65 % من الطاقة الإنتاجية لمراكز القلب في المملكة غير مستغلة
كشف الدكتور محمد الفقيه جراح القلب العالمي أن مراكز القلب في المملكة لا تعمل سوى بثلث طاقتها الإنتاجية، مشيرا إلى أن ذلك يعد سببا رئيسيا خلف قوائم الانتظار الطويلة في المستشفيات الحكومية.
وطالب الفقيه بربط الميزانيات المخصصة للمستشفيات الحكومية بأهداف محددة يجب تحقيقها وذلك لرفع الإنتاجية داخل المستشفيات وتقليص قوائم الانتظار. مؤكدا أن الدولة تنفق الملايين على هذه المستشفيات ولكنها لا تحصل سوى على القليل.
وأشار الفقيه في حوار مع "الاقتصادية" إلى أن ما يزيد العبء على الخدمات الصحية المقدمة في المملكة ويرهق ميزانية وزارة الصحة هو الازدياد الكبير في عدد سكان المملكة وارتفاع عدد من يبلغون سن الشيخوخة، إضافة إلى انتشار العديد من العادات الضارة داخل المجتمع السعودي مثل سوء النظام الغذائي والتدخين وعدم ممارسة الرياضة.
الفقيه تحدث عن الكثير من التحديات التي تواجه الخدمات الصحية والاستثمار الأمثل لها في الحوار التالي:
ما الأسباب الرئيسية التي تزيد العبء على الخدمات الصحية في المملكة؟
إن ما يزيد العبء على الخدمات الصحية في المملكة ازدياد عدد السكان وزيادة عدد من يبلغون سن الشيخوخة، إضافة إلى انتشار العادات الضارَّة بالصحة مثل: سوء النظام الغذائي، عدم ممارسة الرياضة، والتدخين، والكثير من العادات الضارة الأخرى, كما أن هنالك نقصا في برامج نشر الوعي الوقائي المختلفة، خاصة ما يتعلق بأمراض القلب والشرايين التي تمثل الخطر الرئيسي المسبب للعجز والوفاة لدى كبار السن، وترهق الميزانيات المخصصة للصحة في الدولة.
إن إيجاد ودعم برامج الوقاية من أمراض القلب والشرايين يحسن فرص رفاهية المواطن في حياته ويقلل مصاريف العلاج التي ترهق ميزانية الدولة، وقد ثبت ذلك في بعض الدول، حيث انخفضت معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين في كبار السن.
كيف ترى إمكانات المملكة الطبية؟
في الـ 30 سنة الأخيرة حصل تقدم كبير و تطور في نوعية العلاج في المملكة حتى أصبح بالإمكان الحصول على معظم أنواع العلاج المتطور داخل المملكة، ولكن الجميع يلاحظ قوائم الانتظار الطويلة في جميع المستشفيات الحكومية تقريباً، على الرغم من الاستمرار في انتشار المستشفيات الجديدة وتوسعتها.
تملك الدولة مؤسسات صحية ضخمة ، ما مدى الاستفادة منها فعليا ؟
إن الكفاءة الإنتاجية متدنية جداً، حيث لا تحصل الدولة على إنتاجية تناسب ما تنفقه على تلك المؤسسات، ولو أخذنا أمراض القلب مثالاً على ذلك، سنجد أن قوائم الانتظار طويلة جدا حتى لبعض الحالات المستعجلة والخطرة.
لنراجع إمكانات مستشفيات الدولة وسنكتشف أن في مراكز القلب الحكومية في المملكة ما يزيد على 24 غرفة عمليات جراحية وما يساندها من احتياجات العناية المركزة وأجهزة القسطرة القلبية مجهزة تجهيزاً كاملاً بما في ذلك الكوادر البشرية.
في إحدى الدراسات البريطانية هنالك حاجة إلى 750 عملية جراحية في القلب لكل مليون من السكان، والمملكة تشبه بريطانيا في طريقة تقديم الرعاية الطبية مجاناً لمواطنيها، فمثلا سكان المملكة من المواطنين 16 مليونا يعني هنالك حاجة إلى 750×16= 12 ألف عملية جراحية في القلب في السنة في المملكة, فإذا كان لدينا أكثر من 24 غرفة عمليات جراحية كل غرفة يمكن أن تنتج ما معدله عمليتان جراحيتان في اليوم الواحد.
وإذا استبعدنا العطل الرسمية بجميع أنواعها يكون لدينا 240 يوم عمل في السنة للعمليات العادية و120 يوم عطلة للعمليات المستعجلة فقط. ولو أخذنا الأيام العادية فقط لوجدنا الآتي 240 يوما × 24 غرفة عمليات× عمليتين في اليوم = 11500 عملية جراحية في القلب من الممكن أن تجرى في تلك المراكز سنوياً في أيام العمل العادية عدا الإجازات وعطل نهاية الأسبوع. إذن ما هو متوافر في المراكز الحكومية يكفي لسد حاجة البلد في الوقت الحاضر, فلننظر إلى كم عملية يتم إجراؤها فعلياً في تلك المراكز، نجد أنه يجرى في تلك المراكز أربعة آلاف عملية جراحية في القلب سنوياً تقريباً، وهذا يعني أن هذه المراكز تستخدم ثلث كفاءتها، رغم وجود قوائم انتظار المرضى الطويلة.
