لماذا يخافون من الشرطة؟

لماذا يخافون من الشرطة؟

"البزة العسكرية" تثير خوف كثيرين ممن لا يلبسونها بالتأكيد، إلا أننا نفهم لم يخاف الكبير من "الشرطة" عندما يفعل ذلك، فهو إما فعل "مصيبة" ما وخالف القانون، أو هو مريض نفسي يعاني فوبيا معينة، والكل يعلم أن رجل الأمن يعتبر العلامة الفارقة في تطبيق القانون وتثبيت الفعل وتقديم الجرم والمجرم إلى القضاء، إلا أن المحير فعلا هو سبب خوف من لم يفعل شيئا، وبالأحرى الطفل الذي لا تسعفه سنوات عمره القليلة على فعل ما يخالف القانون إلا ببراءة الطفل التي لا يمكن أن تتمازج مع نوايا فاسدة.
خوف الطفل من رجل الأمن، مشكلة يعانيها رجل الأمن نفسه قبل الآخرين، وقد تؤثر مستقبلا في نفسية الرجل الذي كان طفلا وكبر، وبقيت معه ترسبات الطفولة السيئة، كالخوف من "الشرطي" الذي تهدده أمه بإحضاره إليه إن لم ينم! المسألة ليست مجرد طرح لمشكلة بسيطة قد نعالجها بإصدار أنظمة وقرارات، هي أخطر من ذلك بكثير، فهي مسألة وعي عام، إن لم تتم معالجتها قد ينعكس هذا على رجال المستقبل، وعلاقتهم المباشرة بالأمن إذا افترضنا أن المواطن والمقيم رجل أمن آخر يساعد في استتباب الأمن في بلاده التي يعيش من خيراتها وينعم بأمانها.
قضيتنا هذا الأسبوع عن علاقة رجل الأمن بالطفل، وهل فعلا أطفالنا يخافون منهم؟ من المسبب؟ وهل يعي هؤلاء الآباء أو الأمهات الذين يخوفون أبناءهم بالشرطة أن ذلك سينعكس على التنشئة النفسية السليمة لأبنائهم في المستقبل؟

تابعها: أيمن الرشيدان
تصوير: خالد الخميس

يلجأ عدد من أولياء الأمور إلى اتخاذ سلوك سلبي في تربيتهم لأبنائهم، حيث جعل الكثير منهم رجل الأمن (العسكري) أداة تخويف لأطفالهم، من خلال تهديدهم بالاتصال بـ "الشرطي" لإيداعه السجن. وبات هذا السلوك منصوبا على أذهان الأطفال حتى يبلغ سن النضج، وبالتالي يكون البناء التربوي صعب الهدم في كبره، ويتحول هذا الأمر إلى كابوس يطارد هذا الطفل في حياته حتى يفارق الحياة. علماء النفس أكدوا على أهمية تفادي هذه المشكلة من خلال تحسين صورة العسكري في أذهان الأبناء، وأنه رجل جاء من أجل خدمة المواطن أيا كان.

