سوق الطرب يختبئ خلف "الرؤوس" و"الكراعين" في الحلة

سوق الطرب يختبئ خلف "الرؤوس" و"الكراعين" في الحلة

سوق الطرب يختبئ خلف "الرؤوس" و"الكراعين" في الحلة

لم يعرف سكان العاصمة شارعا مثل شارع الحلة الذي مضى على إنشائها 70 عاما، ويحتضن بين جنباته كل ما هو قديم وجديد، وكان زاخرا فيما مضى بأرقى وأفخم المطاعم التي تعد فيها أفضل المأكولات الشعبية آنذاك، فيما يختبئ خلف مطاعمه التي اشتهرت بطبخ "الرؤوس" و"الكراعين"، سوق أخرى للفن والطرب، ظلت صامدة طوال السنوات الماضية.
"الاقتصادية" في جولتها على السوق وما تحتويه من المراكز والمحال التجارية التي يشهد لها العصر القديم والحديث بأصالتها وعراقتها على مدى تاريخ تأسيس البلاد، إذ إن المار على شارع الحلة لا يكاد ينتبه عما يحمله حي الحلة من تاريخ يجسد الماضي العريق.
وتوقع عاملون في السوق نفسها أن حجم مبيعاتها سنويا تتجاوز 1.5 مليون ريال، وسط زيادة في الطلب شهدتها خلال الأعوام القليلة الماضية. وأكد عدد من المتعاملين فيه، أن الإقبال على سوق الآلات الموسيقية بشتى أنواعها شهد خلال السنوات القليلة الماضية زيادة في الطلب بنسبة بلغت 40 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة، نظرا لانتشار عشاق ومحبي الألوان المختلفة من الفنون الشعبية.
وقال لـ"الاقتصادية" عبد الرحمن مطر - يعمل في سوق الفنون الشعبية منذ نحو عشر سنوات - "إن سوق الفنون المعروفة في حي الحلة تعتبر الوحيدة في مدينة الرياض، حيث تعتبر من الأسواق التاريخية في العاصمة، ولاسيما أن لها أكثر من 60 سنة".
وأشار مطر إلى أن عد د المحال في السوق يبلغ نحو 25 محلا، كانت مختصة في أوقات سابقة ببيع آلات موسيقية محددة كالعود، والكمان، والطار، والطبل، ودخلت خلال السنوات الخمس الأخيرة آلات موسيقية إضافية جديدة كالبيانو "الأورق"، والجيتار، والدرامز، والزير وغيرها من الآلات.
وعما إذا كان هناك مضايقات من فئات مختلفة تواجههم خلال ممارستهم نشاطهم، لفت بائع الآلات الموسيقية إلى أنه كانت في أوقات سابقة، واختفت خلال السنوات الثلاث الماضية، مطالبا الجهات المختصة بضرورة إنشاء سوق فنون شعبية جديدة في أحد الأحياء الراقية في الرياض، تسهم بشكل فاعل في زيادة الحركة الشرائية، ولاسيما أن الكثير من الناس يعرف مكان سوق الفنون الموجودة حاليا في شارع الحلة، وبالتالي لا يكون الإقبال عليها كثير، إلى جانب تنظيم عملية السوق من خلال إنشاء محال منتظمة تعبر وتعكس أصالة هذا الفن الشعبي.
وقال "نسبة ضئيلة من البائعين في السوق سعوديون، بعد أن كانوا مستحوذين عليه في الأوقات السابقة، وهذا بلا شك ينعكس سلبيا على أدائه"، مشيرا إلى أن ما نسبته 90 في المائة من الجالية اليمنية، و7 في المائة المصرية، والمتبقية سعودية.
وبين أن أسعار الآلات الموسيقية تختلف من آلة لأخرى، فالعود العراقي يراوح بين ثلاثة إلى أربعة آلاف، بينما تراوح الأعواد المصرية بين 150 وحتى 300 ريال، فيما تراوح أسعار طقم الطيران الوطنية بين 250 و400 ريال، ويصل سعر البيانو إلى 2500 ريال.
وعن الزبائن الذين يرتادون السوق بشكل مستمر، أوضح مطر أن فئة الشباب يمثلون ما نسبته 50 في المائة، ويتقاسم الرجال والمسنون بقية النسبة، لافتا إلى أنهم يعانون اللصوص الذين يجيئون آخر الليل، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى أخذ الحيطة عبر وضع ثلاثة أقفال متينة وزيادة الأبواب أيضا.
وبين أن حجم مبيعات سوق الفنون الشعبية السنوي يتجاوز 1.5 مليون ريال، معتبرا أن هذا المبلغ قليل في حق سوق تجاوز عمرها 60 عاما، غير أن نشاطه الممارس في موقع بعيد عن أنظار الناس دفعها إلى ذلك. وقال:" نعلم هواة عزف الآلات الموسيقية كالعود ونحوه"، وعن الرسوم التي تؤخذ جراء تعليم عزف العود زاد: تصل إلى ألف ريال على مدى شهرين متواصلين ساعة من كل يوم.
من جهته، أكد مرتادون وزبائن للسوق، أن عشقهم الفن الشعبي الأصيل يدفعهم إلى الارتياد المستمر للسوق، وقال أحد الهواة وهو يحتفظ بآلة الكمان الموسيقية لنحو 50 عاما يعزف بها في المناسبات، أنه بذل الغالي والنفيس في سبيل المحافظة عليها منذ ذلك الوقت، لدرجة بلغت أن والدته كانت تسميها ابنته.
وأبدى المرتادون استيائهم من حال السوق ومكانها، كونها تعتبر من الأسواق التراثية الشعبية القديمة والواجب المحافظة على هذا التراث، ومتابعته، وتلبية جميع النواقص التي قد تحتاجها مثل سوق بحجم الفنون الشعبية.
وعرفت في الزمان باسم "حلة العبيد" وتغير اسمها لتكون "حلة الأحرار"، واستقر اسمها في الفترة الأخيرة على الحلة، وذلك كناية على طبيعة حياتها الاجتماعية والاقتصادية قبل أكثر من 50عاماً.
كما أن محال الفنون الشعبية تعتبر من أكبر الداعمين المؤسسات الفنية الكبرى التي كانت تشتري منهم الآلات الموسيقية، وتقوم بتسجيل الأشرطة، كما أن للدروس العلمية شأنا واسعا فيها عبر أخذ دروس تعليم العود على يد بعض المقيمين اليمنيين، واستفاد بعضهم وتعلم بسهولة، والبعض الآخر لم يستطع المواصلة.
يذكر أن تجارة الآلات الموسيقية شهدت رواجاً كبيراً قبل سنوات، ولكن بدأت منذ عشر سنوات في التراجع نظراً لبحث الشباب عن استخدام الآلات الحديثة في العزف، وكذلك لعدم وجود آذان موسيقية كما في السابق.
والحديث عن شارع الحلة نفسه يطول حيث تنتشر بين جنباته محال بيع المأكولات الشعبية والتي من أبرزها الرؤوس والمقادم، والسمك، إلى جانب سوق الخضار التي تعمل فيها نساء اختلفت أعمارهن، علاوة على محال بيع الشيشة والمعسل.
يشار إلى أن العلامة الصامدة في تاريخ الحلة، سوق الآلات الموسيقية، فكل من يرغب شراء العود أو الطبل لا بد له من زيارة هذه السوق، سواء كان قادماً من الشمال أو الغرب أو الشرق، فالأسعار فيها رمزية، وكذلك تتوافر فيها جميع الأنواع، ولاسيما العود الذي يوجد بمختلف أنواعه.

الأكثر قراءة