المنتجات الاستهلاكية للمصارف الإسلامية والتقليدية لم تسهم في تسارع وتيرة التضخم في السعودية
أكد مصدران يعملان في مؤسسة مالية غربية ووكالة تصنيف ائتماني لـ "الاقتصادية" عدم ملاحظتهما أية مؤشرات يمكن أن توحي بأن المنتجات الاستهلاكية للقطاع البنكي السعودي، سواء كانت تقليدية أو إسلامية، أسهمت بأي شكل من الأشكال في إشعال فتيل التضخم المحلي في السعودية الذي وصل أغسطس (آب) الماضي إلى 4.4 وهو أعلى مستوى في المملكة منذ خمسة أعوام.
وقال تشارلز سيفيل, المحلل الائتماني لدى فيتش رايتنجز في مقابلة هاتفية من لندن" لا يعتبر القطاع البنكي أحد كبار المساهمين في التضخم".
وهنا أكد مصدر غربي رفيع لـ "الاقتصادية" - طلب عدم الكشف عن اسمه بالنظر إلى حساسية الجهة التي يعمل لديها- إن "التقليد المعمول به هو إدخال الخدمات المصرفية في مؤشر الأسعار الاستهلاكية CPI، ولكن هذا في العادة ليس على الفائدة وإنما رسوم التوسط المالي التي تفرضها البنوك".
وتابع المسؤول الذي يعتبر على دراية واسعة بالتضخم في السعودية "أنه جرت العادة أن تدخل أسعار الفائدة في الصورة حين ترفع البنوك من تكاليف التمويل وتدفع بشركات التجزئة إلى تعديل الأسعار وفقا لذلك".
وظهرت في الفترة الأخيرة تقارير تفيد بارتفاع أسعار المنتجات الإسلامية الموجهة للمستهلكين مقارنة بالمنتجات التقليدية، وأسهم ذلك في امتعاض العديد من المستهلكين وأوحى بشكل خاطئ بأن تلك المنتجات المصرفية تواكب موجة ارتفاع الأسعار التي تدور في السعودية والخليج بشكل عام.
من جانب آخر، أكد تقرير أصدره بنك جولدمان ساكس بصورة غير مباشرة صحة تلك المعلومات، مؤكداً أن الذي يحرك التضخم هو قطاع الإسكان والخدمات، وأسعار المواد الغذائية. وأوضح البنك الأمريكي أن ارتباط عملات الخليج بالدولار هو" أمر عفا عليه الزمن في اقتصاد عالمي يتعرض للعولمة"
العملات الخليجية والدولار.. علاقة لن تدوم
إن إمكانية استدامة ربط العملات الخليجية بالدولار تخضع منذ فترة لتحليلات وتخمينات كثيرة، وبعد القرار الأخير لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) بعدم اقتفاء أثر بنك الاحتياطي الفيدرالي في تخفيض أسعار الفائدة والسماح لسعر صرف الريال السعودي بالارتفاع قليلاً في أسواق العملات الفورية، اشتدت على إثره حدة التحليلات والتخمينات حول العملات الخليجية. فقد تحركت منحنيات التداولات الآجلة في السعر وارتفعت بنسبة 1 إلى 2 في المائة فيما يتعلق بعقود الـ 12 شهراً المقبلة.
وتمر عملات بلدان منطقة الخليج الآن تحت ضغط تضخمي لا يستهان به، ويعزز ذلك أحكام التجارة - فرق الأسعار بين الواردات والصادرات- التي تميل لصالح دول المنطقة، والظروف الاقتصادية القوية. وفي الوقت الذي يطل فيه التضخم بوجهه القبيح بجرأة متزايدة في جميع أنحاء المنطقة، فإن المستثمرين يتساءلون عن إمكانية استدامة الارتباط الحالي بين العملات الخليجية والدولار ويمتحنون عزيمة صانعي السياسة المحليين. كما أن الإشارات المختلطة، وغالباً المتضاربة، الصادرة عن المنطقة حول السياسة النقدية ليس من شأنها إلا تعقيد مشكلة الصدقية.
ويشير محللون ومنذ فترة طويلة إلى أن الارتباط القائم بين العملات الخليجية والدولار لا يمكن أن تكتب له الاستدامة وأن المنطقة في نهاية الأمر ستجد أن لزاماً عليها أن تتجه نحو نظام أكثر مرونة لأسعار الصرف، وهناك خلاف في أن ذلك يجب أن يبدأ باللجوء إلى ارتباط قابل للتعديل بأكثر من عملة على نحو مركب.