بداية المشكلة
وقال لـ"الاقتصادية" عدد من أولياء الأمور عن مشكلة التي عاناها أبناؤهم سنوات امتدت لنحو 12 عاما، والطفل لا يزال يعاني خوفا شديدا من رجل المرور، أو حتى الشرطي، إن المشكلة تكاد تكون من أرباب وربات المنازل، الذين رسخوا الخوف من رجال الأمن، في أذهان أبنائهم، وأصبحوا مرتبطين بالسجن ونحو ذلك.
متعب القحطاني يقول إن لديه طفلا في العقد الأول من عمره، يخاف خوفا شديدا من العسكري إذا كان مرتديا لزيه الرسمي أو رآه في سيارته الحكومية (الدورية)، حيث تظهر على وجهه ملامح الخوف والصمت حتى يفارق ما شاهده ناظراه. وبين القحطاني أن ابنه كان يتمتع بنشاط زائد في الحركة ولا يكاد يجلس، الأمر الذي دفع أمه إلى تخويفه إن لم يكف عن اللعب المتواصل بتسليمه إلى الشرطة! وتكرر عليه جملا كـ "ترى بجيب العسكري"، حتى رسخت هذا المفهوم لدى الطفل وأصبح العسكري بالنسبة إليه كابوسا يطارده.
ولفت القحطاني إلى أنه يعمد هذه الأيام إلى تحسين صورة رجال الأمن في نظر ابنه، من خلال قيامه بزيارات إلى أقسام الشرطة برفقة ولده، إلى جانب الإشادة بهم عند مروره بأحدهم في الشارع على مسمع من ابنه، محذرا في الوقت ذاته أولياء الأمور الذين يرهبون أبناؤهم برجال الأمن، أن لذلك عواقب نفسية واجتماعية وخيمة على الطفل حين بلوغه.
أما أحمد حجر التميمي فذكر لنا أن ابنته البالغة من العمر في الوقت الحالي 20 عاما، قطعت عهدا على نفسها أن لا تتزوج عسكريا، والسبب يعود إلى استخدامه لبعض المصطلحات عندما كانت طفلة، كـ"اسكتي العسكري جاي"، "إن ما جلستي جبت لك الشرطة"، وهو الأمر الذي طبع في قلب الفتاة ولازمها في كبرها.

رأي علم النفس
من جهتهم، يرى المختصون في علم نفس الأطفال أن الطفل في السنة الأولى يبدي علامات الخوف عند حدوث ضجة مفاجئة، أو سقوط شيء بشكل مفاجئ، أو ما شابه ذلك، ويخاف الطفل من الأشخاص الغرباء اعتباراً من الشهر السادس تقريباً، وأما الطفل في سنته الثالثة فإنه يخاف أشياء كثيرة مثل الحيوانات، السيارات، المنحدرات، المياه، وما شابه هذا.
وبوجه عام فإن الإناث إظهاراً للخوف من الذكور، كما تختلف شدته تبعاً لشدة تخيل الطفل، فكلما كان أكثر تخيلاً كان أكثر تخوفاً. ولازدياد الخوف لدى الطفل عوامل وأسباب، منها تخويف الأم للطفل بالأشباح، الغول، رجل الأمن (العسكري)، الظلام، دلال الوالدين المفرط، وقلقهما الزائد، وتحسسهما الشديد، تربية الطفل على العزلة، الانطوائية، والاحتماء بجدران المنزل.
الطفل حسب المختصين يبدي استعداداً قوياً لالتقاط مخاوف والديه عن طريق التعلم بالمشاهدة، وهذه المخاوف التي تكتسب عن هذا الطريق تمتاز بطول بقائها، لذا كان للقدوة الحسنة دور كبير في تربية الطفل على عدم الخوف، والقدوة المطلوبة هنا هي القدوة الشجاعة في كل المواقف على اختلافها، وعدم الخوف من الحيوانات التي لا تضر، ومن الأفراد – وإن علت مكانتهم – في الحق بالطبع، وعدم الخوف عموماً بدون داع.
ولعلاج ظاهرة الخوف عند الطفل كان على الوالدين مراعاة عدة أمور منها، تنشئته منذ نعومة أظفاره على الإيمان بالله، وعبادته، واللجوء إليه في كل ما ينوب ويروع، إعطاؤه حرية التصرف، وتحمل المسؤولية، وممارسة الأمور على قدر نموها، عدم تخويفه ولاسيما عند البكاء بالغول والضبع والحرامي والعسكري، وتمكينه منذ أن يعقل من الخلطة العملية مع الآخرين، وإتاحة المجال له للالتقاء بهم والتعرف عليهم ليشعر من قرارة نفسه ووجدانه أنه محل عطف ومحبة واحترام مع كل من يجتمع به، ويتعرف عليه .
ومما ينصح به علماء النفس والتربية أن تتاح الفرصة للطفل للتعرف على الشيء الذي يخيفه، فإذا كان يخاف الظلام فلا بأس بأن يُداعب بإطفاء النور ثم إشعاله، وإن كان يخاف الماء فلا بأس بأن يسمح له بأن يلعب بقليل من الماء في إناء صغير، تلقينه مواقف السلف البطولية، وتأديبه على التخلق بأخلاق الصحابيات، ليتطبع على الشجاعة، والبطولة.

