قوة الدينار وضعف النمو الاقتصادي يضعان صربيا في مأزق
كان معدل التضخم المرتفع للغاية إحدى السمات المميزة لفترة حكم الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش، لذا فإن أول شيء قامت به أول حكومة صربية جديدة هو تثبيت سعر صرف الدينار وبعث رسالة واعدة إلى الأسواق بشأن الاستقرار الاقتصادي.
والآن ومع حلول الذكرى السابعة على سقوط ميلوسيفيتش غدا الجمعة، فإن الدينار أصبح الآن أكثر قوة عن ذي قبل، لكن الرسالة التي كان يحملها في الأصل قد تلاشت مع مرور الوقت. وتسير العملة الصربية اليوم في اتجاه مخالف للاتجاهات العالمية، حيث يحقق مكاسب أمام اليورو ولكن في صراع يائس وبوسيلة واحدة لمواجهة التضخم بدلا من قدرات اقتصادية واعدة.
وفي أعقاب سقوط ميلوسيفيتش فإن الدينار تم ربطه بالمارك الألماني عند 30 دينارا مقابل مارك واحد أو ما يوازي 60 دينارا مقابل اليورو الذي وصل البلاد عام 2002.
وبعد استمرار الدينار في الانخفاض بشكل ثابت ليصل إلى مستوى 87.87 دينار
مقابل اليورو في أيار(مايو) عام 2006، بدأ يتخذ مسارا مختلفا ليحقق مكاسب منذ ذلك الوقت بنسبة 11 في المائة ليصل إلى مستوى 78.18 دينار مقابل اليورو الأسبوع الماضي. ولكن ذلك لم يعكس وضع الاقتصاد الصربي لكن عكس سلسلة من الإجراءات التي استهدفت الحد من النشاط الائتماني المزدهر.
وحذر خبير اقتصادي من أنه في الوقت الذي يتم فيه استخدام الدينار فعليا كأداة وحيدة لمواجهة الضغوط التضخمية، فإن الدينار المبالغ في قيمته أضر بقطاعات أخرى من اقتصاد البلاد.
وقال فلاديمير جليجوروف وهو خبير متخصص في الشؤون الاقتصادية لمنطقة
البلقان في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، إن "سعر الصرف الآن هو الأداة الوحيدة في مكافحة التضخم ... وهذا أمر خاطئ". وعلى الرغم من أن البنك المركزي الصربي شدد على أنه نادرا ما يتدخل في السوق من أجل التأثير في سعر صرف الدينار، فإنه قد تشدد بشكل عنيف من سياسته النقدية خلال السنوات القليلة الماضية بهدف التقليل من المعروض النقدي من الدينار في السوق المحلية وزيادة سعره.
وأدى هذا إلى تراجع معدلات الاستهلاك وتباطؤ حركة الأسعار لكن الانضباط النقدي بمفرده لن يستطيع الحد من التضخم على المدى الطويل، خاصة عندما يواجه بسياسات اقتصادية شعبية.
وسادت سياسات اقتصادية ذات توجه شعبي صربيا في النصف الأول من العام الماضي مع اقتراب سلسلة من الانتخابات والتي بدأت بإجراء استفتاء على الدستور في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر صربيا من المبالغة في الإنفاق حتى قبل منتصف العام الماضي، لكن الاتجاه في التساهل في الأمور المالية أصبح منذ ذلك الوقت حتى أكثر سوءا. وقال ممثل صندوق النقد المقيم في صربيا هارالد هيرشهوفر أخيرا، إن متوسط الأجور في صربيا خلال الأشهر الاثني عشر حتى منتصف العام الجاري ارتفع بنسبة "كبيرة" بلغت 30 في المائة على الرغم من معدل الإنتاجية المعتدل عند 6 إلى 7 في المائة.
وأضاف هيرشهوفر أنه على الرغم من أن إجراءات البنك المركزي قد تسهم في
الحد من التضخم إلى أقل من 10 في المائة مع استهداف الحكومة معدل سنوي للتضخم عند 6.5 في المائة وتم تعديله بالفعل بالارتفاع إلى 8.5 في المائة، إلا أن الزيادة في الإنفاق "تشكل هاجسا".
وبدأت الأجور المرتفعة في فرض ضغوط غير محتملة على الأسعار التي غالبيتها محكومة وفقا للقانون وليس لعوامل العرض والطلب في السوق. وفسر هيرشهوفر بذلك قائلا "مع تنامي أسعار التجزئة بنسبة 4.5 في المائة فقط خلال تلك الفترة فإن المواطن الصربي العادى يمكن أن يشتري سلعا تزيد كمياتها بنسبة 26 في المائة على عام مضى".
وقال جليجوروف إن القيام بجعل الواردات رخيصة بشكل مصطنع يشكل تأثيرا
سلبيا آخر للعملة المبالغ في أسعارها التي عززت نمو التجارة الخارجية بشكل "مقلق للغاية" وزيادة العجز في الحساب الجاري. ووصل العجز التجاري إلى 5.55 مليار دولار بحجم تجارة يبلغ 16.69 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري. ويزيد العجز بنسبة 38.6 في المائة على الفترة المقابلة من العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى 9.9 مليار دولار في نهاية هذا العام.
وحذر خبراء من أنه على الرغم من إمكانية تمويل العجز من الدخل المتحقق من عمليات التخصيص في السابق والقروض وتدفقات العملة الصعبة من الصرب المقيمين في الخارج، فإن صربيا ستقع في مشكلة إذا ما استمرت في تباطؤها في إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد. وأوضح جليجوروف أنه ليس هناك شخص يفكر في تطبيق سياسة اقتصادية رئيسية وإنما كل الحديث يدور فقط حول كوسوفو. وتوقع أنه لن يحدث أي شيء في المستقبل القريب على الرغم من التحذيرات، نظرا إلى أن "الوضع حاليا يتلاءم مع المستهلك المتوسط" أو بعبارة أخرى مع الناخب، وذلك في الوقت الذي تلوح فيه في الأفق الانتخابات الرئاسية والمحلية.