خالدٌ في خالد
الروتين يأمر بإحالة كل المشاركات الفصحوية إلى الصفحة الثقافية في الصحيفة، والتحايل على الروتين يقول إن الجمال وطنٌ مشاعٌ للجميع، والقاعدة تقول إن لكلِ قاعدةٍ استثناء.. واستثناؤنا الوحيد في "بالمحكي" هو الجمال، واعتباراً من هذه القصيدة الموغلة في حزنها الباسقة في جمالها وإبداعها، سيكون هنا الاستثناء الذي سيكسر القواعد دائما، حتى لو كان من يكسرها واضعها نفسه!.. قدمها سراج بهذه المقدمة، فلم نجرؤ على لمس "حرف" مما كتب: في رثاء الأخ العزيز عبد الله عبد الكريم الخليفة - رحمه الله –
بُرْدَيْنِ أَلْحَفَنِي الفِرَاقُ بِكَفِّهِ
وَرَضَى لِيَ الدُّنْيَا بُعَيْدَكَ لَحْدَا
وَعليَّ قَدْ هَلَّ التُّرَابَّ وَمَا رَعَى
ثَغْراً تُصَارِعُهُ الغَيَاهِبُ فَرْدَا
وَيَصِيْحُ أَيْنَ اليَوْمَ لُمَّةُ صُحْبَتِي
أَيْنَ المُجِيْبُ وَلَيْسَ يَسْمَعُ رَدَّا
وَلَقَدْ تَوَارَوا فِي البَعِيْدِ وَإِنَّهُ
لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ فِي الصَّحَابَةِ وُدَّا
قُلِّي أَعَبْدَ اللهِ مَالَكَ تَنْزَوِي
وَتُجِيْبُ قَوْلِيَ إِنْ أَتَى لَكَ صَدَّا
أَتُرَاكَ آنَسَكَ الفِرَاقُ بِقُرْبِهِ
وَأَزَالَ عَنْكَ مِنَ المَشَقَّةِ جُهْدَا
أَمْ ذَا لأنَّكَ لَمْ تَرَانِيَ صَادِقَاً
فَرَغِبْتَ عَنَّيَ بِالمَحَبَّةِ نِدَّا
لا لَوْمَ عَبْدَ اللهِ إِنْ عَاتَبْتَنِيْ
وَسَرَدْتَ عُذْرَكَ حِيْنَ ذَلِكَ سَرْدَا
فَأنَا الَّذِي أَغْفُو وَإنَّكَ سَاهِرٌ
لَمْ تَلقَ مِثْلِيَ فِي الليَالِيَ مَهْدَا
مُتَقَلِّباً تَشْكُوا الوَجَائِعَ مُتْعَبَاً
وَتَئِنُّ مُرْتَعِدَ الفَرَائِصِ فَرْدَا
وَتَصِيْحُ فِي أَلَمٍ وَجِسْمُكَ مُنْهَكٌ
فَكأنَّ بَيْنَكَ وَالسَّعَادةَ سَدَّا
أَأُخَيَّ يَا ذِكْرَى الطُّفُولَةِ كَمْ لَنَا
كُرةٌ نَجِيءُ لَهَا بِدَارِكَ وَفْدَا
كُرةٌ نُقاذِفُهَا وَنُسْرِعُ غِبْطَةً
سُعَدَاءَ تُلْبِسُنَا المَحَبَّةُ بُرْدَا
أَيْنَ الخَوَالِي أَيْنَ أَيْنَ رَبِيْعُهَا
أَيْنَ العُهُودُ فَلَسْتُ أُبْصِرُ عَهْدَا
قَدْ شُتِّتَتْ فِرَقَاً وَشُتِّتَ خَطْوُنَا
وَبَقَتْ تُذَكَّرُنَا الليَالِيَ مَجْدَا
وَمَضَى الزَّمَانُ وَكُنْتُ أَسْأَلُ كُلَّمَا
قَدْ مَرَّ طَيْفُكَ فِي الفُؤَادِ وَجَدَّا
حَتَّى رَأَيْتُكَ تَسْتَعِّدُ لِهَجْرِنَا
وَتَشُدُّ رَحْلَكَ عِنْدَ ذَلِكَ شَدَّا
وَتَقُولُ حَانَ اليَوْمَ مِنِّيَ هِجْرةٌ
حَانَ الوَدَاعُ وَلَسْتَ تَقْبَلُ رَدَّا
وَهُنَاكَ لَفَّ بِكَ الصِّحَابُ كَزَهْرَةٍ
قَدْ لفَّهَا النَّحْلُ المُجَاوِرُ وَجْدَا
وَعُيُونُهُمْ لَمْ تُخْفِ مُزْنَ غِيَاثِهَا
وَبُكَاؤهُمْ يَعْلُو لِنَحْوِكَ قَصْدَا
وَأَبُوكَ فِي كَمَدٍ يُصَارِعُ صَامِتاً
يُخْفِيْكَ ذِكْرَا فِي الفُؤَادِ وَوِرْدَا
مُتَألِّمَاً مِمَّا بِهِ مُتَحَسِّراً
مَا خَالَ يَوْماً أَنَّ رُوحَكَ تَرْدَى
قَدْ ضَمَّهُ وَجَعُ الفِرَاقِ فَرُكْنُهُ
قَد هُدَّ حَيْنَ فِرَاقِ حُسْنِكَ هَدَّا
آلَمْتَهُ وَمَلَئْتَ كُلَّ حَيَاتِهِ
حُزْنَاً فَهَلْ يَوْمَاً قَصى لَكَ وَعْدَا
أَمْ هَلْ تُرَى يَوْمَاً أَبَى لَكَ رَاحَةً
أَمْ هَلْ تُرَى يَوْمَاً رَضَى لَكَ سُهْدَا
كَلاَّ فَإِنِّيَ عَالِمٌ بِوِدَادِهِ
وَأَرَاكَ فِيْ عَيْنَيْهِ تَلْمَعُ وِدَّا
وَأَرَاكَ فِيْ عَيْنِ الأَحبَّةِ زَاهِراً
تُؤْتِيْهُمُ مِنْ جُوْدِ كَفِّكَ مُدَّا
أَنْتَ الخَلُوقُ إِذَا سَمِعْتُكَ خِلْتُ مَا
أَبْدَاهُ ثَغْرُكَ للصَّحَابَةِ شَهْدَا
وَإِذَا صَمَتَّ رَأَيْتُ ثَغْرَكَ بَاسِمَاً
بَادٍ عَلَيْهِ مِنْ الرَّجَاحَةِ رُشْدَا
فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا دُفِنْتَ بِتُرْبَةٍ
بَلْ قَدْ بُذِرْتَ بِرَوْضِ قَلْبِيَ خُلْدَا
وَبَقِيْتَ عَالِيْ القَدْرِ صِيْتُكَ ذَائِعٌ
أَلِفَاً تُتَوِّجُهُ المَهَابَةُ مَدَّا