ويضيف المحللون أنهم يستندون في حججهم على نقطتين أساسيتين وهما:
أن الاقتصاد العالمي يمر بتحول كبير، يتسم بانتقال القوة تدريجياً على نحو يبتعد به عن مجموعة الدول الصناعية السبع خصوصاً الولايات المتحدة ويتجه بصورة متزايدة نحو مجموعة دول بريكس واقتصادات الأسواق الناشئة في مجموعة الـ 11 المقبلة. وأشاروا إلى أن دول الخليج، باعتبارها من الدول الرئيسية المزودة للطاقة العالمية، هي جزء لا يتجزأ من هذا التحول الهيكلي الواسع، وهو تطور علاقات تجارية واقتصادية قوية مع دول بريكس ومجموعة الـ 11 المقبلة، إلى جانب اقتصادات الدول الصناعية الأخرى في مجموعة السبع.
وأفاد المحللون أنه حين النظر إلى هذه الأمور من هذا المنظار، فإنه من الواضح أن ارتباط العملات الأصلي بالدولار أمر عفا عليه الزمن في اقتصاد عالمي يتعرض للعولمة بسرعة ومدفوع بمجموعة بريكس، معتبرين أن الارتباط بالدولار فيما يأتي من الأيام ربما يفقد سماته الاسمية الراسخة من حيث الربط في دول الخليج، وذلك بالنظر إلى الاختلالات الحادة حتى وإن كانت تتحسن الآن في الاقتصاد الأمريكي.
وعلى نحو يتعلق بالنقطة الأولى،- بحسب الاقتصاديين- فإن منطقة دول مجلس التعاون نفسها تخضع لتحول كبير، بسبب أن المنطقة تمر بطور تنويع اقتصادي سريع لا يركز على المواد الهيدروكربوينة ويضع قدراً أكبر من التركيز على تطوير البنية التحتية والموارد البشرية، مما يفتح الآفاق أمام اقتصاداتها.
وأبان المحللون أن هذا التحول يجلب معه معضلاته الخاصة من حيث السياسة النقدية، وعلى وجه خاص فإنه يجعل من الصعب بصورة متزايدة التوفيق بين هدفي استقرار الأسعار واستقرار العملة، وفي الوقت نفسه محاولة تنويع الاقتصاد وفتح آفاقه.
ولفت المختصون الذين تحدثوا لـ "الاقتصادية" أنه إذا كانت أولوية السياسة النقدية للمنطقة هي تأمين نمو اقتصادي طويل الأمد يعزز الرفاه الاجتماعي وهو يعتبر واقع الحال فعلاً، فإن السلطات في بلدان المجلس تُنصح بأن تسعى لتحقيق استقرار الأسعار وتسهيل التنمية الاقتصادية والمزيد من أوجه الانفتاح الاقتصادي، مؤكدين في الوقت ذاته أنه في هذه الحالة فإن العملات سيتعين عليها أن تستسلم للضغط وستسمح السلطات في نهاية الأمر بالمزيد من المرونة، وهذا ما يؤيد الحجة الداعية إلى المزيد من المرونة في نظام أسعار صرف العملات، على حد قولهم.
السياسية النقدية الخليجية وصعوبة التوقع
لايزال التوقيت الدقيق والمقدار الدقيق للتحركات الممكنة في مجال العملات في المنطقة غير واضح، كما أن العوامل السياسية مهمة في هذا المقام، وكذلك شفافية السياسة النقدية المحدودة، وبالتالي فإن الاقتصاديين يشيرون إلى صعوبة توقع توقيت التحركات نحو المرونة في نظام العملات على أي نحو مقنع أو قوي.
يذكر أن صانعي السياسة في الدول الخليجية يقولون في المحافل العامة إنهم ملتزمون بترتيبات الارتباط القائمة حالياً، وإن قسماً لا يستهان به من نظام العملات الأجنبية في الوقت الحالي غير مطروح للبحث. وهناك قناعة قوية بأن استقرار العملة أمر أساسي بالنسبة للاقتصاد الكلي والاستقرار المالي، وإن المنافع التي تعود من فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار لا تعادل حتى الآن التكاليف في اقتصادات دول المجلس التي لا تزال تتعامل بالدولار بصورة مكثفة خصوصاً في السعودية حيث يعتبر الارتباط القائم بالدولار أقوى من أي بلد آخر من بلدان المجلس. كما يبدو أن صانعي السياسة النقدية في دول الخليج ينظرون إلى ضعف الدولار على أنه ظاهرة مرحلية مؤقتة، ويتوقعون عودة قوية للدولار في عام 2008، وهو ما يعمل إلى حد ما على التقليص من المنافع التي يتصورها المحللون من إعادة تعديل وضع العملات. وهذا هو السبب في أن الموقف الرسمي حول ارتباط العملات بالدولار يظل إلى حد كبير, على حاله، ولا يرجح حدوث تغير كبير على نحو نسبي في نظام أسعار الصرف في بلدان المنطقة.