كوميديا الشعر الحلمنتيشي ..وهموم تتدحرج من ضحكة..!
للشعر ألوان عدة، عادة ما تميل صنوف الناس لإحداها من خلال المطروح، ولعل قدرة الشعر على استيعاب كثافة الحياة بمعطياتها جعلت منه أدبا يحتوي ولا يقصي، إذ الأغراض تكثر والمواضيع تتطابق مع أدواته، ونحن هنا سنركز على أحد الألوان التي بدأت عن طريق "المزاح" حتى باتت لونا مهما وذا رواج كبير في أوساط المهتمين، ألا وهو الشعر الحلمنتيشي، وهو شعر خفيف الظل وحاضر النكتة إلا أنه لاذع يعتمد على الإسقاط بنباهة عالية وحبكة تذكرنا بشكل القفشات السينمائية المترابطة في نص مكتمل.
عرّف الشعر الحلمنتيشي لو سمحت؟!
من الصعب أن نعود بهذا اللون لأساس يمنحنا قدرة تعريفه أو صبه في قالب يحدد جذوره الفنية، إلا أن العديد من المصادر ذكرت أنه لون يعتمد الفكاهة في الطرح ومن شروطه مزج الفصحى بالعامية، كما أنه لون يهتم بمعارضة القصائد.
مؤسس هذا اللون
ويعتبر الشاعر حسين شفيق المصري هو الذي أسس هذا اللون من خلال نصوصه الفكاهية الساخرة، حيث عرف أنه شاعر وزجال كبير، وقد نقل الكوميديا للشعر لذا أطلق عليه لقب أمير الفكاهة، ومما يذكر عنه أنه مات مبتسما كونه صاحب روح مرحة وقد أصيب بالعمى في أخر أيامه وقام أحد أصدقائه بمرافقته وحين سأله البعض من هذا الذي يقودك أجاب المصري بسخرية عالية: " دا واحد ساحبنا".
وقد ولد المصري بالقاهرة عام1882م لأبوين تركيين ، وتوفي بالقاهرة عام 1948 م، وعاش حياة صعبة وتنقل بين عدة مهن وعرف عنه التهور والتبذير حيث أهدر ثروة والده التي ورثها في أمور لا تستحق، وقال عنه الكاتب المصري محمود السعدني:" ظل حسين شفيق المصري يتدحرج طول حياته ويتقلب في مهن كثيرة ، من كاتب محام إلى مصحح في الجرائد إلى زبون دائم في مقاهي القاهرة وعلى أرصفتها الشهيرة ، ومن خلال هذه المهن الغريبة استطاع العبقري أن يرى الحياة كما لم يرها أحد من قبل.
نسب المصطلح
ولأن هذا اللون من الشعر لم يصنف بشكل رسمي كأحد ألوان الشعر، مما صعب البحث عن أساس كلمة "حلمنتيشي" ومن أين أتت هذه الكلمة التي توحي بضحكة وتحرض على قهقهة، إلا أن محبي هذا اللون أشاروا بحلمنتيشية أن هذه الكلمة عبارة عن كلمتين تم دمجهما لتصبح كلمة واحدة، حيث "حلا" أي شيء حلو وجميل، و"منتيشي" أي من "النتش" وهي كلمة تعني عند المصريين جذب الشيء وتعني في موضع أخر الكذب، وبالتالي يتشكل المعنى إما الجذب الحلو أو الكذب الحلو، وإن كان البعض يرجح المعنى الأول لما لهذا اللون قدرة على جذب القارئ أو المستمع من خلال الفكاهة والسخرية والإسقاطات التي فيه.
حاجات ثانية!
أ/ جغرافيا الحلمنتيشيين:
انتشر هذا اللون في مصر ، كما أن ثمة بعض النصوص التي تشبه هذا اللون في العديد من الدول العربية، وقد خلط الكثير من الناس بين الشعر الحلمنتيشي وبين شعر الزجل حيث ثمة تقارب وخيط شفاف لا يكاد يرى يفصل بينهما، إلا أن معيار التفرقة يكمن في كثافة السخرية وتعمد إلقاء "القفشة المضحكة" في ثنايا الشعر الحلمنتيشي، إضافة إلى أن أغلب النصوص الحلمنتيشية كتبت بالفصحى مع إقحام كلمات محكية وجمل في النص.
ب/ شاعر حلمنتيشي:
تعد مصر منجما حقيقيا لهذا اللون لذا فإن أبرز شعراء هذا اللون كانوا مصريين ومنهم بيرم التونسي والمأمون أبو شوشه إضافة إلى زعيم هذا اللون حسين شفيق المصري، وياسر قطامش وثمة محاولات كتبها العديد من الشعراء إلا أنها كانت عارضة حيث لم يذكر تخصص أحد في مثل هذا اللون، وللشاعر أحمد فؤاد نجم وغيره من الشعراء المعاصرين محاولات عديدة، كما برز بعض الشعراء من السعودية والكويت في هذا اللون في الفترة الأخيرة.
نماذج حلمنتيشية:
لحسين شفيق المصري:
الحب أخرج مقلتي بصباعهُ
أذاب قلبي باللهيب بتاعه
سار الوبور إلى بلاد أحبتي
ياليتني متشعبـط بذراعـهُ
للشاعر السعودي خالد الروقي:
أن الأرُز .. إذا الــرؤس تمايـلـت
طب الكبـود .. وبهجـت الجوعانـي
لايشتـريـه ولا يـقـدم صحـنـه
الا الكريـم .. وفـارس الفرسانـي
لو زودو .. سعره فبـالله .. الرجاء
أنـه يعـود .. بأرخـص الأثمانـي
للشاعر المصري مأمون أبو شوشة:
يامن أهواك ولاتدري
وأسير وراءك ع الكوبري
داهواك يضعضع في صدري
ويشيل القلب ويهبده
للشاعر السوداني طارق الأمين:
عزيزي جورج بوش
تحياتي لـ لورا
ولي والدنا بوش
عربي وانجليزي
وكلام من غير رتوش
وي نيد ايفري تايم
تفتوفة وقروش
السلام عليكم :
ليش ثمة مخرج لهذا التقرير السريع عن الشعر الحلمنتيشي، بل إنه مدخل لهذا العالم الجميل الضاحك النازف المرح!
لملموا ذائقتكم واتجهوا صوب هذا الشعر واقرؤوه ومن ثم ابعثوا لنا بملاحظاتكم وقفشاتكم وانطباعاتكم وآرائكم حول هذا اللون علنا نتحاور خلال الأعداد القادمة ونثري الصفحات بحضوركم الذي نطمح إليه مع كل إطلالة وإلى لقاء قريب.