بقاء الريال مثبتاً بالدولار .. أفضل خيار اقتصادي ممكن!

بقاء الريال مثبتاً بالدولار .. أفضل خيار اقتصادي ممكن!

بقاء الريال مثبتاً بالدولار .. أفضل خيار اقتصادي ممكن!

[email protected]

تعاني المملكة من معدلات تضخم كبيرة بعد ارتفاع أسعار النفط منذ منتصف عام 2003 إلى يومنا هذا عند سعر متوسط للبرميل 75 دولارا ومن ثم ارتفاع مداخيلها من النفط، وهي في إطار سياستها النقدية للعملة تعتمد على "نظام الصرف الثابت مع الدولار بشكل مباشر عبر حقوق السحب الخاصة" عند سعر توازني معلن 3.75 ريال تقريباً مقابل الدولار، حيث قام البنك الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة إلى 0.05 في المائة قبيل أيام قلائل في إطار المحاولات الرامية تخفيض العجز المزمن الذي يعانيه ميزان المدفوعات لديها، ما نجم عن هذا الخفض ارتفاع الريال مقابل الدولار في بورصة أسواق العملات الدولية.
السؤال الذي يعتمل في خلد أي مواطن، خصوصاً المنشغلين بالاقتصاد من الأكاديميين والمتخصصين:
ما الطريقة المُثلى لتجنب الآثار السلبية لربط الريال بالدولار، ومن أهمها ارتفاع معدلات التضخم؟ وهل من المجدي اقتصادياً قبول الحديث الدائر بتعويم الريال الذي يتطلب اقتصاداً متيناً ومنتجاً وإدارة نقدية لها خبرة واسعة في إدارة العملات، أم الأخذ بتجربة الكويت بربط الريال بسلة عملات لها أوزان مختلفة لتحدد قيمة الريال؟
للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد لنا من الرجوع أولاً إلى أبجديات نظريات التمويل الدولي Theories of International Finance، ومن أهمها أن أي سياسة اقتصادية دولية لا بد من أمرين:
المواءمة بين عدة بدائل مختلفة وأخذ أفضلها حتى لو كان البديل الأفضل أخذ أقل فائدة عبر تقليل المضار بين البدائل المختلفة.
عند الحديث عن اقتصاد دولي لا بد من التنسيق بين الدول المختلفة ذات العلاقة، حيث أي قرار ذي بعد دولي سيكون ذا بعد متعد على الأطراف الأخرى في العلاقة.
إن سعر صرف أي عملة يتحدد في الأسواق العالمية بكمية العملات المعدة للتجارة "شراء السلع والخدمات وبيعها" وكمية العملات لأغراض الاستثمار طويل الأجل وقصير وكمية العملات لغرض السياحة وهذه أهم المتغيرات الأساسية لسوق الصرف التي تتحكم في قيم سعر الصرف "وهي تسمى عند الاقتصاديين بنود ميزان المدفوعات"، إلى جانب عوامل أخرى تسمى ظروف السوق مثل: كمية العملات المعدة لغرض المضاربة، أسعار السلع والخدمات والسياسات النقدية وغيرها.
توجد هناك علاقة طردية بين سعر الصرف للعملة المحلية وبين سعر الفائدة السائد، فعندما ينخفض "يزداد" سعر الفائدة السائد فإن حجم الاستثمار للبلد يزداد "يقل"، ما يؤدي إلى زيادة "انخفاض" الطلب على العملة المحلية لغرض التجارة أو للاستثمار، هذا سيؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة المحلية (الدولار) "بسبب حدوث فائض طلب في سوق الصرف يدفع بسعر الصرف للانخفاض"، وبالتالي سيؤدي هذا في المقابل إلى ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية (الريال) "لأنه تكون لديها فائض عرض في سوق صرف العملة الأجنبية" وما دام قد انخفضت قيمة الدولار أمام العملات الأخرى فإنه سيؤدي إلى