الطفولة المبكرة
من جانبه، اعتبر الدكتور محمد رفعت وهو إخصائي نفسي أن السنوات الأولى من حياة كل طفل أو ما يسمى بالطفولة المبكرة، هي أخطر سنوات عمره من خلالها تتكون سمات شخصيته ومعالمها وفيها يتحدد ما إذا كان سينشأ طفلاً آمناً مطمئناً واثقاً بنفسه أم قلقاً خائفاً من كل شيء منطوياً على نفسه. لذا ركز علماء النفس في أوروبا وأمريكا على ضرورة اهتمام الآباء والأمهات بمعالجة كل نواحي القصور في الطفل منذ الصغر حتى تجنبه كثيراً من المعاناة والآلام غير المبررة في حياته المقبلة.
وقال إن الخوف مشكلة تواجه ملايين الأطفال ويعانيها آباؤهم وذووهم وقد يكون الخوف طبيعياً أو معتاداً فلا يخشى منه على الطفل وقد يكون مرضياً أي شاذاً فيندفع الطفل إلى اتباع سلوك شاذ لتجنب مصادر خوفه والبعد عنها.
وبين أن هناك نوعين من المخاوف يتعرض لها الطفل الأول مخاوف موضوعية، والآخر غير موضوعية، فالمخاوف الموضوعية
هي المخاوف المحسوسة التي يعبر عنها الطفل بوضوح، وتكشفها الأم بسهولة، ويكون لها مصادر حقيقية مثل خوفه من (العسكري) أو من المدرسة، أو أصوات الحيوانات أو السيارات أو الطائرات أو المياه أو النار، وربما تكون عامة أو غير محددة كخوف الطفل من الكلب لأن أمه تخشاه ولا تحب رؤيته وليس لأنه يخشاه من نفسه، وخوفه من الطبيب لأنه رأى والدته أو شقيقته تتألم عند إعطائها (حقنة) فإنه بالتالي يصرخ بمجرد رؤيته للطبيب لأنه ارتبط في ذهنه بالألم الذي سببه لهما أي إن الطفل بطبيعته يمتص خبرات الآخرين التي شاهدها وتترسب في أعماقه فيخاف من كل الأشياء التي يعتقد أنها تخيف من حوله.
ولفت إلى أن الأمر الآخر هو المخاوف غير الموضوعية مثل خوف الطفل من الزوار أو امتناعه من الكلام خشية الخطأ والنقد من والديه، فإنها ترجع إلى ضعف ثقته بنفسه وعدم شعوره بالأمن والطمأنينة نتيجة انتقاد من حوله لمخاوفه وسخريتهم منها ومقارنته دائماً بأقرانه وإشعاره بضآلته. كما تكون نتيجة قلق الوالدين وعصبيتهم وتدليلهم الزائد وخوفهم عليه وشجارهم أمامه باستمرار مما يشعره بعدم الاستقرار وبحاجته إلى الدفء العاطفي والحب المفقود في أسرته.
وأشار إلى أن علماء النفس ينصحون كل أم أن تحيط أطفالها بالحنان والرعاية والحزم عند اللزوم، وعدم الهرب من مناقشة مخاوف الطفل ومحاولة إقناعه بحقيقة الأمور توضيحاً له ومراقبته لمعرفة النتيجة وفي الوقت نفسه، عليها تعليمه الاعتماد على النفس كلما أمكنه ذلك وإشعاره بالتقدير، إذا أحسن التصرف وإفهامه خطأه بهدوء دون انفعال وعدم السخرية من مخاوفه أو الضحك عليه أمام الآخرين أو مقارنته بزملائه ممن في سنه. وأضاف قائلا:" إن عليها إبعاده عن مثيرات الخوف كمشاهدة أفلام العنف والجريمة والامتناع عن سرد الحكايات الخيالية.

الأكثر قراءة