أساتذة الجامعات يتجهون للمدونات
وجدت باتريشيا ماجواير، رئيس ترينيتي في واشنطن العاصمة، نفسها في مواجهة مشكلة من مشكلات العصر الرقمي فجأة بسبب رسالة بريد إلكتروني وصلتها من متطفلة مجهولة الهوية يطلق على نفسه اسم ترينيتي جيرل.
كانت الرسالة تبلغ باتريشيا بوجود طالبة ما تستخدم عبارات مهينة على صفحة الويب الشخصية الخاصة بها على موقع الجامعة. لا يوجد ما هو مهين في المسألة حتى الآن، ولكن د. ماجواير كانت منزعجة، وتساءلت عن السر وراء هذه المعلومة التي نُقِلت إليها في سرية.
توصلت د. ماجواير إلى حل ملائم في عصر المدونات، فقد انتقدت هذا الواشي الغامض على مدونتها الخاصة، وشبهته بـ "الأخ الأكبر" وتساءلت: "من تكون ترينيتي جيرل هذه؟ ولماذا تقوم بإبلاغي على هذا النحو بشيء نشرته طالبة على الشبكة بشكل معلن؟
وبينما تفزع بعض الكليات وعلى رأسها رؤساؤها بسبب الانتقادات اللاذعة التي توجَّه إليهم على صفحات المدونات الخاصة بالطلبة، ومحاولة البعض وضع بعض القيود لما يكتبه الطلبة وأعضاء هيئة التدريس بالكليات، فإن القليل من رؤساء الجامعات والكليات، مثل د. ماجواير، قد قاموا بالقفز على هذا الانقسام الرقمي والاختلاف بين الأجيال، وبدؤوا في إنشاء مدوناتهم الخاصة.
ويوجه خبراء كوارث العلاقات العامة التابعين للجامعة تحذيرات شديدة لرؤساء الجامعات والكليات من خطورة إنشاء مدونات. ويعلق رايموند كوتون، استشاري المفاوضات التعاقدية لرؤساء الجامعات قائلا: "من الجنون أن يمتلك رئيس جامعة مدونة على الشبكة". ولكن أصحاب المدونات من رؤساء الجامعات يقولون إن "المدونات تجعل المؤسسة المسؤولين عنها، وهي الجامعة، تبدو مكانا ممتازا؛ لأنها تساعدهم على فتح حوار مباشر تقريبا مع كل من الطلبة والخريجين والجمهور.
تقول الدكتورة ماجواير إنها عندما بدأت تتعلم كيفية إنشاء المدونات، قررت أن تكتب في القضايا اليومية، لتتواصل مع مجتمع الجامعة. "في هذا المكان - تقصد المدونة - أستطيع أن أتحدث مرتين في الأسبوع لكل الناس". وبالفعل كتبت ماجواير عن النائبة نانسي بيلوسي التي كانت أول متحدثة للبرلمان التشريعي، وعن نتائج الانتخابات، وعن النصب التذكاري لمارتن لوثر كينج الابن. كما كتبت حول قضية السحاقيات والكنيسة الكاثوليكية الرومانية. والموضوع الأخير يمثل قضية حساسة لكلية تخدم نساء أغلبهن من الأقليات ومحدودات الدخل.
ويقوم روبرت إل. كاريت، رئيس جامعة تاوسون، خارج بالتيمور، بكتابة مدونة تحمل اسم بوب Bob، وينشر عليها صورة له وهو يرتدي النظارة الشمسية، ولحيته في طور التكوين، ويبتسم بشجاعة وهو يقف إلى جانب تميمة تاوسون تايجر. وبالرغم من الموضوعات الآمنة التي يتطرق إليها كاريت في حيطة مادحا في معظمها برامج، مثل الدورات التدريبية الصيفية، أو الدراسة في الخارج، أو تشجيع الطلبة على الانضمام إلى الأندية، أو المساعدة في تشجير الحرم الجامعي، فلا يعني ذلك أن الطلبة يلتزمون بالقدر نفسه من الحذر.
فقد نشر كاريت موضوعا بعنوان: "التعليم مقابل التدريب". وأثار هذا الموضوع طالبا متخرجا كتب إليه شاكيا مما أسماه عائق اللغة مع المعلمين المولودين في الخارج. ولتوضيح ما يريد قوله، قام الطالب بإعادة طبع ملحوظة مكتوبة بلغة إنجليزية ركيكة على يد أحد أساتذته تنتهي بما يلي: "بعض الدروس قد لا تروي عطشك فيما يخص توقعك التعليمي. ولكن هذه الدروس ستمثل حجرا صغيرا في بناء حياتك العملية".
ووجه الطالب سؤاله إلى كاريت: "هل من المتوقع للطلبة الذين يتعلمون موضوعا جديدا أن يستوعبوا الموضوع الجديد عندما يكونون مشغولين جدا في فهم ما يُقال؟!". وعلى الرغم من أن الدكتور كاريت قام بنشر رسالة الطالب على مدونته، فإنه لم يجب على تساؤله. وقال إنه قام بترحيل نص الشكوى في رسالة بريد إلكتروني إلى العميد.
إن هذا النوع من التواصل هو الذي يدفع المحامي كوتون إلى إطلاق تحذيراته. فإذا كان هناك أمناء مستائين من رئيس جامعة ما، فإن المدونات، كما يقول كوتون، توفر لهم ذخيرة حية للإطاحة به بكل سهولة. فمن الممكن اقتطاع تعليق عارض من سياقه، أو مشكلة طويلة الأمد لم يتم التعامل معها، أو موقف سياسي مثير للجدل كذريعة للاستغناء عن خدمات رئيس الجامعة.
