها، فإذا كان مقدر مثلا لهذا الوزن كمية معينة من الأنسولين للاستهلاك اليومي فإنه مع ازدياد الوزن وارتفاع نسبة الدهون ومقاومة الخلايا للأنسولين بسبب تأثير بعض الهرمونات فإن هذه الطاقة سوف تقل وبالتالي سوف يقل إفراز الأنسولين ويصاب الشخص مع تقدم العمر بداء السكري المزمن.
ويوضح مدير وحدة الأبحاث بالمركز الجامعي للسكري أن داء السكري عن الأطفال والمراهقين يمر بمرحلة تسمى بمرحلة ما قبل الإصابة، ويتم تشخيصه لدى الأطفال والمراهقين من خلال إجراء تحليل لقياس نسبة السكر في الدم، فإذا كانت نتيجة التحليل تقع في آخر معدلات القراءات العادية فإن هذا مؤشر يدل على الإصابة بهذا المرض خاصة إذا كانت نتيجة هذا التحليل مصاحبة للعوامل التي ذكرناها سابقا وهي السمنة وتاريخ المرض عند العائلة، لذلك يشدد د. الداغري على ضرورة إجراء فحص دوري للسكري عند هذه الفئة العمرية المهمة في المجتمع وخاصة لمن يحملون عوامل الخطورة حتى نضمن لهم حياة سعيدة وهانئة وخالية من الأمراض، ويقول : "إن لم نستطع منع هذا المرض بالتثقيف والتوجيه فعلى الأقل يمكننا أن نؤخر الإصابة به، لأن هذه الفترة من العمر هي مرحلة مهمة في حياة الإنسان فهي مرحلة التحصيل والتعلم وبعدها تأتي مرحلة الإنتاج. ولنا أن نتخيل لو كان هذا الطفل مصابا بداء السكري فكيف سيكون تفكيره؟! على أقل تقدير سيكون تفكيره مشتتا بين معالجة هذا الداء وبين التركيز والتحصيل الدراسي بالإضافة إلى ما يسببه له السكري من معاناة حياتية وصحية".
ويضيف أن المنظمة العالمية لداء السكري وكذلك المنظمة الأمريكية لداء السكري شددتا على ضرورة إجراء الفحوصات الدورية وخاصة تحليل السكر أو المسمى بتحليل مقاومة السكر وهو أخذ عينة دم من الشخص صائما وبعد ساعتين من تناول الأكل، أو تحليل مقاومة السكر باستخدام محلول سكر للأشخاص الذين لديهم عوامل الإصابة بالمرض مثل السمنة وتاريخ السكر عند العائلة خاصة القرابة الأولى أو الثانية والمقصود بهم الوالدان أو الأعمام، وهذا الفحص يجب أن يبدأ عند السنة العاشرة للطفل أو في مرحلة البلوغ عند الطفل ويجب أن تستمر هذه الفحوصات بشكل دوري للطفل.

الأكثر قراءة