ما أسباب تدني الإنتاجية؟
هناك عدة أسباب لتدني الإنتاجية مثل نقص اللوازم الطبية وهي مسألة شائعة تؤخر إجراء العمليات، رغم الميزانيات الضخمة المخصصة لها، عدم كفاية الصيانة ما يؤدي إلى التوقف بعض الأحيان رغم وجود عقود الصيانة، عدم ربط أجور الأطباء بأدائهم فتجد أن مديري المستشفيات والمراكز غير مطالبين بتحقيق أهداف معينة مقابل الميزانيات المخصصة.
وما أهم الحلول لتحقيق الكفاءة الإنتاجية المثلى داخل المستشفيات؟
هنالك طريقتان لرفع الكفاءة والدولة تستطيع أن تطبق إحدى الطريقتين على المستشفيات عند إقرارها ميزانياتها. الأولى أن تطلب وزارة المالية من إدارات المستشفيات وضع أهداف مقابل الميزانيات ومحاسبة تلك المستشفيات عن تحقيق تلك الأهداف عند بحث ميزانية السنة التي تليها وتتخذ القرارات المتعلقة بالميزانيات على هذا الأساس زيادة أو نقصا، فلا ميزانية من دون أهداف، أو أنه بعد إقرار ميزانية المستشفى يصرف له تلك الميزانية على شكل دفعات مقابل فواتير علاج. وبذلك تجبر المستشفيات إدارة وأطباء على الإنتاج للحصول على ميزانياتها ويتضح تلقائيا المستشفى المنتج والطبيب المنتج أو عكس ذلك.
ماذا عن التقدم الطبي الحديث في مجال جراحة القلب؟
إن معظم القفزات التقنية في جراحة القلب حدثت في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، فقد أوجد الأطباء طرق العلاج التالية:
اختراع القلب والرئة الصناعية مكّن الأطباء من إجراء عمليات القلب المفتوح.
اختراع صمامات القلب الصناعية وعمليات تغييرها وتصليحها.
اختراع عمليات تصحيح العيوب الخلقية في القلب.
اختراع عمليات ترقيع الشرايين التاجية.
اختراع طرق التدخل بالقسطرة القلبية ومنظمات دقات القلب.
تطوير أساليب العلاج المركز وطرق الإنعاش.
أما الـ 30 سنة التي تلت ذلك، أي منذ ثمانينات القرن الماضي وإلى الآن، فلم تشهد إلا تطورا تقنيا لتلك العمليات وليس اختراعا أساسيا وكان معظم التطور هذا في عمليات القلب النابض والقسطرة العلاجية وكهربائية القلب.
ماذا عن طرق العلاج وهل هي موجودة في المملكة؟
نعم جميعها موجودة وفي أكثر من مركز، ومراكز القلب في المملكة تتابع التقدم التقني العالمي ولأطبائنا إنجازات ممتازة في هذا الخصوص.
لقد قمنا بتدريب العديد من جراحي القلب السعوديين وغير السعوديين من خلال عملهم معنا وقد أصبح بعضهم ذا مكانة عالمية. وللتدريب أصول وهو من الأمور الصعبة، وعلى المدرب "أستاذ الجراحة" أن يضع في اعتباره حياة المريض وجودة العملية وهذه مسؤولية كبيرة، لذلك ليس جميع الجراحين قادرين على تدريب غيرهم، ويزيد من صعوبة ذلك دخول التقنيات الجديدة مثل أجهزة المناظير والإنسان الآلي، لذلك يجب أن نطور طرق التدريب في جراحة القلب، فمثلا سبقنا مدربو الطيران إلى استعمال الطيران في أجهزة التشبيه لذلك فمن الممكن استخدام أجهزة تشبيهية لممارسة التدريب الجراحي, كذلك استخدام المختبرات الحيوانية، حيث لا ينتقل المتدرب إلى الممارسة الجراحية البشرية إلا بعد مروره بتلك المراحل، ما يسهل دخوله بأمان إلى ممارسة الجراحة تحت الإشراف ليتطور من خلالها. وطبعا تختلف قابليات المدربين والمتدربين.
ما الكيفية التي من خلالها نستطيع مراقبة نوعية العلاج الجراحي؟
أعتقد أنه يمكن ذلك من خلال سجل لعدد ونتائج العمليات الجراحية لكل مركز وكل طبيب وتقارن هذه المراكز ببعضها وبالمراكز الممتازة في العالم. والحرص على مراقبة إدخال التقنيات الجديدة وتوثيق نتائج العمل بها، لأن بعض التقنيات الجديدة لها مخاطرها التي يمكن تجنبها بتقنين دقيق لاستعمالها, وما ينطبق على طب وجراحة القلب ينطبق تقريبا في أساسياته على جميع التخصصات الجراحية، وما ينطبق على مركز القلب من ناحية الأداء والكفاءة والمحاسبة ينطبق على جميع المستشفيات.
إنه دون وضع أهداف للمؤسسات الصحية بالنسبة للعدد والنوعية ستستمر الدولة تعطي ميزانيات أكبر وتحصل على نتائج أقل، والذين يعتقدون أنهم تعلموا ولا يحتاجون إلى مزيد من التعلم في واقع الأمر لا يصلحون إلا لما مضى من الزمن، فوجودهم خطر على المستقبل، فالعالم سريع التطور والتقدم وعلينا مواكبته.