تلفزيون "واقعي" جداً!

تلفزيون "واقعي" جداً!

لم أجد مبرراً لوصف برامج الواقع العربية هذه الأيام بأنها بعيدة عن واقع حياتنا اليومي، بل على العكس أجدها مطابقة له في نواحٍ شتّى. هذه البرامج تذكرنا بابتعادنا عن القضايا الرئيسية في المجتمع، مثل المشكلات الاقتصادية والسياسية وتقديم مشكلة غياب مصممي الأزياء العرب عن الساحة العالمية عليها.
تشبهنا في المبالغة في كل شيء مثل التقليد الأعمى للنسخ الغربية من هذه البرامج والمشاهدين الذين يبالغون في نسبة المشاهدة. غياب التخصصّ في تلفزيون الواقع يصوّر لنا مشهداً آخر من واقعنا، برامج الفن تعرض مشاهد بعيدة كل البعد عن الفن وأصبحت مجرد اجتماع شبابي يمارس فيه كل ما يخلّ بالأدب!
من جهة أخرى, البرامج التي توضع أساسا لحل مشكلات الأفراد مع مجتمعهم و أسرهم تتحول إلى ساحة حرب لتبادل الشتائم واللكمات أمام وخلف الكاميرا!
وبعد انتهاء موسم عرضها نفاجأ بمشاركين يتحدثون للصحافة عن "الكذب" الممارس بالجملة على المشاهدين وكيف أن كل ما نشاهده هو صورة مجمّلة لكسب ولاء المتابعين.
وما زلت أقول إن كل ما سبق يشبهنا كثيراً، هذه البرامج بها النفاق الاجتماعي الذي نمارسه في منازلنا ومع بعضنا البعض والذي تحول إلى جينة تسكن كل فرد دون أن يشعر! المتخصصون الذين يشرفون على إدارتها على اختلاف توجهها لا يتعدّى حضورهم دقائق معدودة لإلقاء ملاحظات سريعة والغياب، مما يشكك في مصداقية ما نشاهده.
وبمقارنة العائد المادي الذي تجنيه القنوات من متابعي برامجها الواقعية مع مردودها الثقافي نجد فارقاً "مخيفاً"، فتأثيرها السلبي يطغى بجدارة على إيجابيتها و تنتهي عاماً بعد عام دون تحقيق الأهداف التي تذكر مع بداية كل موسم!
أنا لا أنادي باستئصالها ولكن إعادة النظر في المواضيع التي تطرحها، طرق مواضيع جديدة لم تطرق من قبل والابتعاد عن التكرارية المملة مثل برامج اختيار المطربين وملكات الجمال!
حياتنا بحاجة إلى تركيز أكبر وأشمل من الفن والموضة، نحن بحاجة لعلاج مشكلات الفقر و أزمة الشباب والعمل ، بحاجة لمساعدة المرضى والعجزة. يجب أن نستفيد من سلاح برامج الواقع وتسخيره لخدمة المجتمع بطريقة صحيحة ليعكس الجانب المشرق "منّا" بعيدا عن القشور.

الأكثر قراءة