انخفاض الأسعار المحلية (الدولار) وتصبح السلع الأمريكية مغرية لدى المستهلكين الأجانب، ما يؤدي هذا إلى زيادة الصادرات المحلية مقابل ثبات الواردات الذي سيؤدي إلى حدوث فائض في الميزان التجاري للاقتصاد المحلي لأمريكا. بمعنى آخر أنه عندما يواجه الميزان التجاري الأمريكي عجزا فإن هذا يدل على أن هناك فائض في المعروض للعملة المحلية، أي المعروض منها أكبر من المطلوب مقابل البلد الآخر، وبالتالي يكون التصحيح في تخفيض قيمة العملة عن طريق تخفيض سعر الفائدة وهذا ما قام به البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي، وهذا سيؤدي إلى تخفيض الأسعار النسبية بين البلدان الأخرى لصالح الأمريكي، ما سيؤدي إلى زيادة الصادرات، وبالتالي تقليل العجز "فائض في صافي الصادرات".
ومن هذه الديناميكية لسعر الفائدة نستطيع أن نستخلص كيفية تأثير سعر الفائدة في سعر الصرف في كلتا الدولتين أمريكا والسعودية، ومن ثم نستنتج الآثار الإيجابية والسلبية ونستطيع التعرف على السياسة النقدية السليمة للريال السعودي، فإنه عندما قام البنك الفيدرالي الأمريكي بتخفيض سعر الفائدة فإنه يحاول التصحيح في ميزان المدفوعات - كما رأينا آنفا - لأن الميزان التجاري عندما يكون به عجز، خصوصاً عجز كبير مثل الميزان التجاري الأمريكي، فإنه يسبب إشكالية كبيرة من خلال دورة الدخل القومي الأمريكي التي تتسرب من اقتصادها المحلي الذي يكمش النمو الاقتصادي لديها. كما أن السياسة النقدية الأمريكية في إطار تصحيحها ستأخذ مدى أكبر من المدى المنظور بسبب الاختلال الهائل في ميزان مدفوعاتها، وبالتالي يجب أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
الريال السعودي مرتبط بالدولار بشكل مباشر عبر حقوق السحب الخاصة وتنتهج سياسة نظام الصرف الثابت، ما يعني أن السياسة النقدية تحاول المحافظة على سعر الصرف التوازني المعلن مع الدولار في حدود 3.75 عن طريق دخولها في حالة ارتفاع الريال مقابل الدولار، أي فائض معروض من الريال مقابل الدولار "العرض من الريال أكبر من الطلب عليه مقابل الدولار"، ما يعني شراء دولارات وبيع المزيد من الريالات حتى العودة مجددا إلى وضع التوازن عند 3.75 ريال مقابل الدولار والعكس في حالة حدوث فائض طلب للريال، وبالتالي المملكة تتحمل تكلفة فرصة بديلة مرتفعة نتيجة ارتباطها بالدولار يتمثل في خدمة هذا الارتباط بالمحافظة على سعر الصرف عند حدود 3.75 عبر ما تحتفظ به مؤسسة النقد من احتياطات دولاريه، فعند انخفاض الدولار بسبب انخفاض سعر الفائدة الأمريكي - كما في الحالة - سيؤدي إلى تآكل الاحتياطات من الدولارات عبر إدارة هذا الارتفاع والانخفاض في سعر صرف الريال مقابل الدولار عبر لعب دور المشتري في أسواق الصرف لحين العودة مجدداً عن سعره التوازني المعلن والاحتياطات من العملات الأجنبية هي جزء رئيس من القاعدة النقدية ومن عرض النقود الذي تتحدد فيه معظم السياسات النقدية، ومنها الإصدار النقدي، إلى جانب تحمل الاقتصاد السعودي تكلفة باهظة فيما لو أراد مقابل هذه السياسة بتخفيض مماثل في سعر الفائدة محاولة منها تخفيض سعر صرف الريال للعودة إلى وضع التوازن، فإنه سيتحمل الاقتصاد نتائج كارثية عبر زيادة السيولة المحلية ومن ثم زيادة معدلات التضخم بشكل كبير، الذي قد يؤدي معه إلى انهيار قيمة العملة المحلية، إضافة إلى أنه قد يؤدي في المدى القصير إلى هروب الرساميل الأجنبية لانخفاض العائد من الاستثمار، ما قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي للاقتصاد السعودي.