يقول كوتون: "إن الالتزام السياسي في هذا العصر يجعل من المدونة أداة لتعريض رئيس الجامعة إلى كل أنواع النقد غير العادل وغير المضمون". ولعله من غير المدهش أن يكون هناك شخص آخر هو الذي يُدخل كلمات الدكتور كاريت إلى الكمبيوتر. فما على الدكتور كاريت إلا أن يُملي ما يريد نشره على مدونته، ليقوم مساعده بكتابتها ونشرها بينما يقوم موظف في قسم التسويق بعرض الردود ونشرها.
يقول د. كاريت "عندما تقوم بمهمة مثل جمع الأموال، فإن جزءا كبيرا من هذه المهمة يتمثل في خلق جو من الإثارة وحرم جامعي يتنقل بين الأماكن المختلفة". ويضيف قائلا: إن المدونة تضيف إلى كل هذا. ويحاول بعض رؤساء الجامعات والكليات التواصل بكتابة ملاحظات أخف وزنا وتتصل أكثر بتجاربهم الشخصية. فبعد نسيانه هاتفه الخلوي على سقف سيارته وتذكره لذلك أثناء القيادة، كتب ديك سيليستي، رئيس كلية كولورادو، حول "مجموعة الخلايا الدماغية التي تخبره بدقة عما سيحدث عندما يريد عمل شيء. ولكنها لا تستطيع أن تساعده على تجنب هذا الذي سيحدث".
وتقوم لو أنَّا كيه. سايمون، رئيس جامعة ولاية ميتشيجان، باستخدام مدونتها للحديث عن موضوعات جادة. على سبيل المثال، لقد أعادت طرح مسألة التعددية في الجامعة على الرغم من اعتراض الناخبين في ميتشيجان هذا الشهر. وقد أدانت د. سيامون أيضا خطة مجموعة محافظة كانت تنظم للقيام بمسيرة تحت عنوان "يوم الإمساك بالمهاجرين غير الشرعيين" في حرم الجامعة. وكانت هذه المسيرة ستتضمن قيام طالب بلعب دور مهاجر غير شرعي ثم يقوم الآخرون بتسليمه للسلطة. وقد سخرت الدكتورة سايمون من هذه التمثيلية "كطريقة للسخرية والحط من قدر الآخرين، ولا تؤدي إلى تعليمهم، وهي طريقة لإقصاء الأصوات وليست لاحتوائها".
وأدت هذه الرسالة إلى حصول الدكتورة سايمون على إعجاب اتحاد الطلبة وآخرين حسب ما كتبته ليندسي بويسون مراسلة صحيفة الجامعة. "وعلى الرغم من أن اختيار الرئيسة للموضوعات لا يتماس دائما مع اهتمامات الطلبة، فقد أراد الطلبة في هذا الموضوع بالذات أن يعرفوا موقف رئيسة الجامعة". وتضيف ليندسي أن إسهامات د. سايمون على المدونة الخاصة بها أسهم في تغيير صورة رئيس الجامعة أمام الطلبة داخل الحرم الجامعي. إن سعيها للتواصل مع الطلبة يعد جزءا مهما من الأشياء التي تحاول القيام به".
ولكن المجموعة التي خططت للقيام بالمسيرة، وتطلق على نفسها اسم "الأمريكان الشبان للحرية"، قالت إن مدونة الرئيسة أعاقت حرية التعبير، ولا ينبغي لأي أستاذ أو إداري أن يعبر عن رأيه الخاص حول أي موضوع بشكل معلن. وقالت رئيسة مجموعة "الأمريكان الشبان للحرية" كايل بريستو: "إننا هنا لكي نتعلم. وهؤلاء المعلمين موجودون هنا لتوفير جو ملائم للتعلم. وينبغي أن نكون قادرين على التفكير لأنفسنا، لا أن تأتي شخصية مثل د. سايمون لتفكر لنا". وقد ألغت كايل المسيرة، وفضلت إقامة منتدى حول "الهجرة" في وقت لاحق من الفصل الدراسي الحالي.
وفي جامعة ترينيتي، لعبت الصدفة دورها في اكتشاف دكتور ماجواير لشخصية "ترينيتي جيرل" على مدونتها، فبدلا من فتح الحوار مع الطالبات، خاطرت بإغلاقها عن طريق توبيخ الواشية علانية. ولكن استمرت الاتهامات المجهولة في الظهور مخالفة بذلك ميثاق الشرف الجامعي، وهي نقطة لم تستطع رئيس الجامعة أن تتجاهلها. وفي نهاية الأمر، كشفت "ترينيتي جيرل" عن هويتها لدكتور ماجواير، واتضح أنها طالبة في الجامعة.
وقال ليه مارتن، رئيس اتحاد الطلبة في جامعة ترينيتي، إن مدونة الدكتورة ماجواير تثري الجدل الدائر حول صفحات الويب وحرية التعبير وميثاق الشرف الجامعي، مضيفا إلى كل ذلك صوت رئيس الجامعة. فالجميع يريدون أن يعرفوا آراء رئيسة الجامعة".
ويقول بوب جونسون، استشاري تسويق للعديد من الجامعات، إنه "في حيرة؛ لأن مسؤولي الجامعات لم يقوموا بإنشاء مدونات بشكل عام. فمدونات الطلبة، على سبيل المثال، قد تصبح أداة حشد عظيمة الفعالية حتى لو كانت تحمل على صفحاتها وعدا ضمنيا – أو تهديدا – بالحقيقة الحرة. ويشجع بوب جونسون رؤساء الجامعات ليتحلوا بالجرأة بقوله:"عدم استطاعتك هزيمتهم لا يعني أن لا تقوم بإنشاء المدونات بنفسك".