المياه البيضاء خطر داهم على صحة الفقراء في الصين
تعانى " وولانكيكيجي " وهى راعية غنم من منغوليا الصغرى في الصين الأمرين في الاعتناء بأمر قطعانها وذلك منذ أن فقدت الإبصار في عينها اليسرى منذ نحو ثلاث سنوات. لكن بعد إجراء عملية جراحية استغرقت أقل من عشر دقائق عادت نعمة البصر إلى وولانكيكيجي وهي واحدة من بين نحو 4.5 مليون شخص في الصين يعانون العمى أو من صعوبات شديدة خاصة في الرؤية بسبب مرض إعتام عدسة العين أو المياه البيضاء.
وتقول الجدة البالغة من العمر 55 عاما التي ترجع جذورها إلى
منغوليا وقد افتر ثغرها عن ابتسامة مشرقة عندما تأكدت من قدرة
عينها اليسرى على الرؤية مجددا بعد أن أزال الأطباء ضمادتها "كل ما
أريد أن أراه الآن غنمي. لم أستمتع بمشاهدتها منذ زمن طويل."
المياه البيضاء من المشكلات الصحية المزمنة في الصين وهو المرض الذي يعاني خلاله المريض عتمة في عدسة العين شيئا فشيئا مما يحول دون
الرؤية ويسبب العمى في نهاية المطاف. من أكثر الناس عرضة للإصابة بالمرض في الصين هم أبناء الريف لتعرضهم المستمر للأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من ضوء الشمس وهي من بين أسباب الإصابة بالمرض، فضلا عن أن الفقر يقف حائلا في أغلب الأحيان دون حصولهم على العمليات الجراحية لإصلاح هذا العيب.
وتظهر في كل عام في الصين مليون حالة إصابة على الأقل بهذا المرض وقد يتعاظم عدد الحالات إلى 167 مليون حالة بحلول عام 2020 بسبب تزايد أعداد المسنين بين سكان الصين وذلك وفقا لإحصاءات جماعة (اوربيس) التي تعنى بعلاج ومنع الإصابة بالعمى في الدول النامية. وإذا تركت حالات إعتام عدسة العين دون علاج فقد ينتهي الامر بالعمى ومرض الإعتام يصيب كبار السن عادة ومن السهل في أيامنا هذه علاجه في الدول المتقدمة إلا أن العلاج غير متاح غالبا ومكلف إلى حد كبير في الدول النامية. وقال دينيس لام وهو طبيب عيون بارز في هونج كونج كان قد أسس جمعية خيرية لا تسعى إلى الربح اسماها (مشروع الإبصار) لعلاج من يعانون المياه البيضاء في الريف الصيني "هناك نقص في الخدمات الصحية في مناطق الريف ومعظم أبناء الريف من الفقراء ولا يتحملون مصروفات العلاج الطبي."
وهناك خمسة ملايين مريض ينتظرون العلاج الجراحي للمياه البيضاء في
الصين، إلا أن الجراحات لا تجرى إلا لنحو 600 ألف مريض سنويا فحسب أو بمعدل 400 جراحة لكل مليون نسمة وهو عدد ضئيل بالمقارنة بما يحدث في العديد من البلدان الأخرى في العالم. في الهند مثلا تجرى 3900 جراحة مياه بيضاء لكل مليون نسمة فيما يصل الرقم المناظر لذلك إلى عشرة آلاف في الولايات المتحدة. وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن 37 مليون شخص أصيبوا بالعمى عام 2006 وأصيب 124 مليونا على مستوى العالم بضعف الإبصار وكان السبب هو المياه البيضاء في نصف أعداد هذه الإصابات جميعها. وفي الصين يعيش 80 في المائة ممن يحتاجون لإجراء جراحات إعتام عدسة العين في المناطق الريفية فيما يعيش ويعمل 70 في المائة من 24 ألف طبيب صيني للعيون في المدن.
وتتقاضى المستشفيات في الصين ما بين ألفي يوان (253 دولارا
أمريكيا) وأكثر من عشرة آلاف يوان لعلاج المياه البيضاء في عين واحدة
وهو ما يعادل تقريبا متوسط الأجر السنوي في الصين، كما أن مصروفات
العلاج تفوق مقدرة الكثيرين في بلد يصل تعداده إلى 1.3 مليار نسمة.
ويرجئ كثيرون علاج المرض حتى حلول موسم وفير للحصاد أو لحين بيع بقرة العائلة بثمن مناسب. وتحمل جيا فونجمينج العمى في عينه اليمنى لأكثر من عام لدرجة أنه لم يكن يقدر على أن يصب لنفسه الماء للشرب.
وقال الرجل البالغ من العمر 74 عاما وهو من منغوليا "لم أكن
أرى، إذ كنت أسكب الماء على الطاولة عندئذ فقط قررت استشارة طبيب."
ودفعت الحاجة لإجراء جراحات المياه البيضاء وبالتالي زيادة المكسب
المادي إلى إغراء سيل من أطباء العيون المحليين للتدفق على الريف الصيني لإجراء مثل هذه العميليات التي لا تتطلب قدرا كبيرا من الأدوات المتطورة. وتتضمن الجراحة استبدال العدسة الأصلية المعتمة بأخرى صناعية تظل في العين طول الحياة وبوسع الأطباء المهرة إجراء هذه العملية في ظرف عشر دقائق فقط. ويتقاضى الطبيب ما بين بضع مئات من اليوانات إلى ألف يوان لإجراء عملية في عين واحدة. وقال طبيب العيون دانييل تسين الذي يقيم في مدينة جوانججو في جنوب الصين "سجل أحد الأطباء رقما قياسيا بأن أجرى أكثر من 80 عملية جراحية في يوم واحد."
ويهدف ( مشروع الإبصار) إلى إقامة 100 مركز لعلاج العيون خلال
السنوات القليلة المقبلة على أن يديره أطباء عيون صينيون متميزون
تم تدريبهم على عمليات علاج إعتام عدسة العين والمستهدف هو إجراء ألف جراحة كل عام في كل من هذه المراكز. وافتتح أول مركز في منطقة شيلينهوت وهو المركز الذي عولجت فيه الجدة وولانكيكيجي ذات الأصول المنغولية. ويدفع المريض 700 يوان لإجراء عملية في عين واحدة وهو الأمر الذي يأمل معه لام طبيب العيون البارز أن تصل المراكز إلى مرحلة التمويل الذاتي. وقال لام "بالإمكان تحقيق معدلات أعلى من الجراحات إذا تم تدبير جراحات ممتازة ميسرة على مقربة من أماكن إقامة الناس."