الباعة المخالفون على أرصفة الدوائر الحكومية

الباعة المخالفون على أرصفة الدوائر الحكومية

الباعة المخالفون على أرصفة الدوائر الحكومية

بيع المنتجات على الأرصفة أمر ألفه السعوديون في شوارعهم، رغم كل الجهود المبذولة لاحتواء مثل هذه الأمور من الجهات المسؤولة كالبلديات وأمانات المناطق، إلا أنها جهود متواضعة إذا ما قورنت بالوضع المستفحل يوما بعد يوم، بعيدا عن رقابة الجودة والمستوى وقياس الأسعار المتذبذبة في مؤشر الأرصفة!
الغريب في الأمر أن هؤلاء المخالفين وجدوا في الآونة الأخيرة مرتعا خصبا لبيع منتجاتهم أيا كان نوع هذه المنتجات، وهو مكان فيه تناقض مع طبيعتهم المخالفة للأنظمة، فهم الآن يفضلون الجلوس مع بضاعتهم في ظلال جدران الدوائر الحكومية، وبما أن وقت الدوام للدوائر الحكومية يقع أغلبه في الصباح، فإن هؤلاء يفضلون الجدران الغربية التي تتوافر فيها ظلال حتى ارتفاع الشمس في كبد السماء، وهو الوقت المتوقع لانصرافهم لأن وقت البيع سيقل بطبيعة حال هذه الدوائر الحكومية التي تغلق أبوابها في الثانية ظهرا، فيتلاشى عدد المراجعين والموظفين، وبالتالي انتفت حاجة الوجود في محل البيع، وهو ما أدى إلى ارتفاع القيمة المعنوية و"المادية" أحيانا لمثل هذه الأماكن التي يتربع فيها المخالفون لأنظمة الإقامة أولا والبيع ثانيا والصحة ليس ثالثا ولا أخيرا!
"الاقتصادية" جالت على هذه المحال "نصف اليومية"، ناقشناهم وأخذنا منهم ومن زبائنهم "الوقتيين"، وعرجنا على أكثر الأماكن التي توجد فيها أسواق "مخالفة" في الرياض، صورنا أرصفتهم والتقطنا طرق بيعهم، ليس لإيجاد حل بقدر ما نحاول عرض القضية بحقيقتها المجردة.
الرصيف غالبا يتميز بحجمه الصغير، وبوجود ما يتكدس عليه يصبح المشي فيه بطيئا، والالتفات فيه كثيرا أيضا، أجواؤه البيئية غير صحية وذلك لوجود مكروبات ضارة بالإنسان، حاله كحال أرصفة غابرة كثيرة اتخذها المخالفون لعرض بضاعتهم، فقد مكثوا طويلا في هذا الشارع للبحث عن لقمة عيش لا ندري عن حلالها من حرامها!
المشاهدة الأولى تقول إن الباعة ليسوا سعوديين على الغالب، فأكثريتهم أجانب مخالفون لأنظمة الإقامة، وأما الزبائن فأغلبهم من أهل هذا البلد، ورغم رداءة البضاعة وعدم مطابقتها لمعايير المواصفات والمقاييس فإنهم يبدون غير مبالين بمرور المركبات أو المشاة أو حتى الخوف أن يلقى عليهم القبض من قبل رجال البلدية أو الجوازات، لمخالفة طريقة البيع نظاميا وصحيا.
البضاعة مهملة بساطها الأسفلت، شملت البضاعة خضار وفواكه مفروشة على أرصفة الشارع، الذي يعتبر من أكبر أسواق الخضار المخالفة، يحضر إليها كثيرون ممن يريدون شراء الفاكهة أو الخضراوات بأرخص مما هو موجود في محال الفواكه والخضراوات النظامية في شوارع الرياض، إضافة إلى أن عمالا غير نظاميين في هذا السوق اتخذوا استراتيجية إحضار بعض الفواكه غير المتداولة من السعوديين، إذ يوفرونها للأجانب من بني جلدتهم الذين كانوا يأكلونها في بلادهم بشراهة!
هذا السوق المخالف بالذات يعتبر متنقلا، حسب حملات أمانة الرياض التي تنظمها من حين إلى آخر، فينتقلون من مكان إلى آخر يعملون ليلا نهارا لجلب مكسب هذه البضاعة التي تم استيراد البعض منها مع أمتعة السفر أثناء قدومهم للمملكة.

