صفحات المجلات الشعبية.. من أجنحة ملكية إلى "بنسيونات" مفروشة!

صفحات المجلات الشعبية.. من أجنحة ملكية إلى "بنسيونات" مفروشة!

صفحات المجلات الشعبية.. من أجنحة ملكية إلى "بنسيونات" مفروشة!

قبل 15 عاماً كانت الصفحة الواحدة في المجلة تعني الكثير لرئيس التحرير، فلا مجال للتفريط في بياضها، حتى أن البعض قال إن الشعراء الأقل شعراً في ذلك الوقت كانوا يشترون الصفحات من مالك المجلة، ويكتبون المقدمات لقصائدهم، وينتقون الخلفية المناسبة لها، وغالباً كانوا يضعون صوراً للفاتنات، كل ذلك يفعلونه بمباركة من مالك المجلة الذي يكون قد وضع المبلغ كاملاً في جيبه، وما كانوا ليشترطوا التدخل في التقديم والإخراج لولا خوفهم من الأخطاء المطبعية المتعمدة، ففي ذلك الوقت كان البعض من الشعراء الذين فازوا بالنشر، يتذمّرون من طريقة الإخراج التي كانوا يقولون عنها إنها طريقة مؤدبة للتطفيش، حتى أن أحدهم قال لصاحبه مرة إن قصيدته طبعت باللون الأصفر واختير لها خلفية برتقالية! إضافة إلى خطأ مطبعي متعمّد في بيت القصيد!، الأمر الذي جعله ينقطع عن النشر بعدها.
سنين مضت والصفحة الكاملة لا تعطى إلاّ للمسوّقين والمتسوّقين! وتحديداً حين كانت "المختلف"و"فواصل" هما الساحة الشعبية، وفي تلك الفترة كانت "المختلف" أكثر تمرساً في إدارة لعبة الصفحات، فهي لم تكن تنشر قصيدة إلاّ على صفحة كاملة أو مناصفة بين شاعرين، بينما كانت "فواصل" تغضب الشعراء الشباب بنشر قصائدهم على نصف صفحة والنصف الآخر لإعلان تجاري، وفي كثير من الأحيان كان الإعلان عن نوع من أنواع الصابون، الأمر الذي أحرج الكثير من الشعراء مع أصدقائهم ومحبيهم، خصوصاً عندما كانت "النكات" تربط بين الشاعر والصابون بخبث!
انقضت هذه المرحلة، وجاءت مرحلة انتشار المجلات الشعبية المنافسة، التي كان من أبرزها مجلة قطوف التي كان يرأس تحريرها الشاعر فهد عافت، الذي كان سخيّاً في فرد المساحات للشعراء، حيث إنه أول من أفرد صفحتين كاملتين لنشر قصيدة لشاعر، لم يكن من الذوات ولا هو من أصحاب رأس المال، بعدها تسابقت المجلات في فرد الصفحتين للاحتفاء بشاعر، أو بمعنى أدق لتسويق شاعر، وكانت "المختلف" أكثر من لعب المسألة بإتقان، خصوصاً بعد توقف مجلة "قطوف" عن الصدور، بعدها خبت جذوة التلميع، والمقدمات الفارهة التي لم تنقض، لكنها لم تعد تنطلي على القارئ الذي تجاوزها وتجاوز بهرجتها، حتى جاء الإنترنت وما أدراك ما الإنترنت؟ جاء الساحر الذي قال حامد زيد يوماً ما لشعرائه "يا شعراء النت لو به شمس كان من أمس"، فأدارت الشمس وجهها باتجاههم "من قبل أمس"، وصارت النجومية الحقيقة تبدأ من منتديات الإنترنت ثم تنتقل إلى المجلات الشعبية التي تسعى لكسبها، ومع هذا لم تنته حكاية صفحات المجلات عند هذا الحد، فقد بدأت المجلات الشعبية في لعبة جديدة، هذه اللعبة تتلخص في إعطاء صفحتين لكل من كتب حرفين من شعر أو جملتين من خاطرة، وكلهم بالطبع من كتّاب وشعراء الإنترنت، وأغلبهم من كاتبات وشاعرات الإنترنت، البعض منهم يفاخر بقوله "فلانة تكتب عندنا"!، فما تملك إلاّ أن توسّع حدقتي عينيك في إشارة إلى دهشتك واستحسانك، وفي داخلك تلوم الظروف التي أتاحت لهؤلاء أن يصبحوا رؤساء تحرير هذه الصفحات، التي باتت توزع كما توزع "الشرهات" ليست بأكثر من "بنسيونات" حقيرة في مبانٍ حقيرة تديرها فاتنةٌ عجوز، فاتنةٌ لفضها التاريخ وشوّهت عوامل التعرية جغرافيتها، فقسمت مسكنها لغرفٍ متعددة، كي تضمن كثرة الساكنين، وكثرة الزائرين، لتأنس بضجيجهم حولها، هذا الضجيج الذي سيؤمن لها على الأقل استدراج الحنين بهدوء وبدون عناء.
حين تبدأ القراءة تصطدم بشاعرٍ لم تقرأ له أكثر من قصيدة أو قصيدتين على الأكثر يدير صفحتين كاملتين وينظر من خلالهما، وينتقد ويشتم ويضع عينه في عين الشمس! تقلب الصفحة فتفاجأ بشاعرة "مجازاً" وقد أعطيت صفحة كاملة لتبث من خلالها لواعجها! ثم تتساءل.. أليست هي نفسها عضوة المنتدى الفلاني خفيفة الظل؟ يا الله.. ألهذا الحد بات التفريط في الصفحات ممكناً، إنسانة لا تملك سوى حفظ ونقل أسوأ النصوص وأكثرها ركاكة، وخفة ظلٍ لا علاقة لها بالأدب! هكذا وبكل سهولة تمتلك صفحة كاملة توزع من خلالها لوعاتها على كل القرّاء، الذين وبدورهم "تتلوّع" كبودهم لما قرأوه من لوعات وصبابة.
قمنا خلال شهرين كاملين بقراءة جميع ما صدر من مجلات شعبية، فوجدناها دون استثناء قد قامت بتقسيم صفحاتها إلى ما يشبه "البنسيون"، عشرات الكتّاب والكاتبات، ومئات الهرطقات والسخافات والسطحية في الرؤية والتناول، حاولنا عبثاً أن نقول أن "الحياة حلوة بس نفهمها"، فلم نستطع! ولكن وللأمانة.. هناك ما يقارب الثلاث صفحات لكاتبة وشاعر وكاتب، في مجلتين مختلفتين، لا يستحقون أن نحشرهم مع البقية، هم لوحدهم الاستثناء.

الأكثر قراءة