الاقتصاد السعودي ومعضلة تنويع مصادر الدخل
إن المتتبع لمسار الاقتصاد السعودي خلال الثلاثين سنةً الماضية يرى مجموعةً من القرارات التي تم اتخاذها بهدف تنويع مصادر الدخل وتصحيح مسار الاقتصاد. من ذلك ما تم اتخاذه بشأن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي لتقليص العجز في ميزانية الدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط في عامي 1985م و1997م, وهذا بلا شك أمر إيجابي وجيد، لكن الغريب في الأمر أن حدوث ارتفاع جديد في أسعار النفط يعيد الأمور لما كانت عليه من قبل وكأن شيئا لم يكن، وأن ما حدث لا يعدو عن كونه رد فعل لظروف قاسية مر بها الاقتصاد خلال سنة أو سنتين، وليس استراتيجية يتم اتباعها لمعالجة اختلالات جوهرية في هيكل الاقتصاد وتصحيح مساره, فكثير من الإصلاحات يتم لمواجهة إشكالية وظروف معينة ما تلبث أن يتم التراجع عنها بعد تحسن تلك الظروف أو تلاشي الأسباب التي دعت لمثل هذه الإصلاحات.
لقد لعب قطاع النفط والعوائد المالية المرتبطة به دورًا كبيرًا في تحقيق التنمية الاقتصادية خلال المراحل الأولى من التخطيط التنموي في المملكة. فقد كان لهذه العوائد أثر كبير في إنشاء البنية الأساسية اللازمة لممارسة العمل الاقتصادي ابتداء من العام 1358هـ وحتى ما سمي بمرحلة الطفرة الاقتصادية التي استمرت حتى أوائل الثمانينيات من القرن العشرين. بعد ذلك وبالتحديد مع بداية الخطة الخمسية الرابعة ( 1985- 1990 م ) بدأت المملكة الحديث عن ضرورة تقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل وممول رئيس لموازنة الحكومة، ووضعت الدولة لذلك الهدف سياسات وخطط متعددة. غير أن الدلائل تشير إلى أن هذا الواقع ما زال قائمًا وأن عوائد تصدير النفط ما زالت هي المحرك الرئيس للاقتصاد، وأن إسهام القطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعة والزراعة، وغيرها ما زالت منخفضةً ومتواضعةً جدًا, إن نمو هذه القطاعات لم يسهم بشكل كبير في تنمية مصادر الدخل وتنويعها، بل بقي الاقتصاد السعودي عرضةً للتقلبات شبه المستمرة التي تحدث في أسعار النفط في الأسواق العالمية. لقد قدر إسهام قطاع النفط في إيرادات الدولة لعام 1427هـ بما يقارب 75 في المائة, الأمر الذي يعرض هذا الاقتصاد وبرامجه التنموية للخطر وعدم الاستقرار. لقد سئم الكثير - عند الحديث عن ضرورة تنويع مصادر الدخل- سماع أن هناك سياساتٍ اقتصاديةً قد وضعت وأن هناك إجراءات كبيرة قد صيغت، ومجموعة من القرارات قد اتخذت، دون أن تكون هناك نتيجة فعلية لمثل هذه السياسات والإجراءات والقرارات. إننا بحاجة إلى وضع استراتيجية اقتصادية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي يكون للقطاعات الاقتصادية الواعدة - التي يمكن لنا المنافسة فيها إقليميًا وعالميًا - دور واضح. هذه القطاعات لا بد أن تكون حجر زاوية لأية استراتيجية اقتصادية. كما يجب أن تحدد أدوار جميع الأطراف بما فيها القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتحقيق هذه الاستراتيجية. وأن يخلق المناخ المناسب لجميع الأطراف للعمل بحرية ووفق أهداف واضحة من خلال التشريعات القانونية المحفزة للعمل والمعززة للاستثمارات المحلية والأجنبية. ويجب أن يكون هناك انسجام بين القطاعين الحكومي والخاص في تحديد طبيعة التحديات التي يواجهها الاقتصادي السعودي محلياً ودوليًا والوصول إلى رؤية علمية دقيقة تستند على تشخيص الواقع وتحليل طبيعة المتغيرات المستجدة وتحديد الأدوار المختلفة والآليات المناسبة لتجاوز تلك التحديات.
من الضروري في ظل سياسة تنويع مصادر الدخل أن تعمل الدولة على تطوير آلية تعتمد على معايير علمية يتم بموجبها تحديد أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة التي تتمتع المملكة فيها بميز تنافسية وأن تجعل هذه القطاعات ركيزةً مهمة وأساسية في استراتيجية التنمية. إن المملكة، وللأسف الشديد، تفتقد وجود هوية لاقتصادها، ذلك أن الاهتمام بالقطاع الصناعي نجده هاجساً لدى المسؤولين ومتخذي القرار في فترة زمنية معينة، بعدها نجد الاهتمام قد تحول إلى قطاع اقتصادي آخر وهكذا. هذه الطريقة أوجدت ضعفا في إسهام أي من هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي. إن الأمر يتطلب تحديدا دقيقا للقطاعات المطلوب التركيز عليها وإعطاؤها أهمية خاصة من قبل جميع الأجهزة والمؤسسات المختلفة في الدولة وتوفير جميع المتطلبات اللازمة لتحسين وضع هذه القطاعات، كأن يتم استكمال جميع البنى التحتية المرتبطة بها وتهيئة المناخات المناسبة لتنميتها وتوجيه جميع الاستثمارات المحلية والأجنبية نحو هذه القطاعات. إن تفعيل هذه القطاعات مرهون كذلك بتوفير مستلزمات الإنتاج من قبل الدولة وتوجيه القطاع المصرفي نحو منح تسهيلات ائتمانية إضافية للاستثمار في هذه القطاعات. كما أن خلق بيئة استثمارية ذات قوانين وتشريعات مواكبة للتطورات العالمية ومحفزة للاستثمار أمر ضروري لنمو هذه القطاعات وتحسين وضعها.