أما فيما لو استسلمنا إلى الآراء القائلة بفك الارتباط نهائياً بالدولار، فإن هذا القرار غير رشيد تماماً وهو بديل صفري "ركني" ينطوي على عدة أمور كارثية، من أهمها: لا يأخذ بالأضرار الناجمة لأكبر الشركاء التجاريين، وهي أن حجم التجارة البينية بالدولار تشكل نسبة تفوق 50 في المائة "حسب بعض الدراسات لدول منظمة الأوبك"، وكذلك أن النفط مازال يسعر بالدولار، وبالتالي يشكل 80 في المائة معظم صادراتنا بالدولار الأمريكي، الذي قد يؤدي إلى عجز هائل في الميزان التجاري وتدهور شديد في عملة الريال، كذلك الحال فإن لتعويم الريال مخاطرة تحوي التقلبات الحادة يومياً في سوق العملات، وبالتالي التقلبات الحادة في موازين المدفوعات وإدارة تلك الاختلالات في موازين المدفوعات عن طريق الاحتياطات من الأرصدة النقدية من الذهب والعملات الأجنبية لدى البنك المركزي التي لا يمكن أن يصمد معها إلا اقتصاد متين منتج متنوع الموارد، إلى جانب وجود بنك مركزي له الخبرة الطويلة والدراية الكافية في إدارة العملات ومراقبتها في الأسواق العالمية، ولا سيما إذا ما أخذ بعين الاعتبار أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي وخدمته تضفي أعباء مجددة لعملة الريال في حال تعويمها الأمر الذي يصعب معها السيطرة في حالة التقلبات الحادة.
ومن ثم فإن فك الريال لا يكون إلا تدريجياً في إطار التكامل النقدي الخليجي الذي يكفل إصدار عملة موحدة تدخل أسواق الصرف تدريجياً بإدارة بنك مركزي موحد قادر وذي كفاية مطلوبة. وحتى الارتباط بسلة عملات لا يلقى الوجاهة المناسبة من حيث القدرة الكافية على إدارة تلك السلة.
لذا فإن محاولة موازنة المعادلة من أطرافها الأخرى تبدو أكثر واقعية وعقلانية عبر إبقاء الريال مرتبطا بالدولار لحين ولادة العملة الموحدة من رحم التكامل النقدي الخليجي مع محاولة التغلب على آثاره الجانبية الأخرى عن طريق المحافظة على التذبذبات في سعر صرف الريال من الاحتياطات الدولارية ومن ثم معالجة التضخم بحزمة الأدوات النقدية، إلى جانب تفعيل وتشجيع المقاطعة الاقتصادية الشعبية للمنتجين الجشعين الذين يستغلون هذه الأوضاع غير الصحية للاقتصاد - كما ذكرت في مقالات سابقة - لأن هذا أفضل بديل ممكن يعطي أفضل المنافع وأقل الأضرار.
على أنه تبقى شيء جدير بالاهتمام ألا وهو أن كل المطالبات بفك الارتباط بالدولار هي مطالبات تعتريها الدقة العلمية، والسبب إزاءها عاطفي محض على نحو - كما رأينا - وهي آتية من الخلط غير المبرر بين الممارسة السياسية من جانب والاقتصاد من الجانب الآخر، حيث لا توجد في هذه القضية أي علاقة للسياسة من قريب أو بعيد، وهذا راجع إلى ثقافة العامة التي تريد التنفيس عن رفضها الصارخ سياسة الحكومة الأمريكية عبر هذه المطالب التي تحمل في طياتها العديد من الاستعجال الأعمى الذي له آثار فادحة على أي حال.

الأكثر قراءة