سعوديون وأجانب
بينما كنا نتسلل إلى ذلك الشارع الغريب الذي يقع في أحد أحياء وسط الرياض شعرنا بشيء من الفوضى بين هذه العمالة الوافدة التي تجهل غالبية الأنظمة، الأمر الذي استوقفنا عنده أحدهم وهو يبيع عددا من الخضراوات والفواكه التي لا تستوردها المملكة ولن تجدها في السوق، وسألناه عن سعر هذه الفاكهة التي لا يشتريها إلا العمالة الأجنبية، ومع محادثتنا إياه، أدرك أن رغبتنا في السؤال غلبت على رغبة الشراء، الأمر الذي جعل الأعين تتركز بالنظرات وكأنها تسأل: ماذا يريد هذا الشخص الغريب؟ حتى ابتعدنا إلى نهاية الشارع، وما أن ابتعدنا قليلا إذا بشاب سعودي في مقتبل العمر ينادي بأعلى صوته الزبائن لشراء بضاعته، فرجعنا إليه لكي نتعرف عليه، فإذا هو شاب يبلغ من العمر 18 عاما مستاء من وجود العمالة الأجنبية التي تبيع بطرق غير صحية حتى أن بعضهم فرش بضاعته عند أبواب دورات المياه التابعة لأحد المساجد هناك!
سألناه عن طريقة البيع في هذا الشارع فقال: "إن السوق مجدية بالنسبة للأجانب فهناك من السعوديين من يشتري لهم البضاعة ويفرقها عليهم ليقوموا هم ببيعها بالتجزئة، أما نحن السعوديين فلا مكان لنا لأن بضاعتهم أكثر وعددهم أكبر، وأنا ألتزم الحياد معهم لأني أريد أن أكسب رزقا أساعد به والدي ووالدتي".
الشاب الذي قام ببيع جواله وسيارته البسيطة لكي يشتري بثمنها البضاعة يواصل حديثه قائلا: "العمالة الوافدة لم تترك لي فرصة للربح بل يقومون ببيع البضاعة نفسها بأقل ثمن، بهدف أن أترك المكان لهم ولكن الرزق بيد الله وسأكافح لكي أكسب لقمة العيش في أي مكان".
وخلال الجولة الميدانية قال محمد معشي، متقاعد عن العمل منذ فترة طويلة ويعول 14 فردا من أسرته، "إنني أحضر إلى هذا السوق لأقوم ببيع الخضار لكي أكسب لقمة عيش حلال أسد بها بطون عائلتي"، مؤكدا أن راتب التقاعد الذي يصرف له كل شهر لا يكفيه وهو محتاج إلى دخل آخر. وذكر معشي أنه كان ينوي إبلاغ البلدية عن العمالة الأجنبية للتخلص من سيطرتهم على السوق، ولكن ظروف عدم نظامية السوق ككل تقف أمامه عائقا لا يمكنه تجاوزه، وذلك لأنه بحاجة إلى العمل والكسب الحلال، مشيرا إلى أن العمالة الوافدة تحاول تخفيض الأسعار بشكل ينتج عن استياء السعوديين وبالتالي تركهم للسوق.

خوف من المصادرة
من جهته، أشار أحمد الصاعدي أحد القاطنين منذ فترة طويلة في هذه السوق إلى أنه يعمل يوميا في هذه السوق وتجارته تسير بنجاح وتحقق له الأرباح كونه يبيع الشمام، مؤكد أن البائع السعودي يشهد مضايقات من الجانب الأجنبي وذلك بطريقة عرضهم للخضار والفواكه فيقومون بافتراش الأسفلت ويغلفون الخضار بالورقيات الملوثة. ويتساءل الصاعدي: كيف يمكن للعمالة الأجنبية مزاولة العمل في مجال الفواكه والخضار ووزارة العمل تمنع الأجانب من ممارسة هذه المهن التي من المفروض أن يحتكرها المواطن السعودي؟
وقال الصاعدي "من الصعب أن يتم إبلاغ البلدية عن هؤلاء الأجانب وذلك لخوف البائع السعودي من مصادرة بضاعته ففي هذه الحالة يلتزم الصمت ويرضى بسيطرة العمالة الأجنبية".
وعلى الجانب الآخر، علق أحمد بسيوني ـ موظف في إحدى الشركات الواقعة على الشارع على هذه السوق ـ قائلا "الباعة يقومون بالبيع بأسعار رخيصة ولكن البضاعة رديئة وغير جيدة لأنها تتعرض للشمس والأتربة وأيضا هناك من يعرض بضاعته أمام دورت المياه التابعة للمسجد، فأشك أن تكون تلك البضاعة جيدة وقابلة للاستهلاك الآدمي أضف إلى ذلك تضييقهم للشارع فلا نجد مكانا نوقف مركباتنا فيه فقد تمت السيطرة على الشارع من الساعة السادسة صباحا، علما أنه شارع متجاهل من قبل الكل من الجوازات ومن رجال البلدية".

لا رقيب ولا حسيب
وأوضح أحمد العجاجي ـ الذي يقطن في آخر شارع السوق ـ أن الوضع ينبئ عن كارثة صحية خاصة أن موقعه داخل النطاق السكاني، لافتا إلى أنه لا يوجد لا رقيب ولا حسيب من الجهات المختصة التي تصدر قراراتها من دون تطبيق ملموس في مثل هذا الشأن.
وتساءل العجاجي متى سيتغير هذا الوضع، وكيف يمكن معالجة هذه المشكلة التي أصبحت تشكل هاجس كل مواطن يسكن امتداد الشارع والأحياء القريبة من السوق.
وأفاد محمد عبد المنعم ـ أحد الزبائن ـ إلى أنه من الواضح في السوق سيطرة العمالة الأجنبية بشكل كامل، حيث لا تجد السعوديين يعملون في هذه المهنة إلا بنسبة لا تتجاوز 2 في المائة، وتعد مباسط الخضار من الأعمال المربحة مثلها مثل البيع في المحال التجارية، مشيرا إلى أن الفرق بين المبسط والمحل التجاري هي الناحية المادية حيث تتفوق المباسط عليه، فأسعار الخضار تختلف عن بعضها البعض.

سعودة رغم المخالفة!
ورغم مخالفة السوق لأنظمة وزارتي البلديات والصحة، فقد طالب خالد العلي أحد أصحاب المباسط بسعودة هذه السوق، فوجود العامل السعودي أمر ضروري من وجهة نظره كي يتمكن من مراقبة أعماله بنفسه، وعدم تركها للعمالة الأجنبية، إذ إن بعض العمالة، خاصة في السوق تقوم بعملية غش واضحة لا يعرفها إلا من كان مختصا في هذه المهنة، وقد تنطلي على كثير من الزبائن بسهولة.
وأضاف العلي أن سبب انتشار العمالة الوافدة في السوق هم أصحاب المحال، حيث تجد هناك سعوديين لهم مباسط ويعملون في السوق وسلموا أمرها لتلك العمالة الأجنبية. أما حسين العامر أحد المتسوقين فأكد أنه يلاحظ كثرة الأجانب في السوق ويتمنى أن يرى الشباب السعودي يعمل في هذه المهنة المربحة، مبينا أن العامل السعودي لن يقوم بهذه الأعمال التي يقوم بها الأجانب من الغش في بعض أنواع الخضار، والتلاعب في الأسعار.

الأكثر قراءة